وزير المالية السعودي: الأزمة المالية العالمية ستنفرج في 2010

العساف يؤكد حل إشكالية الرهن العقاري وإقراره قريبا.. ويتوقع نمو اقتصاد المملكة 4% خلال العام الحالي

العساف وزير المالية السعودي خلال مشاركته في منتدى التنافسية (تصوير: خالد الخميس)
TT

توقع وزير المالية السعودي نمو اقتصاد بلاده خلال العام الحالي بنسبة 4 في المائة، مشيرا إلى أن التضخم لن يشهد أي ارتفاع في 2010، وذلك بسبب الاستقرار الذي يشهده الاقتصاد العالمي.

وبين الدكتور إبراهيم العساف، أن معدل النمو سيكون إيجابيا، مبديا تفاؤله حيال العام الحالي، وقال: «سيكون أفضل من 2009»، مؤكدا على عدم وجود ضبط للإنفاق العام في السنة الحالية، وأضاف: «عام 2010 سيكون عاما للحوافز».

وأشار إلى أن برامج التحفيز وضعت لوجود انخفاض في الطلب، وبالتالي الطلب الحكومي يدفع الطلب الكلي، لافتا إلى أنه لا يخشى على الأسعار من برامج التحفيز.

وكشف عن رفع مشروع الرهن العقاري لمجلس الوزراء، وذلك بعد الانتهاء من نقاش طويل على نقطة محددة، ملمحا إلى أن إقرار المشروع سيكون قريبا.

وأكد العساف، في كلمته التي ألقاها أمس في منتدى التنافسية الدولي الرابع، أن 2010 سيشهد انفراج الأزمة المالية العالمية، نتيجة حزمة التحفيز الاقتصادي التي تبناها عدد من دول العالم، لكنه شدد على أهمية الإصلاحات الهيكلية التي تقود إلى النمو المستدام. وأشار إلى أن بلاده كانت من أقل الدول تأثرا بالأزمة، بسبب حزمة التحفيز التي تبنتها، لافتا إلى أن المملكة وضعت خطة للتعامل مع الوضع على المدى الطويل، مبينا أن المهم بالنسبة للتدفق النقدي ضرورة التركيز على خفض معدلات التضخم.

وقال العساف إن انعقاد المنتدى، الذي اختير له عنوان «التنافسية المستدامة»، يأتي امتدادا لما حققته المنتديات السابقة من نجاحات وإنجازات، لا سيما في مجال تقويم تجربة الاقتصاد السعودي لجذب الاستثمارات، والوصول إلى مستويات مرضية من التنافسية الدولية، في ظل المتغيرات والمستجدات العلمية المتلاحقة، وتحقيق متطلبات استدامة عناصر القوة والجذب في كافة القطاعات الاقتصادية، وذلك بما ينسجم وظروف الاقتصاد الوطني واحتياجاته الفعلية.

وذكر أن عضوية المملكة في مجموعة العشرين ما هي إلا انعكاس لوزنها الاقتصادي الذي تتبوأه على الصعيد الدولي، مبينا أن اقتصاد المملكة يمثل نحو 22 في المائة من الناتج القومي الإجمالي للدول العربية مجتمعة، و48.5 في المائة من اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة للدور المحوري للمملكة في استقرار أسواق البترول، وما يتبعه من تأثير على الاقتصاد العالمي.

وبين الدكتور العساف أن التنافسية بين الدول أو المناطق قد اكتسبت أهمية متزايدة خلال العقود الماضية، بسبب الانفتاح والعولمة والنمو الهائل في معدلات التجارة الدولية، إضافة إلى ظهور التكتلات الاقتصادية، والحاجة إلى إيجاد مقارنات بين هذه التكتلات.

واستعرض وزير المالية في كلمته الوضع الاقتصادي في المملكة بعد صدور الميزانية العامة للدولة للعام المالي الماضي، وتوقعات العام القادم فيما يخص السياسة المالية، مشيرا إلى أنه رغم ما تحقق، وما هو متوقع من عجز في الميزانية، فإن الوضع الاقتصادي بالمملكة «مريح جدا»، نتيجة لسياسة الحكومة في بناء احتياطيات جيدة تحسبا لظروف مثل تلك التي يمر بها الاقتصاد العالمي.

وجدد التأكيد على متانة الوضع الاقتصادي السعودي، وقال في هذا الجانب: «إنه مريح بكل ثقة»، رغم أن وزراء المالية بطبيعتهم يجب أن يكونوا حذرين، مشيرا إلى أن التجارب الماضية علمتهم أهمية بناء مثل هذه الاحتياطيات، وألا يندفعوا، أو يخضعوا للضغوط لزيادة الإنفاق، إلا بالنوعية والتوقيت المناسبين، وأن تبقي تلك الاحتياطيات على درجة مناسبة من السيولة، وعدم الاندفاع في استخدامها في استثمارات طويلة الأجل، خاصة مع وجود الفرص المغرية ظاهريا لاستثمارات محددة. وأكد وزير المالية على الدور الحاسم للإنفاق الحكومي، والسياسة المالية السعودية، في إبقاء الطلب المحلي في مستوى مرتفع، رغم الظروف المحيطة غير المواتية، وكذلك مساهمة القطاع الحكومي في النمو الاقتصادي للعام الماضي، 2009، حيث بلغت نسبة نموه 4 في المائة، فيما بلغت مساهمته في الناتج المحلي غير النفطي 32.5 في المائة، مبينا أنه خصص هذا العام، 2010، نحو 70 مليار دولار للمشاريع التنموية.

