جهود في «ستارباكس» أتت بثمارها لتكسبها طابعا محليا

بعدما كانت من أوائل المقاهي التي عانت من الأزمة المالية ونظر إليها المستهلك باعتبارها من الكماليات

أحد مقاهي «ستارباكس» الجديدة الذي يطلق عليه «فيفتينث أفينيو» للقهوة والشاي («نيويورك تايمز»)
TT

جلس مجموعة من الشباب الصغار يرتدون قمصانا قطنية ونظارات كبيرة الحجم لاجتراع الإسبرسو، وتناول قطع الجبن وخبز الباغيت، الذي تم جلبه من أحد المخابز المحلية القريبة وهم يستمعون إلى عازف غيتار يغني وهو يداعب أوتار غيتاره.

ربما يكون ذلك المشهد مألوفا في الكثير من المقاهي المنتشرة في أنحاء البلاد كافة، إلا أنه هذه المرة كان في أحد مقاهي «ستارباكس» الجديدة الذي يطلق عليه «فيفتينث أفينيو» للقهوة والشاي.

جدير بالذكر أن ذلك المقهى الجديد، واحد من مقهيين حديثين في كابيتول هيل يجذبان الجمهور، وقد نشأ في أعقاب جلسة لتبادل الأفكار بين مجموعة من العاملين في «ستارباكس» بعدما أخبرهم رئيسهم التنفيذي أن عليهم «تحطيم القواعد وصناعة شيء لأنفسهم».

وكانت تلك الإرشادات من بين الجهود التي يبذلها منذ أن عاد للعمل كرئيس تنفيذي قبل عامين، لمساعدة الشركة المتعثرة من خلال بث شحنة من الحماس والرغبة في المخاطرة إلى تلك السلسلة العالمية من المقاهي.

ومن جهته، قال الرئيس التنفيذي: «لقد ضللنا طريقنا، وقد عدنا لنقطة البداية حيث يجب علينا التعاون معا لكي نجد طريقنا مرة أخرى، ومن خلال ذلك النوع من المناقشات والاهتمام اللذين ربما لم نمارسهما كشركة منذ الأيام الأولى للتأسيس، فإن الخوف من الإخفاق والرغبة في النجاح يجب أن يكونا هما العاملين اللذين يحركاننا».

وهناك بعض المؤشرات إلى أن الجهود التي بذلتها «ستارباكس» قد أتت بثمارها؛ فقد أعلنت الشركة، يوم الأربعاء، عن تقريرها عن الربع الأول من العام الحالي، الذي يتضمن فترة العطلة ذات الأهمية الخاصة، وقد بلغ صافي الدخل فيها 241.5 مليون دولار، مرتفعا عن 64.3 مليون دولار في نفس الربع من العام السابق.

ومن جهة أخرى، ارتفعت العائدات بنسبة 4% حتى وصلت إلى 2.7 مليار دولار، كما ارتفعت مبيعات المحلات المشابهة بنسبة 4% بعد معدلات الانخفاض الثابتة التي كانت تعاني منها، وخلال العام الحالي، تضاعف سعر أسهم الشركة 3 أضعاف، ليصل إلى 23.29 دولار، على الرغم من أنه ما زال أقل بكثير من المعدل القياسي الذي حققته الشركة في 2006، والذي كان يصل إلى 40 دولارا.

ولكن حتى إذا استمر شولتز، الذي اشترى المقاهي الـ6 الأولى لـ«ستارباكس» عام 1987، في النظر إلى الشركة بعين الرواد، فإنها لم تعد شركة ناشئة كما أن مقاهيها ليست مقاهي محلية، ويتساءل بعض المحللين إذا ما كانت «ستارباكس» ترفض هويتها الجديدة، فيقول برايانت سيمون أستاذ التاريخ بجامعة تيمبل، الذي ألف كتابا حول «ستارباكس» بعنوان «كل شيء عدا القهوة»: «من الصعب استعادة ذلك النوع من البريق الذي كان لها في البداية؛ حيث إن إحساسه بذلك النشاط هو ما يستحوذ على الأهداف التي يتم تحقيقها الآن».

