انقسام بين مؤيد ومعارض لتدخل الحكومات في الإشراف المباشر على المؤسسات المالية

محافظ مؤسسة النقد السعودي مخاطبا منتدى التنافسية: غياب السياسات الإجرائية ساعد على تأثر بعض الدول بالأزمة العالمية

د. محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد السعودي يشارك في جلسة طريق الخروج من الأزمة المالية ضمن منتدى التنافسية (تصوير: أحمد يسري)
TT

انقسم كبار المسؤولين الحكوميين والماليين العالميين بين مؤيد ومعارض لتدخل الحكومات في فرض الإشراف المباشر على المؤسسات المالية، حيث طالب البعض بممارسة الحرية المهنية المنضبطة، بينما استشهد آخرون بتجربة الأزمة المالية العالمية.

جاء ذلك خلال فعاليات منتدى التنافسية الرابع، الذي جدد فيه الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، محافظة بلاده على استقرار الاقتصاد العام، الذي يستوجب أن يكون في بيئة اقتصادية استثمارية مساعدة لمواجهة الأزمة المالية العالمية، التي واجهها العالم مع مطلع العام الماضي.

وذكر الجاسر أن الدَّين ليس مشكلة، ولكن الأزمة تكمن في السداد، مشيرا إلى أن النهوض بأعباء الديون هو ما يجب مراقبته، وفقا للسياسة المالية والنقدية السعودية التي دفعت إلى وجود نسب سيولة عالية وتنظيمات تدعو إلى التقدم، موصيا أن تكون هذه المعالجة على مستوى جميع الأقطاب، وسط الحاجة إلى حلول جذرية مفعمة بالحكمة والحذر في إدارة الأمور.

وأكد الدكتور الجاسر أن غياب السياسات الإجرائية الصارمة بشكل مطلوب كان عاملا مساعدا على تأثر بعض الدول بالأزمة المالية العالمية، مشيرا، في الوقت نفسه، إلى أن مجموعة العشرين ساعدت على إنقاذ الاقتصاد العالمي، من خلال إجراءات رأت أنها صارمة آنذاك.

وتوقع الجاسر، الذي تحدث في جلسة بعنوان: «طريق الخروج من الأزمة المالية» على هامش منتدى التنافسية الرابع، الذي تحتضنه الرياض حاليا، أن يعاني العام الحالي 2010 من ركود وبطء اقتصادي، مؤكدا تنامي الفرص الاستثمارية والاقتصادية في الدول النامية، فيما يشترط على الدول المتقدمة أن تزيد من احتياطاتها التوفيرية والتوجهات التوزيعية.

واعتبر الجاسر أن الاستراتيجيات المنتظمة بالإضافة إلى وجود آلية للتعامل مع الأرصدة والثوابت ستكون محل دعم وتعزيز لمواجهة الأزمة المالية العالمية.

وعن تجربة المملكة، قال الجاسر إن بلاده ركزت على الاقتصادات الواسعة، وعملت على فتح مجالات عدة للاستثمارات الأجنبية على الأراضي السعودية، التي كانت أيضا محل استقرار للاقتصاد السعودي، وهو ما قاد إلى تخطي الأزمة بشكل بطيء.

وأضاف الدكتور الجاسر أن المملكة تبقى معزولة عن الأدوات المالية غير المحدودة، مؤكدا، في الوقت ذاته، دفع بلاده لأغلب الديون العامة للدولة، باستخدام أدوات مالية وأساليب اقتصادية تعمل بشكل جيد، معتبرا أن المملكة ليست في مأمن من تأثير الأزمة المالية العالمية.

وأكد الجاسر حرص المملكة على تنوع مصادر الدخل، فيما أعطى إشارات واضحة بأن المستقبل قد يكون «قاتما» نوعا ما، مُشترطا على المصارف ضرورة العمل بشكل واضح، فيما يجب على الجهات المالية التنظيمية أن تشهد إصلاحات مالية واضحة وصارمة في الوقت ذاته.

