راتب رئيس «كهرباء فرنسا» يثير جدلا واسعا يطال الرئيس والحكومة

يصل إلى 1.6 مليون يورو ويتقدم على ساركوزي

الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي وزوجته كارلا بروني أمام قصر الاليزيه بباريس (رويترز)
TT

هنري بروغليو، قبطان معروف في عالم الصناعة والأعمال في فرنسا، وهو أحد المقربين إلى الرئيس ساركوزي الذي رافقه الأسبوع الماضي في زيارة رسمية إلى جزيرة «لا ريونيون».

بروغليو كان رئيس مجلس إدارة شركة «فيوليا» الناشطة في قطاع المياه والبيئة، وجاءت الحكومة الفرنسية وعرضت عليه منصب رئيس شركة «كهرباء فرنسا» التابعة للقطاع العام، وأكبر منتج للطاقة الكهر- نووية في العالم.

بروغليو قَبِل العرض، لكنه اشترط أمرين: الأول، أن يحتفظ بمنصبه رئيسا لشركة «فيوليا» التابعة للقطاع الخاص من غير صلاحيات تنفيذية، ولكن مع تعويضات سنوية قدرها 450 ألف يورو. والشرط الثاني أن يحصل من «كهرباء فرنسا» على راتب سنوي يصل إلى 1.6 مليون يورو، وهو ما يشكل زيادة 45 في المائة على ما كان يحصل عليه رئيسها السابق.

ونجح بروغليو في فرض حصوله على راتب يزيد عشرة أضعاف على راتب رئيس الجمهورية نفسه، كما نجح في حمل الحكومة بموافقة رئيس الجمهورية، على أن يكون في الوقت عينه على رأس كيانين اقتصاديين، أحدهما خاص والآخر حكومي، علما بأنهما يتنافسان في بعض النشاطات.

كان من الطبيعي أن تثير «حالة» بروغليو جدلا كبيرا في فرنسا، وأن تقفز المعارضة بكل أشكالها على المناسبة للتنديد بـ«التنازلات» المقدمة لبروغليو، والترتيبات الخاصة التي يستفيد منه أصدقاء السلطة، والتأسيس لممارسة غير مقبولة في المزج بين الخاص والعام للجري وراء المال وإعطاء رؤساء الشركات رواتب خيالية، بينما الحكومة تمارس سياسة التقشف وتقضي على آلاف الوظائف لذلك.

وكان من نتيجة الحملة الشعواء، وبضغط من ساركوزي، أن قبل بروغليو بالتخلي عن مخصصاته من «فيوليا»، لكن هذه الخطوة اعتبرت ناقصة، والمطلوب منه اليوم أن يتخلى عن مسؤولياته في القطاع الخاص، وأن يتخلى عن زيادة الـ45 في المائة التي حصل عليها من شركة «كهرباء فرنسا».

وجاءت هذه «الدعسة الناقصة» لتزيد من «ثقل» الأجواء السياسية والاجتماعية، ولتضاف إلى سلسلة «الكبوات» التي تهز صورة الرئاسة والحكومة على السواء.

وما يزيد من ثقلها أنها تأتي قبل أقل من شهرين على استحقاق انتخابي مهم، يتمثل في الانتخابات «الإقليمية» في فرنسا التي سينظر إليها على أنها «استفتاء» على طريقة إدارة اليمين الساركوزي لشؤون البلاد.

وفي الوقت عينه، فإن النقاش الذي أطلقه إريك بيسون، وزير شؤون الهوية الوطنية والهجرة، بدفع من ساركوزي حول مكونات «الهوية الوطنية» ما اعتبر سريعا محاولة لتعبئة اليمين وتنديدا بالأجانب والمهاجرين، وتزامنه مع الجدل حول إصدار تشريع يمنع ارتداء البرقع أو النقاب في فرنسا، اعتبر محاولة مكشوفة لصرف الانتباه عن المشكلات الحقيقية التي تعرفها فرنسا اقتصاديا واجتماعيا، سعيا لحشر اليسار، وبخاصة الاشتراكيون، والعودة إلى الأساليب التكتيكية القديمة التي تستخدم مواضيع المهاجرين والإسلام والأمن في الضواحي سعيا لكسب الانتخابات.

وفي هذا السياق، فإن اللجنة البرلمانية التي أنشئت لتقديم توصيات بخصوص النقاب، ستكشف غدا الثلاثاء عن التقرير الذي أعدته. وبحسب بعض الأنباء، فإن التقرير المذكور يدعو إلى استصدار «قرار» من البرلمان يحدد المبادئ العامة، واستصدار قانون يحظر بموجبه ارتداء البرقع في الدوائر الرسمية، كما يدعو إلى سلسلة من الإجراءات التي غرضها «تقييد» موجة ارتداء البرقع. وثمة من يدعو إلى حرمان المرأة التي ترتديه من الحصول على الجنسية الفرنسية، فيما يريد جان فرنسوا كوبيه، رئيس مجموعة الاتحاد من أجل حركة شعبية النيابية، قانونا يحظر البرقع في الأماكن العامة أيا تكن، بما في ذلك الشارع، ودفع غرامة ربما تصل إلى ألف دولار للمخالفة.

غير أن الاستحقاق الأهم هذا الأسبوع، هو الحكم المنتظر على رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان، في القضية المعروفة باسم «كليرستريم»، حيث يظن أن فيلبان «تستر» على عملية احتيال غرضها تلطيخ سمعة الرئيس ساركوزي يوم كان وزيرا للاقتصاد بإيهام أنه - «وآخرون» - يملك حسابا سريا في المؤسسة المالية «كليرستريم» الكائنة في لوكسمبورغ، وأن الأموال جاءت من عمولات على صفقات أسلحة.

وكانت المحاكمة، التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قد أثارت لغطا كبيرا، حيث رئيس الجمهورية هو في الوقت عينه الجهة المدعية والمسؤول الأعلى عن القضاء، بمعنى أنه الخصم والحكم. وفيما كان يعتقد أن غرض الفضيحة كان قطع طريق الإليزيه على ساركوزي، فإن كثيرين يرون أن المحاكمة تستهدف إبعاد فيلبان، وإخلاء الساحة من المعارضين للرئيس الحالي.

لكن يبدو أن فيلبان «سيستفيد» من الحكم مهما يكن، حتى وإن قضى بحرمانه من حقوقه المدنية. فإذا صدر بحقه حكم قاس، فيستطيع عندها القول بأنه «ضحية» ساركوزي، الذي يسخر القضاء لأغراضه الخاصة، علما بأنه يستطيع استئناف الحكم. وإذا برأته المحكمة، فسيخرج منتصرا، وسيجد بالتالي أمامه الفسحة التي يريدها للعودة إلى واجهة الحياة السياسية، وليطرح نفسه «بديلا» لساركوزي في معسكر.