«نيويورك تايمز» الأميركية تخالف التوقعات وتحقق أرباحا لأول مرة منذ 5 سنوات

250 مليون دولار من «فارس مكسيكي عربي» يبدو أنها أنقذت «السيدة العجوز»

مقر الصحيفة في مدينة نيويورك الأميركية
TT

عكس توقعات كثيرة، أعلنت، أول من أمس، شركة «نيويورك تايمز» أنها ربحت في السنة الماضية عشرين مليون دولار، بالمقارنة مع خسارة ستين مليون دولار في السنة التي سبقتها.

إلا أن جانيت روبنسون، رئيس الشركة ومديرها التنفيذي، أوضحت أن الأرباح لم تكن بسبب زيادة الإعلانات، على الرغم من أن الإعلانات زادت قليلا، ولكن بسبب تخفيضات كبيرة في المصروفات. وقالت «نتوقع استمرار انخفاض إعلانات الصحيفة، ولكن بنسبة أقل مما كانت عليه». وخلال الربع الرابع من السنة الماضية، انخفض دخل الشركة بنسبة 12 في المائة (إلى 680 مليون دولار). بينما انخفضت المصروفات بنسبة 16 في المائة (إلى 580 مليون دولار).

وبالنسبة لكل السنة الماضية، انخفضت المصروفات بنسبة 17 في المائة. وقالت روبنسون إنها خفضت 475 مليون دولار من المصروفات في السنة الماضية، وذلك «بسبب تركيزنا المتواصل على زيادة الإنتاج وكفاءة العمل». ومن بين التخفيضات في المصروفات: إغلاق شركة توزيع، تخفيض رواتب ومكافآت كثير من العاملين (صحافيين وإداريين وعمال)، الاستغناء عن خدمات مئات من هؤلاء، ومراجعة شروط الخدمة مع نقابات العمال والموظفين والصحافيين.

وبينما انخفض دخل الصحيفة المطبوعة من الإعلانات، زادت قليلا إعلانات موقع الصحيفة في الإنترنت. لكن، لا يزال دخل إعلانات الموقع غير كاف لتغطية انخفاض إعلانات الصحيفة. لهذا، في الشهر الماضي، أعلنت الشركة أنها ستبدأ نظام اشتراكات لدخول الموقع. ويتوقع أن تبدأ ذلك في بداية السنة القادم. لكن، ربما لن يحدث ذلك، بسبب اعتراضات من صحافيين وإداريين ومستثمرين.

فمن ناحية يشير مؤيدو اشتراكات الإنترنت إلى أن ملايين الناس الذين يقرأون في الوقت الحاضر، ومجانا، الصحيفة في الإنترنت لن يرفضوا دفع اشتراكات. (في السنة الماضية، فتح الموقع عشرين مليون شخص من جميع أنحاء العالم، رغم أن الأغلبية من أميركا).

ومن ناحية أخرى يقول معارضو هذه الاشتراكات إن الإقبال سيقل، وبالتالي ستقل الإعلانات في الموقع (يتوقع أن يكون الاشتراك السنوي مائتي دولار للأفراد، وألفي دولار للشركات والمؤسسات).

وجدير بالذكر أن شركة «نيويورك تايمز» بدأت تواجه مشكلات مالية قبل خمس سنوات، لأكثر من سبب: أولا: انخفاض توزيع الصحيفة المطبوعة. ثانيا: انخفاض إعلانات الصحيفة المطبوعة. ثالثا: عدم زيادة إعلانات صحيفة الإنترنت بالصورة المتوقعة. رابعا: مشكلات إدارية في التسيب والتباطؤ. خامسا: مشكلات مع النقابات التي تريد رواتب وفوائد أكثر. في سنة 2005، استغنت الشركة عن خمسمائة صحافي وإداري وعامل. وفي السنة التالية فعلت الشيء نفسه. ثم جربت اشتراكات في الإنترنت، ليس لقراءة كل الصحيفة، ولكن لقراءة كتاب الأعمدة. لكن، بعد فترة قليلة فشلت التجربة، وانتهت.

