الصين تواجه نقصا في العمالة رغم حالة الكساد العالمي

برنامج التحفيز الاقتصادي وزيادة معدلات التعليم وانخفاض المواليد حد من الهجرة للمدن الصناعية

مجموعة من اصحاب الاعمال ينتظرون في مكتب للتشغيل وصول عمال لعرض وظائف عليهم (رويترز)
TT

بعد عام من فقد الملايين من عمال المصانع في الصين وظائفهم، تواجه الصين نقصا حادا على نحو متزايد في العمالة. ففي الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة من تفاقم معدل البطالة، يحصل العمال غير المهرة في المصانع الصينية على مكافآت للتوقيع على عقود العمل. فقد شهدت معدلات الأجور في المصانع الصينية زيادة بلغت 20 في المائة خلال الشهور الأخيرة. وتحول المسوقون عن طريق الهاتف إلى عملاء متوقعين لأن أصحاب الأعمال حولوهم إلى مندوبي مبيعات ووفروا لهم وظائف. كما عمد بعض أصحاب المصانع الذين تخلفوا عن الوفاء بالتزاماتهم الإنتاجية، لعدم قدرتهم على إيجاد العمالة الكافية، إلى إغلاق خطوط الإنتاج والتفكير في رفع الأسعار، مما يزيد من التوقعات بأن تؤدي تلك الزيادة إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلك الأميركي على كل المنتجات الصينية. كما قد تؤدي الزيادات في الأجور إلى عجز ضخم في الموازنة الصينية، الذي أثار في الماضي اضطرابات اجتماعية. يأتي السبب الرئيسي وراء النقص في الأيدي العاملة إلى أن الملايين من العمال المهاجرين الذين غادروا المدن الساحلية إلى مواطنهم بالمناطق الداخلية للاحتفال بالسنة القمرية الجديدة بداية هذا الشهر لن يعودوا مرة أخرى، نتيجة لبرنامج التحفيز الاقتصادي الذي دشنته الحكومة وبلغت تكلفته أكثر من نصف تريليون دولار، وأسهم في خلق المزيد من الوظائف في مناطقهم. لكن كثيرا من الاقتصاديين يقولون إن الكساد العالمي الأخير حجب توجها طويل المدى: فقد استنزفت احتياطيها الضخم من العمالة غير العاملة في المناطق الريفية ولم تعد توجد عمالة جديدة لتعمل في مصانعها. ونظرا لأن الصين لا تطرح إحصائيات ثابتة وموثوقة عن سوق العمل بها، تأتي الأجور كأفضل مقياس لنقص العمالة. فقد رفعت وكالات التشغيل المؤقتة هنا في قوانغتشو الأجور بالنسبة لعمال المصانع هذا الأسبوع من 95 سنتا إلى 1.17 دولار في الساعة قبل عطلات العام الجديد. كان معدل الأجور 80 سنتا قبل عامين، وقبل أن تؤدي الأزمة المالية العالمية إلى خفض الأجور والطلب. وقد دفع اليأس من عودة العمال المهاجرين بأصحاب المصانع إلى التدافع على تعيين العمال الذين قدموا من الداخل حديثا. وفي مركز التوظيف الحكومي في وسط المدينة فاق عدد أصحاب المصانع الذين يبحثون عن عمال لمصانعهم عدد العمال الباحثين عن عمل.

خارج المكتب انضم ليانغ هيوكياو (22 عاما)، وهو عامل تصنيع بلاستيك، إلى مجموعة من الرجال والنساء يستعرضون لوحة يبلغ عرضها أربعين قدما تضم قائمة بالشركات التي تطلب عمالا.

