البيت الأبيض يؤكد ثقته في التمديد فترة جديدة لبن برنانكي

القرارات الجديدة للإدارة الأميركية تؤثر سلبا في أسواق الأسهم

بن برنانكي الرئيس الحالي للاحتياطي الفيدرالي الأميركي (رويترز)
TT

بعد عملية تعبئة شاملة، أعرب مسؤولون في البيت الأبيض أول من أمس عن ثقتهم في أنهم قاموا باحتواء انتفاضة شعبوية بين أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي كانوا قد مثّلوا تهديدا لترشيح الرئيس الأميركي أوباما لبن برنانكي لولاية ثانية توليه منصب رئيس الاحتياطي الفيدرالي (المصرف المركزي في الولايات المتحدة). وأملا في تهدئة المخاوف داخل الأسواق المالية من أن يصبح برنانكي ضحية للغضب من وول ستريت، قال السيناتور كريستوفر دود، الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت ورئيس اللجنة المصرفية بمجلس النواب، والسيناتور جود غريغ، الجمهوري عن ولاية نيو هامبشاير وعضو اللجنة، في بيان: «بناء على نقاشاتنا مع زملائنا، نحن واثقون من أن برنانكي سوف يحظى بالقبول».

بينما توقع ماكونيل زعيم الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي أمس أن برنانكي سيحظي بموافقة من الحزبين. ووافق الرئيس أوباما على مشروع قانون من المخطط طرحه للتصويت داخل مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء بخصوص تشكيل لجنة موازنة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ويشترط طرح توصياتها بخفض الموازنة إلى التصويت عليها داخل الكونغرس خلال العام الحالي. ولكنه مستعد أيضا لإنشاء لجنة من خلال أمر تنفيذي إذا لم يحصل مشروع القانون على الأصوات، على الرغم من دعمه. وقد كُثفت الجهود من أجل ضمان التصديق على برنانكي بعد أن أعلن سيناتوران عن الحزب الديمقراطي معارضتهما الجمعة الماضية، واستمرت الجهود أول من أمس، وتضمنت اتصالات بالسيناتورين أجراها أوباما وبرنانكي. وفي ساعات الظهيرة الأخيرة، أصدر السيناتوران بياني دعم.

وتقول قيادات في البيت الأبيض وقيادات ديمقراطية داخل الكونغرس إنهم يعتقدون حاليا أن لديهم الأصوات الستين اللازمة لمنع إعاقة التمديد لبرنانكي. ويتوقعون معارضة من جانب بعض الديمقراطيين للتمديد ولكن يتطلب ذلك 50 صوتا فقط.

وجاء التحول الأول في ما بدا كأنه تدافع لمعارضة برنانكي في البيان الذي أصدره دود وغريغ. وبعد أربع ساعات تقريبا أصدر ديمقراطيان وهما السيناتور جون كيري من ولاية ماساتشوستس والسيناتور ريتشارد دوربين من ولاية إلينوي، بيانات دعم منفصلة.

وقال كيري، معترفا بأن الكثيرين من الأميركيين يشعرون بالغضب بسبب خطط إنقاذ البنوك الكبرى: «أتفهم السبب في الخلاف والتساؤلات وحتى الغضب» المرتبط بالتمديد لبرنانكي. ولكنه أضاف: «ومع ذلك، فإنه على ضوء المصاعب أعتقد أن برنانكي قدم نموذجا قويا وهاما ساعد على تجنب كوارث أشد». ومن المقرر أن يساعد تصديق أوباما على مشروع قانون لجنة الموازنة الذي يرعاه ديمقراطي وجمهوري بارزان في لجنة الموازنة بمجلس الشيوخ على تمرير قانون منفصل لا يحظى دوما بالشعبية لرفع حد الدين حتى يمكن للحكومة الاستمرار في الاقتراض لتغطية عملياتها. وفي مقابل أصواتهم لرفع حد الدين، طلب ديمقراطيون معتدلون التصويت على مشروع قانون إنشاء لجنة موازنة، في إشارة على أن البيت الأبيض والكونغرس جادّان في تقليل الموازنات السنوية.

وعن طريق بدء شراكة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري والاتجاه إلى المحافظة المالية في وقت يطالب فيه المواطنون بهذين الأمرين، من المحتمل أن يجعل أوباما أعضاء الكونغرس عن الحزب الجمهوري في موقف الدفاع لمعارضة إنشاء لجنة موازنة. وقال غريغ، الجمهوري البارز في لجنة الموازنة الذي أشرف على مشروع قانون إنشاء اللجنة مع السيناتور كنت كونراد الرئيس الديمقراطي للجنة، في مقابلة، أنه يجب طرح الضرائب والنفقات على الطاولة.