وأشار، بالإضافة إلى ذلك، إلى ما تم من تمويل من قبل الصناديق التنموية الحكومية، مبينا أن هذا المبلغ يصل إلى ثلاثة أضعاف إنفاق المملكة الاستثماري في عام 2005، مشيرا إلى أن هذا المبلغ لا يشمل ما ننفقه على الاستثمار في العنصر البشري، باعتباره الاستثمار الأهم في أي مجتمع.

وبين الدكتور إبراهيم العساف أن نسبة إنفاق المملكة على التعليم، بمراحله وأنواعه المختلفة، تعد من النسب الأعلى على مستوى العالم، مع التركيز على تحسين مخرجاته، حيث خصص لبرنامج تطوير التعليم 2.4 مليار دولار، لافتا إلى أنه بالإضافة للإنفاق الحكومي الاستثماري على البنية التحتية والتنمية البشرية، فقد أمر خادم الحرمين الشريفين بتخصيص ثلاثة برامج إضافية، أحدها لتيسير التعاملات الإلكترونية الحكومية.

وقال: «قطعنا شوطا جيدا في تنفيذ هذا البرنامج، والثاني لأبحاث العلوم والتقنية، والثالث لتطوير القضاء»، مبينا أن كل هذه البرامج أو الخطط سوف تسهم في رفع مستوى تنافسية الاقتصاد السعودي، ولكن تطوير القضاء بشكل خاص سوف يكون له دور أساسي في هذا التوجه.

وتابع الوزير العساف: «وفي نفس الوقت، وعند الحديث عن العلوم والتقنية والبحث العلمي، يأتي في مقدمة المبادرات إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، التي ستكون منارة للبحث العلمي على مستوى العالم، كما أشيد بالنشاط المتنامي للجامعات السعودية الأخرى العريقة في هذا المجال».

وزاد: «لقد تمكنا من إقرار وتنفيذ البرامج المشار إليها، وفي الوقت نفسه، نجحنا في تخفيض الدين العام للمملكة مما تتجاوز نسبته 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2009، إلى ما نسبته 16 في المائة هذا العام، ولا أعتقد أن هناك دولة أخرى في العالم تستطيع الادعاء أنها حققت هذين الهدفين اللذين عادة ما يكونان متعارضين «الإنفاق الاستثماري المتنامي، وتخفيض الدين العام»، فعادة ما ترتبط الزيادة في الأول بالزيادة في الثاني.

ولفت في كلمته إلى أن السياسة النقدية تلعب بشكل عام دورا مهما في تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وحفز النمو، والتحكم في المستوى العام للأسعار، ويجب أن يكون هناك تكامل في الأدوار بين السياستين المالية والنقدية، وهذا بالفعل ما يتم في المملكة، حيث إن ما اتخذ من إجراءات مع بداية الأزمة المالية الدولية، سواء من قبل مؤسسة النقد أو وزارة المالية، لتعزيز القطاع المالي بشكل عام والقطاع البنكي بشكل خاص، كان له دور محوري في الحد من تأثيرات هذه الأزمة على الاقتصاد المحلي».

أما فيما يتعلق بسياسة سعر الصرف، فأوضح الوزير: «أسهمت هذه السياسة في إعطاء الطمأنينة والثقة، خاصة لقطاع الأعمال، وأثبتت جدواها لاقتصاد المملكة، وذلك بشهادة صندوق النقد الدولي، وقد نجحنا في الحفاظ على هذا الاستقرار، رغم ما واجهناه من ضغوط في كلا الاتجاهين. وما دمنا نتحدث عن الجوانب النقدية وسياسات سعر الصرف، فكما تعلمون، يتم الآن وضع الخطوات التنفيذية للمجلس النقدي لدول مجلس التعاون، تمهيدا للوصول إلى إنشاء البنك المركزي لهذه الدول، وفيما يتعلق بالمستوى العام للأسعار، شهدت المملكة خلال ثلاثة عقود تقريبا استقرارا كبيرا، ونسبا منخفضة جدا في معدلات التضخم، ما عدا فترة العام، أو نحوها، التي سبقت الأزمة المالية العالمية. ونسبة كبيرة من الارتفاع الذي حدث في التضخم كان نتيجة لعوامل خارجية».

