شكوك حول مدى نجاعة مسعى أوباما للحد من «المجازفات المتهورة» للبنوك

خبراء يرون أن خطته أثارت التساؤلات أكثر مما قدمت إجابات

أوباما معلنا أول من أمس عن خطته حول المصارف (رويترز)
TT

يبدي الرئيس أوباما رغبته في تقليص أحجام المصارف، التي توصف بأنها على درجة بالغة من الضخامة لا يمكن للحكومة معها السماح لها بالانهيار. إلا أن تعهده، أول من أمس الخميس، بإعادة صياغة قواعد «وول ستريت» أثار الكثير من التساؤلات التي ما تزال تبحث عن إجابة، بينها التساؤل الأكبر: هل من شأن هذا الإجراء بالفعل الحيلولة دون وقوع أزمة مالية أخرى؟ الملاحظ أن مقترحات الرئيس بفرض قيود جديدة على حجم نشاطات المصارف الكبرى خلفت أصداء كبرى داخل سوق الأسهم. وسادت مشاعر الحيرة أوساط المسؤولين التنفيذيين بالمصارف حول: كيف يمكن لخطة أوباما العمل والنجاح؟ وشدد الكثيرون منهم على أن هذه المقترحات، حال إقرارها، لن تحدث تغييرا كبيرا في نشاطاتهم التجارية. إضافة إلى ذلك، لم يتضح ما إذا كان المقترحان - حظر خوض المصارف، التي في حوزتها ودائع مؤمنة فيدراليا، مراهنات تنطوي على مخاطرة كبيرة، ومنع أي إجراءات اندماج جديدة داخل الصناعة المالية - سيجديان أي نفع، حال إقرارهما سابقا، في منع الأزمة المالية التي دفعت النظام الاقتصادي إلى حافة الانهيار عام 2008.

وعلى ما يبدو، ترك أوباما مهمة صياغة التفاصيل الجوهرية إلى الكونغرس، في وقت تهدد الصراعات الحزبية بداخله جهودا إصلاحية أخرى يدعمها الرئيس، والتي تتعلق بإنشاء وكالة لحماية المستهلك تتمتع بسلطات رقابية على بطاقات الاعتماد والرهن العقاري والمنتجات الأخرى المرتبطة بالإقراض.

من جانبهم، أبدى عناصر بارزون في «وول ستريت»، والذين فوجئوا بالإعلان عن خطة أوباما، تحفظا في رد فعلهم.

على سبيل المثال، قال جون سي. بوغل، مؤسس «فانغارد»، وهو صندوق استثماري ضخم: «تراودني بعض الشكوك حيال حجم النشاطات التي يمكن للحكومة الفيدرالية بالفعل تنظيمها. إننا في حاجة إلى المحاولة، لكن كل المحامين والعباقرة الموجودين في (وول ستريت) سيبتكرون سبلا للالتفاف على التنظيمات الجديدة». وبالفعل، اعترف أوباما أن «جيشا من أعضاء جماعات الضغط الموالية للصناعة المالية» يمارسون ضغوطا على الكونغرس. إلا أنه تعهد بأنه «إذا كان هؤلاء يرغبون في إشعال صراع، فأنا على أتم استعداد!».

يذكر أن أسهم المصارف الكبرى - وهي الكيانات التي ربما تمثل الخاسر الأكبر حال سن المقترحات الجديدة - تراجعت بحدة، مما تسبب في تراجع السوق بصورة عامة بمقدار 2% تقريبا. إلا أنه حتى في الوقت الذي تعثرت أسواق الأسهم، عمد أوباما - الذي ما يزال يعاني بسبب خسارة الديمقراطيين، الثلاثاء، لمقعد ماساتشوسيتس الذي سبق وأن تقلده السيناتور إدوارد إم. كينيدي - إلى تصعيد توجهه الشعبوي، بعد أسبوع من اقتراحه فرض ضريبة جديدة على المؤسسات المالية الضخمة لاستعادة الخسائر المتوقعة بسبب مبالغ الإنقاذ المالي التي قُدمت إليها عام 2008. وقال أوباما إن المصارف أضرت الاقتصاد بالفعل بإقدامها على «مجازفات ضخمة تنطوي على مخاطر كبيرة، سعيا وراء جني أرباح سريعة وعلاوات ضخمة». ومن جانبها، ترغب الإدارة في منع الشركات من امتلاك صناديق استثمار أو صناديق أسهم خاصة أو الاستثمار فيها أو تولي رعايتها، وكذلك من المشاركة في الاتجار في مختلف الأدوات والمشتقات المالية بأموال المصرف، بدلا من أموال المودعين به.

ووصف أوباما الحظر بـ«قاعدة فولكر»، اعترافا بفضل رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي السابق، بول إيه. فولكر، الذي تزعم الاقتراح. يذكر أن اتجار المصارف في الأوراق المالية، وبخاصة الأصول المدعومة برهن عقاري، تسبب في الأزمة المالية التي وقعت عام 2008 وما تلاها من تقديم أموال إنقاذ.

إلا أنه لم يتضح كيف سيتم تعريف نشاطات الاتجار في مختلف الأدوات والمشتقات المالية بأموال المصرف، بدلا من أموال المودعين به. من ناحيتهم، قال مسؤولون إنه لن يتم السماح للمصارف باستخدام رؤوس أموالها في «عمليات اتجار لا صلة لها بخدمة العملاء». والاحتمال الأكبر أن يجبر مثل هذا القيد المصارف، التي تملك صناديق استثمار وصناديق أسهم خاصة، على التخلص منها بمرور الوقت. إلا أن مسؤولين أشاروا إلى أنه سيسمح بتنفيذ عمليات متاجرة نيابة عن العميل، واستخدام رأس مال المصرف لخلق سوق أو حماية عميل من مخاطرة أمامه.

