الوقت المتاح أمام رئيس «سيتي غروب» لإعادة ترتيب المصرف قارب الانتهاء

1.6 مليار دولار خسائر العام الماضي رغم جهود تعديل المسار

فيكرام بانديت (نيويورك تايمز)
TT

إنها اللحظة الحاسمة بالنسبة لفيكرام بانديت، الذي يحاول منذ عامين - محققا بعض النجاح - إعادة ترتيب الفوضى المالية في «سيتي غروب». حيث بدأ، في الوقت الراهن، بعض الموظفين والمساهمين يفقدون صبرهم. ووفقا لما يقولون يجب على بانديت، بعد الخسائر التي بلغت عدة مليارات من الدولارات تحقيق أرباح خلال 2010، أو فإنه سيخاطر بوظيفته كرئيس تنفيذي.

وقد جاءت أحدث الأخبار من «سيتي غروب» يوم الثلاثاء عندما أعلنت الشركة عن خسائر تقدر بنحو 7.6 مليار دولار عن الشهور الثلاثة الأخيرة من 2009. وقد ابتلعت تلك الخسائر الربع سنوية معظم الأرباح الأخيرة لـ«سيتي غروب» وتركتها مدينة بنحو 1.6 مليار دولار عن العام بأكمله.

ويذكر أن «سيتي غروب» عانى من الأزمة المالية أكثر من أي بنك آخر، ويؤكد المحللون أن البنك ما زال بعيدا عن حل مشكلاته. ويقول بعض المطلعين إن معنويات العاملين في المؤسسة منخفضة للغاية، وإن بعض المصرفيين والمتداولين في «سيتي غروب» يهددون بالاستقالة والانتقال إلى العمل في أماكن أخرى للحصول على أجور أكبر. ويقول الموظفون في قسم صيرفة التجزئة العملاق في «سيتي غروب» إن البنك يبدو في حالة من الضياع.

ولا يتعلق الأمر بأن بانديت (53 عاما)، لم يبذل أقصى جهده، فمنذ أن خلف تشارلز برينس الثالث في أواخر 2007، وهو يعمل على تعديل الممارسات الإدارية المتساهلة التي وضعت «سيتي غروب» في تلك الورطة. كما قام بتسريح نحو 110 آلاف من العاملين في المؤسسة، وهو ما يعادل ثلث العمالة، كما وضع حدا للخسائر التي نجمت عن الاستثمارات في قروض الرهن العقاري السامة.

ومدعوما بثلاث من خطط الإنقاذ الحكومية التي كانت تبلغ عدة مليارات من الدولارات، استطاع تعزيز الأوضاع المالية لـ«سيتي غروب»، كما قام بتخفيض العمالة وباع أصولا تبلغ قيمتها نحو 351 مليار دولار في سوق صعبة للغاية.

ومن جهته، قال بانديت يوم الثلاثاء: «لقد حققنا تقدما هائلا في 2009». ولكن السؤال هو إذا ما كانت «سيتي غروب» وقادتها قادرين على التقدم بالسرعة المطلوبة لإرضاء الموظفين والمساهمين القلقين أم لا. بل إن بعض التنفيذيين في «سيتي غروب» يقولون إنهم أصبحوا مرهقين على إثر العدد اللانهائي للاستدعاءات الليلية لحضور الاجتماعات، بالإضافة إلى الفوضى الإدارية.

وعلى الرغم من أن سعر سهم «سيتي غروب» تعافي من الانخفاض الشديد الذي كان قد مني به أواخر شهر مارس (آذار) الماضي، عندما وصل إلى أقل من دولار أميركي، فإنه لم يعد بعد للسعر الذي كان عليه قبل الأزمة. فقد ارتفع سعر سهم «سيتي غروب» يوم الثلاثاء 12 سنتا ليصل إلى 3.54 دولار أميركي، وهو سعر منخفض عن السعر القياسي الذي بلغه في ديسمبر (كانون الأول) 2006 الذي وصل إلى 57 دولارا.