وكان الرئيس أوباما قد أرجأ الموافقة على قانون لإنشاء اللجنة ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن المعارضين كان من بينهم رئيسة مجلس النواب النائبة نانسي بلوسي من ولاية كاليفورنيا. وكان مقترحه الاحتياطي إنشاء لجنة رئاسية لا تتطلب تصويت الكونغرس على توصياتها كما سيتطلب القانون.

وكانت واشنطن أمضت شهورا تحاول مداواة النظام المالي حتى يتعافى ليعود إلى ما قبل الأزمة الاقتصادية التي ألمت بالبلاد في 2008، للعمل على استقرار الأسواق المتضررة وإنعاشها، وفي النهاية استعادة تريليونات الدولارات من خسائر المستثمرين، لكن حظوظ «وول ستريت» لم تحقق النجاح المتوقع لها.

والآن تكتسب المواقف المتشددة تجاه «وول ستريت» والمصرفيين والممولين وحتى المسؤولين الحكوميين - الذين يتعرضون لهجوم علني ووصفهم بأنهم المتسببون في الأزمة - زخما سياسيا، وهناك دلائل على أنها تقوض الاستقرار المالي الذي دعمته الحكومة.

وقد نسفت الخطوات الرامية إلى كبح جماح أضخم البنوك الأميركية، الثقة في أسواق الأسهم الأسبوع الماضي، مما هبط بأسعار الأسهم إلى أدنى مستوى لها خلال عام. ويبدي المحللون خشيتهم من تردي الأوضاع بصورة أكبر قبل تحسنها، نظرا إلى تحول الغضب إلى شكوك حول ممارسات الأعمال والتكهنات.

وأوضحت صحيفة واشنطن بوست أن حالة من الغضب المعادي لـ«وول ستريت» ازدادت سوءا في أعقاب الهزيمة التي تعرض لها الحزب الديمقراطي في السباق على المقعد الشاغر في مجلس الشيوخ. وتعزى تلك الخسارة إلى المخاوف من أن الإدارة لم تركز بشكل كاف على المتاعب الاقتصادية المتوالية التي شهدتها البلاد، التي وقعت خلال إنقاذ الكثير من الشركات المالية بأموال دافعي الضرائب خلال العامين الماضيين.

وخلال إغلاق البورصة يوم الجمعة الماضي، هبط مؤشر «داو جونز» 4 في المائة خلال أربعة أيام. كما ارتفع «مؤشر التطاير» في بورصة شيكاغو للخيارات، الذي يقيس الدرجة التي يتوقع المستثمرون تأرجح البورصة ودائما ما يدعى «عداد الخوف»، 50 في المائة خلال أسبوع. وفي خطوة تذكر بعمق الأزمة المالية، بدأ المستثمرون في التدافع على السندات الحكومية سعيا للحماية من الاضطرابات.

وفي اتصالات مع كبار الأعضاء في مجلس الشيوخ، عاود الرئيس أوباما طمأنتهم بأن رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي في الطريق للحصول على فترة ولاية ثانية، وذلك بحسب ما ذكره مسؤولون بارزون في الإدارة.

وأكدت الصحيفة في تقريرها أن إعادة الاطمئنان من جانب الخطوات التي أقرتها الحكومة لاستقرار الأسواق، ومن بينها الخطوات لتقديم تريليونات الدولارات في صورة دعم واستثمارات حكومية في بعض الشركات المتعثرة المؤسسات الاستثمارية إلى مساعدة مؤشر بورصة «ستاندرد آند بور» ليصعد أكثر من 60 في المائة منذ الهبوط الكبير في مارس (آذار). ستظل بعض المخاوف الاقتصادية - استمرار نسبة البطالة أعلى من 10% - تثير قلق المحللين، لكن ما إن بدأت واشنطن في التفكير بصورة جدية حول الضرائب الجديدة على البنوك والقيود على الأعمال والتعويضات، بدأت الأسواق في الاستقرار.

وقال نيل هينسي، الذي يدير شركة استثمارية تحمل اسمه، ويعتقد في حدوث نوع من البطء يتبعه نمو سريع: «يخرج علينا الرئيس بين حين وآخر بخطة جديدة، والآن يتجه نحو التنمر على البنوك. الأمر الوحيد الذي يمكن أن يدمرها هي واشنطن. وجانب كبير من ذلك هو أنه ليس هناك وضوح في مجلس الشيوخ أو الكونغرس أو الرئيس، فالشركات كلها تفكر مثلي: لماذا أستأجر أحدا؟ لأنني لا أعلم ما الذي يمكن أن يكلفني إياه في الرعاية الصحية أو ما شابه».