الملاحظ أن المؤسسات التنظيمية الفيدرالية تمارس ضغوطا شديدة بالفعل على المصارف لتقليص نشاطاتها في مجال الاتجار في مختلف الأدوات والمشتقات المالية بأموال المصرف، بدلا من أموال المودعين به. وتتوقع المصارف أن تطالب الجهات التنظيمية بأن تجمع المصارف مزيدا من رؤوس الأموال حال إقدامها على مجازفات تنطوي على مخاطرة، مما سيقلص ربحية مثل هذه الإجراءات. وأشار بعض أكبر المصارف إلى أن الاتجار في مختلف الأدوات والمشتقات المالية بأموال المصرف، بدلا من أموال المودعين به، شكل أقل من 10% من دخلها، بل وأقل بكثير من ذلك في بعض الحالات. على سبيل المثال، تخلى «مورغان ستانلي» بالفعل عن جميع شعبه التي تمارس هذه النشاطات ما عدا اثنتين. وقدرت «مجموعة بكينغهام البحثية» أن القواعد الجديدة ستقلص عائدات «سيتي غروب» و«بانك أوف أميركا» و«جيه بي مورغان تشيس» بأقل من 3%. بينما أعلن «غولدمان ساكس»، الذي يستقي عُشر عائداته من هذه النشاطات، أنه سيبقى قادرا على المضي قدما في ظل القواعد الجديدة.

من جهته، قال ديفيد إيه. فينيار، المسؤول المالي الأول في المصرف: «لا تعد نشاطات الاتجار في مختلف الأدوات والمشتقات المالية بأموال المصرف، بدلا من أموال المودعين به، كبيرة للغاية داخل (غولدمان ساكس) مقارنة بحجم المؤسسة». يذكر أن أوباما يسعى أيضا نحو تقليص عمليات الاندماج داخل القطاع المالي، من خلال فرض قيود على نصيب السوق من خصوم المؤسسات الكبرى.

ومنذ عام 1994، تم وضع حد أقصى لحصة الودائع المؤمنة التي يمكن لأي مصرف الاحتفاظ بها يتمثل في 10%. وترغب الإدارة في تمديد هذا الحد ليشمل جميع الخصوم، وتقليص النشاطات بالغة المخاطرة في أي مصرف. وقال مسؤولون إن الإجراءات المقترحة من شأنها منع المصارف التي تقف على عتبة السيولة من الاستحواذ على مصارف أخرى، لكنها لا تلزم المصارف بتقليص نشاطاتها التجارية أو التوقف عن النمو اعتمادا على نفسها. وأعلنت إدارة أوباما أن المقترحات الجديدة تتواءم مع «روح غلاس ستيغول» ، في إشارة إلى قانون صدر خلال حقبة الركود الكبير، فصل بين الصرافة التجارية والاستثمارية، وأُلغي عام 1999. وقد تناقش الخبراء الاقتصاديون حول ما إذا كان إلغاء القانون أسهما في الأزمة المالية. يذكر أن المصرفين الاستثماريين الكبيرين، «بير ستيرنز» و«ليمان برزرز» لم يكونا تجاريين، وتم تحويل «غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي» إلى شركتين قابضتين لمصارف فقط بعدما بدأ النظام في التداعي.

ولا تزال تساؤلات قوية تفرض نفسها على الصناعة حول توقيت ونطاق الإجراءات الجديدة المقترحة. وقال مسؤولون إن القيود الجديدة ستطبق على المؤسسات الأجنبية، مثل «باركليز» و«يو بي إس»، والتي تتميز بنشاطات واسعة داخل الولايات المتحدة. لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الحكومات الأجنبية ستوافق على هذه القواعد، وكيف ستلتزم بها. وأشار المسؤولون إلى أن المقترحات الجديدة أيضا تدعو إلى «فترة انتقالية معقولة» للمؤسسات كي تلتزم بالقواعد الجديدة، لكن لم يحددوا جدولا زمنيا معينا. يذكر أن تيموثي إف. غيتنر، وزير الخزانة، ولورانس إتش. سمرز، مستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية، صاغا هذه المقترحات بناء على طلب من الرئيس، وعملا بصورة وثيقة مع فولكر، وفقا لمسؤولي البيت الأبيض. وقد اكتملت عناصر الخطة خلال موسم العطلات الأخير، وقدمت إلى الرئيس بتوصية بالإجماع من الفريق الاقتصادي المعاون للرئيس.

وفي الوقت الذي دخل غيتنر وسمرز في نقاش حول المخاوف المرتبطة بمسألة أن الاتجار في مختلف الأدوات والمشتقات المالية بأموال المصرف، بدلا من أموال المودعين به، لا علاقة لها بخضم الأزمة الأخيرة، فإنهما خلصا إلى أن هناك حاجة إلى إقرار إصلاحات لتناول المصادر المحتملة للمخاطر في المستقبل.

وجاء رد الفعل من قبل الكونغرس باهتا، نظرا إلى عدم رغبة أي من الحزبين في الظهور بمظهر المساند لمصارف تفتقر إلى الشعبية. يذكر أن مجلس النواب مرر الشهر الماضي قانونا من شأنه تعزيز الإشراف على المصارف.

*خدمة «نيويورك تايمز»