وقال مسؤول في صحيفة «تشينا ديلي» يوم الخميس إن الأبحاث التي أجريت حول الشركات أظهرت أن واحدا من بين 12 مهاجرا لا يتوقع أن يعودوا إلى إقليم قوانغتشو، أما المدن الساحلية الواقعة في أقصى شمال الصين فتعاني هي الأخرى من انخفاض في نسبة العمالة. وقد أعلنت مدينة وينزيهو عن نقص في عدد العمال يبلغ نحو مليون عامل. وقد أعلن مسؤولو إقليم غواندونغ يوم الأربعاء الماضي أنهم يفكرون في رفع الحد الأدنى للأجور التي تتنوع داخل المدينة وتتراوح بين 113 و146 دولارا شهريا. قد يخفف ارتفاع الأجور من نقص العمالة عبر تشجيع المصانع خفض قوتها العاملة. لكن كثيرا من المصانع التي تدفع فعليا أكثر من الحد الأدنى للأجور، تخشى من إمكانية لجوئها إلى دفع المزيد لأنها غير متأكدة من قدرتها على فرض هذه الزيادة في النفقات على مستهلكيها، خاصة المستوردين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذين يعانون من آثار الأزمة المالية. ويشير الارتفاع في الأجور إلى عودة ظهور نقص العمالة التي حدثت قبل الأزمة المالية. وأظهر مسح حكومي أجري قبل ثلاثة أعوام على 2749 قرية في 17 إقليما أن 74 في المائة منها لم يعد فيها أفراد قادرون على الذهاب إلى العمل في المصانع في المدن وأن حوض العمالة كان جافا. وكان طرد كثير من العمال في المصانع الذي حدث أواخر عام 2008 وأوائل 2009 بسبب الأزمة المالية العالمية أخفى النقص المتنامي للعمالة الصناعية. لكن توجهين قويين كانا لا يزالان يعملان على خفض العمالة في المصانع: الأول هو توسع الحكومة الصينية في التعليم بعد الثانوي حيث استقبلت الجامعات والمعاهد الأخرى 6.4 مليون طالب جديد العام الماضي مقارنة بـ5.7 مليون طالب في 2007 و2.2 مليون في 2000. السبب الثاني تراجع معدلات المواليد في الصين بصورة ثابتة منذ تطبيق نظام الطفل الواحد عام 1977. وقد عاود نقص العمالة الظهور مرة أخرى خلال الأسابيع الماضية نظرا لتصادم التوجهات طويلة المدى مع انتعاش في الطلب الخارجي على المنتجات الصينية.

ونظرا لتوافر المزيد من الوظائف هذه الأيام في المناطق الداخلية الصينية، استوعبت المشاريع الحكومية، مثل بناء خطوط السكك الحديدية، ملايين العمال خاصة في أعقاب تخصيص بكين 600 مليار دولار للإنفاق على خطة التحفيز الاقتصادي 2009 و2010. ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع إنفاق المستهلك إلى ارتفاع المخاطرة، فقد تجاوزت مبيعات السيارات الضعف الشهر الماضي عن ذات الشهر من العام الماضي. وقد أدى ذلك إلى توفير المزيد من الوظائف في قطاعات مبيعات التجزئة والمطاعم والفنادق وقطاعات الأعمال الأخرى السائدة في المناطق الداخلية.

كانت الشركات تناضل حتى قبل العطلة للعثور على موظفين للحفاظ على عمل خطوط التجميع. وقد أجبر المديرون والمهندسون في كثير من المصانع على العمل في خطوط التجميع بسبب نقص العمالة. وغالبا ما يناضل المديرون للعمل في المهمات المملة والمعقدة في الوقت ذاته لصنع كل شيء بدءا من الألعاب وحتى اسطوانات دي في دي.

ويقول سكاي نيو، مدير المبيعات في شركة «هنغيا» للصناعات الإلكترونية: «الأشخاص مثلي الذين اعتادوا على العمل في المكاتب طلب منهم العمل إلى جانب العمال. وبالطبع يمكنني تقديم العون في بعض المهام البسيطة مثل التغليف».

*شاركت هيلدا وانغ في الإعداد لهذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»