بينما تواجه «نيويورك تايمز» هذه المشكلة الاقتصادية المستمرة، يبدو أن منافستها «وول ستريت جورنال» تتقدم في ثقة. وربما لهذا علقت، مؤخرا، الثانية على مشكلات الأولى، وقالت «رغم تحسن الوضع، يظل المستقبل يدعو للحذر». وقالت ما معناه أن الربح الذي حققته «نيويورك تايمز» في السنة الماضية ما كان سيتحقق لولا الضغط في المصروفات والتخلص من أعداد كبيرة من الصحافيين والإداريين والعمال. أي أن سبب الأرباح لم يكن نتيجة زيادة في التوزيع أو الإعلانات.

وحتى لا تعتقد «وول ستريت جورنال»» وبقية المنافسين أن «نيويورك تايمز» هي الوحيدة التي تواجه هذه المشكلات، نشرت «نيويورك تايمز»، مؤخرا، تقريرا أوضح أن انخفاض الإعلانات صار وباء تعاني منه ربما كل الصحف الأميركية، كبيرة وصغيرة. وأوضح التقرير أن إعلانات هذه الصحف انخفضت بمتوسط عشرة في المائة في السنة الماضية عما كانت عليه في السنة التي سبقتها. هذا بالإضافة إلى انخفاض توزيع هذه الصحف، وقال التقرير إنه وصل إلى رقم لم يصل إليه منذ الحرب العالمية الثانية.

وأضاف التقرير «تواجه الصحف الأميركية خطرا اقتصاديا لم تواجه مثله منذ الانهيار الاقتصادي» سنة 1929. وظل التوزيع، خلال عشر سنوات منذ منتصف التسعينات، ينخفض بمعدل واحد في المائة كل سنة. وخلال الثلاث سنوات الأخيرة، ارتفعت نسبة الانخفاض إلى ثلاثة في المائة. في مثل هذه الأيام في السنة الماضية، تدهور الوضع الاقتصادي في «نيويورك تايمز» أكثر مما كان. وظهر «فارس على حصان أبيض» لينقذها. وكان فارسا مكسيكيا من أصل عربي: الملياردير المكسيكي كارلوس سليم حلو، ثالث، وربما ثاني، أغنى رجل في العالم. في البداية، ترددت الشركة، ربما بسبب الخلفية العربية للرجل. لكن، لم يكن أمامها بديل بعد أن عجزت عن دفع ديون وصلت إلى أكثر من مليار دولار. واضطرت لقبول 250 مليون دولار من سليم.

في الحقيقة، لم يكن سليم غريبا على الشركة، لأنه، منذ أكثر من عشر سنوات، كان يستثمر فيها، حتى وصل استثماره إلى نسبة سبعة في المائة من جملة أسهم الشركة. وبعد القرض، ارتفعت نسبة استثماراته إلى عشرين في المائة تقريبا. لم تتجاهل مجلة «تايم» خلفية آل سليم العربية، وخلفية عائلة سالزبيرغر اليهودية، المالكة الأكبر لأسهم الصحيفة لكنها قالت: «لون الدولار أخضر»، إشارة إلى أن الاستثمارات لا تهتم بألوان وأديان وأوطان المستثمرين. لهذا، رحب آل سالزبيرغر، مؤسسو الشركة، بآل سليم. رغم أن استثمارات الجانبين في الشركة تساوت الآن، وصارت عشرين في المائة.

«الفارس العربي» الذي يبدو أنه أنقذ «السيدة العجوز» (كما يسمي قراء نيويورك صحيفتهم المفضلة) هو أغنى رجل في المكسيك. وكون جزءا كبيرا من ثروته من الهواتف الفضائية والجوالة. وكان ثالث أغنى رجل في العالم بعد بيل غيتس، ملياردير الكومبيوتر، ووارين بافيت، ملياردير الاستثمارات. غير أن مجلة «فوربز» قالت أخيرا إن سليم، خلال السنة الماضية، تخطى بافيت. أول من أمس، وبسبب عطلة نهاية الأسبوع، بعد إعلان أول سنة رابحة في شركة «نيويورك تايمز» منذ خمس سنوات، لم يتوفر محللون وخبراء في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك) ليوضحوا ما إذا كانت لهذه الأرباح صلة باستثمارات سليم. إلا أنه ربما لها صلة بأن سليم، في رأي كثير من هؤلاء، مستثمر ذكي.