وزاد محافظ مؤسسة النقد: «طرقنا أعطتنا مؤشرات تحذيرية في وقت مبكر، وهو ما مكننا من التعامل مع الأزمة المالية العالمية بحكمة واستراتيجية ترتكز على العمل بواقعية ووضوح».

من جانبها، أكدت مها الغنيم، الرئيس والمدير العام لدار الاستثمار العالمي «غلوبال»، أن الجميع توقع أن تكون دول منطقة الخليج في مأمن من تأثير الأزمة المالية العالمية، إلا أن التأثير الذي لمسته دول منطقة الخليج ودول الشرق الأوسط كان أكبر مما توقع الجميع.

في الوقت ذاته، اعتبر حسن هيكل، رئيس مجلس إدارة مجموعة المالية (هيرمس)، أن هناك مشكلة في طريقة تفكير البنوك العالمية حيث تعاملوا مع التطورات وكأنها مشكلة كومبيوتر، وهل تختلف حيث تحتاج إلى منظومات من الحلول، معتبرا ما وقع واحدة من أكبر السرقات التي مرت على التاريخ، مطالبا بتدخل مباشر للحكومات مصحوب بتطور فكري ومالي في آن واحد.

وقال هيكل، خلال مشاركته في الجلسة، يحتاج العالم إلى تنظيمات ذكية، في الوقت الذي يحتاج كذلك إلى تغيير أشخاص وإحلال الكوادر، مضيفا أن تدخل الحكومات يكتسب أهمية، لأن الأزمة جعلت من الواضح أن ما حدث من انهيارات مؤثر على كامل الاقتصاد.

من ناحيته، أوضح فارس نجيم نائب الرئيس التنفيذي لبنك «أوف أميركا»، أن هناك حركة عودة واستشفاء للنظام المصرفي العالمي ولكن بشكل بطيء، موضحا أن هناك مشكلات تشكلت من خلال أسواق رأس المال والائتمان، في وقت كان يجب أن يكون هناك إجراءات تحقق للتأكد من خلفيات دعم الأسواق، والقدرة على الوفاء بالهوامش المالية التي تنطلي عليها الأسواق المالية، مبينا أن عددا من البنوك والمصارف الأميركية تسير في طريقها للتعافي والعودة لوضعها الطبيعي، مع ضرورة وجود سياسات نقدية واضحة، وإبقاء معدلات الصرف منخفضة.

في هذه الأثناء، أكدت مها الغنيم رئيس تنفيذي دار الاستثمار العالمي (غلوبال)، أن الإشراف الحكومي لا يمنع من وقوع الأزمات، ولكن سيكون له دور في الأنظمة والقوانين، لأنها أسواق حديثة، مفيدة بأنه يجب التعامل بطريقة أفضل مع ملف القروض لاستقرار وتعافي الصناعات المالية.

وقالت إن ضخ مزيد من رأس المال سيعيد الاقتصاد المحلي في الخليج لمرحلة التعافي، إلا أنها لم تخفِ ما سمته طفرة كبيرة في القطاعين المالي والعقاري على مستوى منطقة الخليج ودول شرق آسيا.

إلى ذلك، لم يخفِ اليساندرو بروفومو المدير التنفيذي لمجموعة «يوني كريدت غروب» وجود مخاطر رئيسية يواجهها القطاع البنكي على مستوى العالم، مؤكدا ضرورة إعادة القيم المستدامة للعمل المصرفي الذي تضرر كثيرا جراء ما لحق العالم خلال الأزمة المالية العالمية، مشيرا إلى أنه لا بد من وضع مصلحة المساهم واستدامة عائده في مقدمة الأولويات حين الحديث عن إصلاح مالي مقبل.

من جانبه، شدد ستيفن شوارزمان رئيس مجلس الإدارة المدير التنفيذي المؤسس المشارك لمجموعة «بلاكستون غروب» على وجود قضايا مالية تستوجب التفكير بشكل واضح حتى يتم الوصول لحلول مناسبة، من خلال خطط واضحة وصارمة في وقت واحد، مشيرا إلى أن التحسن بات ملموسا من حيث نسب الأرباح في القطاع المالي على مستوى العالم، وبالتالي زيادة رؤوس الأموال في القطاع المالي والاستثماري.