وبناء على ذلك، فإن بانديت يرزح تحت وطأة ضغوط هائلة لكي يثبت أن الشركة يمكنها في النهاية تحقيق الأرباح. ومن جهة أخرى، قال الأمير وليد بن طلال من المملكة العربية السعودية، وأحد كبار المساهمين في «سيتي غروب»، خلال الأسبوع الماضي في لقاء أجرته معه شبكة «فوكس» للأخبار المالية والاقتصادية إنه أخبر بانديت بأن فترة الهدوء قد انتهت، وأنه «عليه تقديم شيء الآن».

وكانت خسائر «سيتي غروب» خلال الربع الأخير من السنة المالية جاءت نتيجة ما قيمته 10.1 مليار دولار من المصروفات المرتبطة بسداد أموال برنامج الإنقاذ الحكومي. وفي الوقت الذي تمكنت فيه بعض البنوك الأخرى من سداد ديونها كافة لبرنامج الإنقاذ الحكومي، ما زال دافعو الضرائب يملكون 27 في المائة من «سيتي غروب».

وقد نجمت معظم خسائر «سيتي غروب» الأخيرة عن القروض والاستثمارات المتعثرة التي كانت قد أجرتها قبل تولي بانديت. والآن على بانديت قيادة البنك نحو مستقبل حافل بالعائدات، وليس فقط التعامل مع أخطاء البنك السابقة. ويعتمد الكثير من مستقبل بانديت على المسار الذي سوف يتخذه الاقتصاد العالمي والقيود الجديدة التي سوف تضعها واشنطن، فهناك أشياء تتجاوز صلاحياته. فأي صدمات محتملة، مثل حدوث تراجع اقتصادي في الولايات المتحدة، أو تخلف الحكومة عن سداد ديونها الخارجية سوف يقف حجرة عثرة أمام خططه للإصلاح.

ومن جهة أخرى، يقول جيسون غولدبرغ، المحلل في «باركليز كابيتال» حول بانديت: «إذا ما نظرت إلى كل ما فعله منذ أصبح الرئيس التنفيذي سوف تكتشف إنه قام بالكثير من الأشياء لحماية السفينة من الغرق. وربما كانت النتائج بطيئة، ولكن إصلاح السفينة يحتاج بلا شك إلى وقت طويل».

وعلى الرغم من أن أوضاع «سيتي غروب» في الوقت الراهن أفضل إلى حد كبير من أوضاعها خلال فترة الأزمة، فإنها ما زالت رمزا للأزمة وخطة الإنقاذ. وتخطط لجنة التحقيق في الأزمة المالية التي شكلها الكونغرس للتحقيق في أسباب الأزمة تخصيص جلسة استماع مستقلة للتحقيق قي أسباب ما حدث في «سيتي غروب».

وعلى الرغم من أن الدلائل التي تشير إلى أن خسائر «سيتي غروب» خارج البلاد تتجه نحو الاعتدال، فإن أعمال الشركة في مجال بطاقات الائتمان والرهون العقارية في أميركا الشمالية ما زالت تعاني من خسائر تقدر بالمليارات من الدولارات في ظل أزمة سوق العمالة والإسكان.

ومن جهة أخرى، قال جون سي غرسباك، كبير المسؤولين في القطاع المالي بشركة «سيتي غروب»، في تصريحات عبر الهاتف للصحافيين يوم الثلاثاء: «يعتمد استمرار ذلك الاتجاه أو توقفه على الاقتصاد الأميركي». كما حذر من أن فرض قواعد أكثر صرامة في ما يتعلق ببطاقات الائتمان من الممكن أن يعرقل الأرباح. بالإضافة إلى إمكانية تأثير برنامج تعديل الرهون العقارية على نتائج أعمال الشركة. وهو البرنامج - من خلال السماح للبنك بتأخير حساب الخسائر على المقترضين الذين استحقوا السداد - الذي قلل خسائر البنك الائتمانية بنحو 200 مليون دولار في الربع الأخير من السنة المالية.