وعندما عاد شولتز في يناير (كانون الثاني) عام 2008، كانت «ستارباكس» قد سجلت انخفاضا في الربع الأول من السنة المالية عن عدد العمليات التي تقوم بها أفرعها داخل الولايات المتحدة، وفي الوقت الذي افتتحت فيه سلسلة المقاهي 2571 مقهى جديدا عام 2007، شهدت أسهم الشركة التي كانت تشهد نموا منقطع النظير انخفاضا بنسبة 42% من قيمتها.

وكانت «ستارباكس» من أوائل المقاهي التي تعاني من الأزمة المالية، خاصة في ظل انخفاض إنفاق المستهلكين الذين أصبحوا ينظرون إليها باعتبارها من الكماليات وليست من الاحتياجات الأساسية، وفي الوقت نفسه، ظهر لها منافس آخر في الجانب الآخر من السوق، بعدما بدأت سلسلة «ماكدونالدز» تقديم الإسبرسو.

وعندما كان السيد شولتز يقف في أحد البارات الجديدة في سياتل ليجرب نماذج من الإسبرسو مع اللبن كامل الدسم، ويتحدث حول مصير «ستارباكس» كان يستخدم عبارات مثل «أصالة خبرة القهوة، والرومانسية، والمسرح الذي بث الحياة فيها».

ولكن ذلك لا يتوافق مع حقيقة الكثير من عملاء «ستارباكس»، الذين يهرعون إليها صباح كل يوم في طريقهم إلى العمل أو الكثير من عملائها السابقين الذين كانوا يرفضون أن يكون للمقهى مظهر مطاعم الوجبات السريعة، ويفضلون أن تكون تلك المقاهي صغيرة الحجم تقدم فنجان قهوة تم إعداده بعناية فائقة.

وكان من بين الإجراءات الأولى التي اتخذها شولتز بعد عودته؛ وقف ذلك السباق لافتتاح المقاهي، وتسريح 1500 عامل بالمقاهي الأميركية و1700 عامل بالأفرع العالمية، والتفكير في كيفية تشجيع الموظفين المتبقين الذين يبلغ عددهم 150 ألفا على التفكير كالموظفين بالمقاهي الصغيرة، الذين ينحصر تفكيرهم في تقديم كوب مميز من القهوة لعملائهم، فعلى سبيل المثال يقوم الأشخاص المختصون بشراء حبوب القهوة الخاصة بـ«ستارباكس» باختيار أنواع محددة من حبوب القهوة يتم إنتاج كميات كبيرة منها تكفي لإمداد كافة الأفرع باحتياجاتها، وكانوا يرفضون شراء حبوب القهوة التي يتم إنتاجها بكميات قليلة، والتي تشتريها المقاهي الصغيرة التي تقدم قهوة مميزة، وقد عمل شولتز على تغيير ذلك: «نحن لا نقدم الملابس ذات القياس الواحد لكي تلائم الجميع».

وعلى الرغم من أن شولتز ما زال يحاول إدارة الشركة باعتباره شخصا يحاول تأسيس شركة صغيرة، فإنه أصبح أكثر ميلا لأفكار الشركات الكبرى التي كان يرفضها قبل ذلك، فخلال العام الماضي، احتفت «ستارباكس» باستطلاعات الرأي الخاصة بالعملاء، وأقامت أولى حملاتها الإعلانية الكبرى.

فيقول، وران بينيس، مؤسس أكاديمية القيادة بجامعة جنوبي كاليفورنيا، الذي كان يعرف شولتز منذ أواسط التسعينات، إن الرواد ليسوا مجرد رؤساء تنفيذيين فهم «يستمرون في تغيير الأوضاع وهدم بنائهم القديم وتشييد آخر مكانه؛ لأنهم يعشقون فوضى البدايات الجديدة وهو يحمل تلك الميزة»، ولكنه أكد، في الوقت نفسه، أن شولتز تمكن من إضافة «الجدية والعمق» على عمله، وأضاف بينيس: «لا أعتقد أنه سوف يصبح من الرواد الكلاسيكيين الذين يبتكرون ولكنهم لا يديرون».