وأشار مسؤولو البيت الأبيض يوم السبت إلى أن الإدارة صبت جل تركيزها على المكاسب طويلة الأجل، مثل إضافة المزيد من الوظائف منها إلى تأرجحات السوق.

وقال لورانس سومرز، كبير مستشاري الرئيس أوباما للشؤون الاقتصادية: «السياسات التي ثبت نجاحها بمرور الوقت هي تلك التي تعزز مبادئ الاقتصاد، ولا تحاول التأثير في حركة الأسواق اليومية. خبرة الستين عاما الماضية لا تشير إلى أن العائلات العاملة والشركات والأسواق أدت بصورة أفضل خلال فترات الحكومات التقدمية والضوابط المالية القوية».

ويشير المحللون إلى أن توقيت مقترحات الرئيس كان بعيدا عن المثالية، فمع انتصار الجمهوريين في ماساشوتس، الولاية التي اشتهرت بولائها للحزب الديمقراطي، أثيرت المخاوف من أن يسقط بيرنانكي، الشخصية المحورية في مواجهة واشنطن للأزمة المالية خلال إدارتي بوش وأوباما، ضحية للشعور المعادي المتزايد تجاه «وول ستريت» بين الديمقراطيين الذين يصارعون للتعامل مع الغضب الشعبي.

وأوضحت صحيفة واشنطن بوست أن ذلك الاضطراب يأتي في الوقت الذي يراقب فيه المستثمرون عن كثب الطريقة والوقت الذي سيبدأ فيه البنك الفيدرالي تنفيذ برامج المساعدات الطارئة. وقد حذر مسؤولون في البنك الاحتياطي الفيدرالي من أن الخوض في هذا الأمر يمكن أن يتسبب في حدوث تضخم على الرغم من أن آخرين قللوا من شأن هذه المجازفة. كما أثار بعض الاقتصاديين المخاوف بشأن حدوث ركود.

في ظل رئاسة بيرنانكي، خفض البنك الاحتياطي الفيدرالي من نسبة الفائدة إلى ما يقرب من الصفر، وضخ مليارات الدولارات في الأنظمة المالية لتوجيه الاقتصاد عبر أسوأ الأزمات الاقتصادية التي واجهتها البلاد منذ الكساد الكبير. وعلى الرغم من أن بعض المستثمرين لا يزالون غير متوقعين أن يزيد البنك الفيدرالي من الفائدة حتى الصيف المقبل على أقل تقدير، فإن أي شكوك بشأن السياسة المالية ستكون محركا قويا لتطاير السوق. ومن المتوقع أن تبدأ اجتماع سياسات البنك النقدية الأربعاء القادم.

في الوقت ذاته، تساءل البعض داخل الصناعة المالية عن موقف تيموثي غايتنر، وزير الخزانة في الإدارة بعد تصريحات أوباما يوم الخميس الماضي بشأن القيود الجديدة على البنوك. وكان بول فولكر، المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، قد أيد لفترة طويلة المقترح الذي يضع قيودا على النشاطات في البنوك التجارية، مثل الأنشطة الاستثمارية لا تهدف إلى تحقيق أرباح للعملاء.

وقال شين رايان، المحلل المصرفي لمؤسسة «ويسكو ريسيرش»: «استغرق الأمر واشنطن يومين فقط بعد الانتخاب الخاص لكي يعلن عن مقترح جديد. والله وحده يعلم ما نحن بصدده ما بين الآن وحتى نوفمبر (تشرين الثاني)».

وقد ازدادت شكوك المستثمرين أكثر من سياسات واشنطن، فعلى الرغم من انتعاش الأسواق المالية بصورة جيدة منذ بداية الأزمة، فإن الأسهم واصلت تأرجحها لدى ورود أنباء بأن الانتعاش لن يكون سلسا أو سريعا.

ويقف المضاربون على أهبة الاستعداد بسبب المبالغة في تقييم عودة قوة الاقتصاد، وبخاصة أن الإجراءات الفيدرالية التي وضعت لتعزيز الاقتصاد على وشك التفعيل. ومن أبرز سمات موسم المكاسب، حصول الشركات على الأرباح المتوقعة، كما شهد الموسم بيع المستثمرين للأسهم، لأنهم شعروا بأن التنفيذيين لم يستطيعوا تقديم توجيهات دخل واضحة للعام.

وقال أندرو بروكس من مؤسسة «روي برايس»: «بدأ هذا الانتعاش ببطء، لكن الجميع قلقون بشأن الخروج عن المسار.. الخروج عن المسار بسبب التهديد من التشريعات الضخمة، والخروج عن المسار من الشكوك التي تمثلها واشنطن».