وبغض النظر عما يحدث، يرى المديرون في «سيتي غروب» أن أمامهم عمل شاق. وعندما سئل غرسباك عن مجالات النمو الخاصة بالبنك لعام 2010، أعاد صياغة السؤال وأشار إلى أن تركيز البنك على المدى البعيد سوف ينصب على الأسواق الناشئة.

ومن الممكن أن تصبح الجهود التي يقوم بها بانديت لاستعادة ثقة «وول ستريت» أكثر صعوبة. فقد كشف مسؤولون في البنك يوم الثلاثاء أنهم بالغوا في وصف بعض التسويات المحاسبية، التي ترتفع وتنخفض في كل ربع من أرباع السنة بناء على تصور المستثمرين للمجازفة المترتبة على الديون التي يصدرها البنك. وحدد المسؤولون المشكلة عندما غيروا بعض الممارسات المحاسبية. والآن تحتاج هذه الأرقام إلى إعادة ضبط، مما يشمل خفض أرباح عام 2009 بواقع 840 مليون دولار. وصرح غرسباك للصحافيين: «لقد صححنا الخطأ الآلي في الحسابات» من دون أن يخوض في التفاصيل.

ومع ذلك يركز المتداولون والمصرفيون الاستثماريون في «سيتي غروب» على الوقت الراهن، خصوصا في ما يتعلق بحجم مكافآت نهاية العام. فبعدما أوردت التقارير أن وعاء المكافآت في «سيتي غروب» سيبلغ نحو 5.3 مليار دولار، وهو تقريبا المعدل نفسه في عام 2008، وعلى الرغم من تحقيق نتائج أفضل في عام 2009، فقد بدأ المصرفيون الاستثماريون في التذمر.

وعلى الرغم من أنه من المحتمل أن يتلقى الكثيرون مكافآت تبلغ عدة ملايين من الدولارات، فإن البنك يحدد سقف المبالغ النقدية بمائة ألف دولار. ويقول التنفيذيون في البنك إنهم يشعرون بالقلق من استقالة بعض الكفاءات بمجرد الإعلان عن المكافآت خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

ويشعر آخرون بأن بانديت يفتقر إلى الكاريزما لقيادة مثل هذه الشركة الضخمة، ويعتمد إلى حد كبير على دائرة صغيرة من المؤتمنين الذي يعطونه في بعض الأحيان النصائح السيئة. ففي الأسبوع الماضي، أعلن بانديت تغييرا آخر في الهيكل الإداري، عزل خلاله تيريزا إيه ديال، مديرة قسم الخدمات المصرفية الاستهلاكية العالمية، من منصبها بعد ثمانية عشر شهرا فقط من تعيينها. كما جرى سحب بعض المسؤوليات المهمة من اثنين من مساعدي بانديت، هما دون كالاهان المدير الإداري، ولويس بي كادن نائب رئيس مجلس الإدارة.

ومن المتوقع أن تتولي ليزا كابوتو، مدير قسم التسويق، مسؤولية قيادة مجلس جديد يترأسه بانديت، يتولى مسؤولية إدارة «سيتي غروب» العالمية، حسبما ذكر أشخاص مطلعون على التغييرات. وبالإضافة إلى ذلك، ستقود كابوتو مبادرات إعلانية رقمية، على الرغم من أنها قد تتوقف عن الإشراف على الاتصالات في الشركة. وأضاف بانديت مهمة التخطيط الاستراتيجي إلى مهام روتشي مادان، مدير مكتبه. وعلى الأقل في الوقت الراهن، ما زال بعض المحللين مستعدين لمنح بانديت بعض الوقت الإضافي. فيقول غولدبيرغ: «في حين أن هناك الكثير من الإحباط، فإن الأمر لا يتعلق ببانديت، بل بالأزمة التي يمر بها البنك».

* خدمة «نيويورك تايمز»