وقام شولتز بإعادة، كليف باروز، الذي كان يدير سلسلة المقاهي خارج البلاد، إلى سياتل لإدارة العمليات الأميركية، والذي كان صاحب فكرة إقامة لغة حوار مع العملاء، التي تاهت وسط اندفاع السلسلة إلى التوسع وفتح مزيد من الأفرع.

ومن جهة أخرى، ففي الوقت الذي أصبح فيه عشاق القهوة في الولايات الأميركية الجنوبية يفضلون المشروبات الباردة، وسكان الشمال الشرقي يفضلون القهوة، وسكان المناطق الشمالية الغربية التي تقع على المحيط الهادئ يفضلون شرب الإسبرسو، لم يكن التنفيذيون المسؤولون عن مقاهي «ستارباكس» بتلك المناطق المختلفة واعين بتلك الاختلافات في رغبات العملاء؛ نظرا لأنهم يتم توزيعهم على مناطق متجانسة جغرافيا، وقد أعاد باروز تغيير تلك المناطق الجغرافية: «لقد أدركنا أن المسألة ليست لعبة رقمية؛ بل إنها مسألة تتعلق بالعملاء الذين يتأثرون بالأماكن التي يعيشون بها».

كما استعان شولتز بأرثر روبنفيلد الذي كان قد ترك الشركة عام 2002، كرئيس للتنمية العالمية والمسؤول عن اختيار المواقع وتصميم المقاهي الجديدة، ولكي يجعل لكل مقهى نمطا فريدا يميزه، ويحاول روبنفيلد أن يضفي على كل مقهى لمسة من المحلية تعكس خصائص البيئة المحيطة به وتاريخه المعماري؛ ففي المقهى بجامعة فيلدج بسياتل كان كل شيء، بدءا من الطاولة الريفية المصنوعة من أخشاب شجرة الدردار التي تتواءم مع حي وولنغفورد بسياتل والتي يصطف حولها صفان من المقابس الكهربائية، لأن الطلاب يأتون لاستذكار دروسهم ليلا بها، يحمل طابعا محليا، وفي «ستارباكس» الذي يقع بحي كابيتول هيل، تزين الطاولات عتيقة الطراز أباريق فخارية غير متماثلة تحمل أزهارا برية.

ويتم طحن حبوب القهوة بالطلب، وصبها من خلال قمع مخروطي يشبه تلك الأقماع التي تستخدمها المقاهي الكلاسيكية، وفي الفناء الخارجي، تصطف الدلاء على أرضية المقهى، المنقوش عليها كتابة بخط اليد تشجع الجيران على أخذها لتسميد حدائقهم.

ويقول جوشوا كوفيل، أحد عملاء «ستارباكس»، الذي جاء من سان فرانسيسكو، والذي يقول إنه لم يذهب قبل ذلك إلى «ستارباكس»: «كافة مقاهي (ستارباكس) متشابهة، ومن الطبيعي ألا تحب تلك الكيانات المتشابهة ولكنهم يحاولون تغيير الأوضاع».

ومن جهة أخرى تقول، سيلفيا لي، الطبيبة التي تعمل في الجوار، إنها شعرت بالحماس عندما شهدت افتتاح مقهى جديد، ولكنها فقدت ذلك الحماس عندما علمت أنه أحد أفرع «ستارباكس»، وتضيف: «لا أحد يحب أن يكون ذلك العميل الساذج الذي يخدع».

وبالنسبة لـ«ستارباكس»، تعمل تلك المقاهي في جانب منها باعتبارها معامل اختبار لبعض المنتجات التي يقدمونها مثل أكياس حبوب البن والقهوة التي تعد خصيصا في مقاهيهم حيث يبيعون تلك المنتجات إلى مقاهٍ أخرى.

كما أنها المكان الملائم لكي يشحذ فيه شولتز إحساسه الريادي، فقد قال إنه يخطط لافتتاح مقاهٍ مماثلة في مدن أخرى تمتاز بذلك الطابع الفني المحلي والأثاث العتيق، «وأعتقد أننا سوف نكون قادرين على تعزيز ذلك باستخدام تكلفة أقل».

*خدمة «نيويورك تايمز»