وتطرق الوزير إلى جوانب اقتصادية أخرى في المملكة لها أهمية كبرى في تعزيز التنافسية، ومن أهمها توفر الطاقة، خاصة الطاقة البترولية، وبأسعار مناسبة جدا للقطاع الصناعي أو قطاع الخدمات وغيرهما. ورأى وزير المالية أن دراسات التنافسية الدولية ومقارنتها لم تعط هذا العنصر ما يستحقه من وزن، وهو وزن حتما سيزيد في المستقبل، فالاستثمارات الدولية ستتجه بشكل أكبر لتلك الدول التي ليس لديها الطاقة الإنتاجية لمصادر الطاقة فقط، ولكن بالأسعار المناسبة، آملا أن تكون هذه النقطة محل الاهتمامات في مداولات المنتدى هذا العام.

وذهب العساف إلى السياسة الضريبية للدولة، باعتبارها جانبا مهما في تعزيز جاذبية الاقتصاد، لما لذلك من دور في العائد على الاستثمار، مبينا أن تقرير مجموعة البنك الدولي «مؤسسة التمويل الدولية» قد أعطى درجة متقدمة جدا للمملكة عن أداء الأعمال، نتيجة لانخفاض العبء الضريبي على المستثمر، مشيرا إلى أنه سوف نحافظ على هذه السياسة «الدرجة السابعة عالميا». كما أكد الدكتور العساف أن المملكة قد حافظت على سوق عمل يتصف بالمرونة الكبيرة، خصوصا في المجالات التي لا تتوفر بالشكل المطلوب محليا، ونتيجة لذلك أصبحت المملكة ثاني دولة في العالم في حجم تحويلات العمالة الأجنبية، مما انعكس إيجابيا على حياة الملايين من البشر في الدول المصدرة لهذه العمالة.

وتابع وزير المالية كلمته: «إن الحديث يطول عن استعراض عوامل الجذب في الاقتصاد السعودي، وختم كلمته بالتطرق لبعض المؤشرات المهمة، ومنها إشادة المؤسسات الدولية المتخصصة، فقد أبقت وكالة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني للمملكة عند مستوى «AA-». وأكد تقرير الوكالة على متانة الوضع المالي للاقتصاد السعودي بفضل ميزان المدفوعات القوي، ونجاح الخطط الإصلاحية.

كما أشار إلى تضمن تقرير البنك الدولي، عن مناخ الاستثمار في 2010، تصنيف المملكة في المرتبة الـ13 من بين 183 دولة، ثم تقييم الأنظمة والقوانين التي تحكم مناخ الاستثمار بها، لتتقدم المملكة بذلك من المركز الـ15 الذي حققته عام 2009، مشيدا بدور الهيئة العامة للاستثمار في إبراز مصادر قوة الاقتصاد السعودي، مما سيؤدي إلى وصول المملكة لنادي العشر الأفضل في بيئة الاستثمار عالميا، إلى جانب تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2009، الذي أكد أن المملكة واجهت الأزمة المالية العالمية الحالية بأسس اقتصادية قوية، وعملت على تعزيز مركزها الاقتصادي الكلي، وتدعيم القطاع المالي، وتنفيذ إصلاحات هيكلية لدفع عجلة النمو بقيادة القطاع الخاص. وأثنى التقرير، بحسب الوزير العساف، على الإجراءات التي اتخذتها المملكة لتعزيز السيولة المصرفية، وتحقيق الاستقرار في القطاع البنكي، والإجراءات والتدابير التي قامت الحكومة باتخاذها على مستوى المالية العامة، لتخفيف أثر الركود الاقتصادي، وتحفيز آليات النمو.

وزاد: «وتعد هذه النتائج شهادة على مصداقية السياسات الحكيمة التي تنتهجها المملكة، كما أن هذه النتائج تعزز المكانة الاقتصادية للمملكة كبيئة جاذبة للاستثمارات». وأعرب الوزير في ختام كلمته عن تفاؤله بمستقبل اقتصاد المملكة، لافتا إلى أن المؤشرات تدعم هذا التفاؤل وتعززه، وقال: «أصبحنا نلمس، أكثر من أي وقت آخر، اهتماما متزايدا به من قبل المستثمرين والمهتمين، في ظل الفرص الواسعة التي يمتلكها، وما ينتظره من آفاق استثمارية رحبة في كافة القطاعات والمجالات الاقتصادية. وتطلع العساف إلى أن يسهم منتدى التنافسية الدولي 2010 في التعريف بتطورات الاقتصاد السعودي، وعوامل الجذب والتميز فيه، واستشراف ملامح وجوانب رقي وتطور البيئة الاستثمارية الواعدة له في المستقبل.

يذكر أنه شارك في منتدى التنافسية الدولي 2010 عدد من كبار المسؤولين الحكوميين، ورجال الأعمال السعوديين، إضافة إلى أكثر من 100 شخصية من كبار قادة الأعمال والاقتصاد والسياسة في العالم، الذين يناقشون على مدى أربعة أيام أبرز القضايا والتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي.