وزارة المال اللبنانية توقف إصدار سندات الخزينة بالليرة

إرباك مفاجئ في الأسواق المالية في بيروت يفضي إلى خفض فوائد الودائع

جانب من عمل موظفين في البورصة اللبنانية (أ.ف.ب)
TT

فاجأت وزارة المال اللبنانية الأسواق المالية بوقف إصدار سندات الخزينة بالعملة الوطنية من الفئات كلها، فيما تنفذ الوزارة إصدار «يوروبوندز»» بقيمة مليار دولار، يتم تسويقه حاليا من مصرف أجنبي ومصرفين محليين. وينتظر إقفاله، خلال أيام، في ظل إقبال محلي واسع أسهم في خفض العائد من نسبة 6.5 في المائة إلى 6.25 في المائة لمدة 10 سنوات.

ولم تفصح الوزارة عن فترة تعليق إصدارات سندات الخزينة بالليرة اللبنانية. لكن الإجراء أحدث صدمة فورية في الأسواق، حيث باشرت المصارف اتخاذ إجراءات عاجلة لخفض معدلات الفوائد على الودائع المحررة لديها بالليرة وبالدولار، وسط توقعات أن يمتد الإجراء لأسابيع عدة تبعا لوجود فائض مالي في حساب الخزينة يقارب 6500 مليار ليرة (نحو 4.33 مليار دولار).

وعلمت «الشرق الأوسط» أن جمعية المصارف ستبحث الإجراء وانعكاساته في جلسة لمجلس إدارتها يوم الثلاثاء المقبل، برئاسة الدكتور جوزيف طربيه. فيما أفضت المشاورات الجارية حاليا بين القيادات المصرفية إلى خلاصة «أن الوزارة تملك حرية القرار في إدارة محفظة الديون الحكومية لكنها مسؤولة، بالقدر ذاته، أيضا عن حفظ الاستقرار في الأسواق». كما تردد أن البنك المركزي لم يكن في أجواء هذا الإجراء، وثمة تحفظات لديه كونه المعني المباشر بإدارة فائضات السيولة المتعاظمة لدى الجهاز المصرفي، الذي يحوز حاليا كتلة ودائع تناهز 100 مليار دولار، منها نحو 35 مليار دولار محررة بالليرة اللبنانية (نحو 52 ألف مليار ليرة). وتمثل السندات الحكومية بالليرة وبالدولار منفذا حيويا لتعقيم فوائض السيولة، فضلا عن تلبية الحاجات المالية للدولة، وعاملا مهما لجذب الرساميل والودائع إلى المصارف من مصادر داخلية وخارجية.

ويبدو أن البنك المركزي سيعمد إلى تعزيز إصدار شهادات إيداع لديه بالليرة لآجال متعددة من قصيرة إلى متوسطة الأجل، بهدف التحكم في فوائض السيولة. وأعلن حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة على هامش ندوة حول «الحوكمة وإدارة المخاطر في عالم المال والأعمال»، نظمها اتحاد الغرف العربية في بيروت، أن الليرة اللبنانية مستقرة وستبقى على استقرارها خلال عام 2010، ورأى أن «زيادة الثقة بالنظام المصرفي ستؤدي إلى تراجع في الفوائد، وسنترك للسوق تحديد قيمة الفوائد».

وأكد مسؤولون في عدد من المصارف، فضلوا عدم الكشف عن هويتهم، أن الإجراء الوقائي بخفض فوائد الودائع بالليرة بين 150 و200 نقطة أساس بوشر بتعميمه فورا، ويصبح نافذا بالتتابع عند كل استحقاق لأي وديعة. وهذا ما يمثل خفضا دراماتيكيا لمردود التوظيف بالعملة الوطنية لدى الجهاز المصرفي من مستوى يراوح بين 6 و7 في المائة إلى نحو 5 في المائة. وهذا ما سيقتضي سريعا خفض مردود الودائع بالدولار بنسب موازية، لأن «تذويب» الهامش بين المردودين سيؤدي حتما إلى موجة تحويلات عكسية من الليرة إلى الدولار، وبالتالي إمكان العودة إلى الدولرة العالية واستنزاف التحسن النوعي المحقق، خلال العام الماضي، الذي أدى إلى ارتفاع كتلة الودائع بالليرة من نحو 30 إلى 36 في المائة من إجمالي الودائع.

ويتخوف المصرفيون من حصول انكفاء في النمو القياسي الذي سجلته المصارف خلال العامين الماضيين جراء حرمانها من قناة توظيفية تتيح لها منح مردود مناسب لعملائها. مع الإشارة إلى أن معدلات الفوائد المعتمدة حاليا تقل عن تلك المعتمدة في أسواق ضمن المنطقة تتمتع بتصنيف سيادي أعلى من التصنيف اللبناني، مثل مصر وتركيا. وهذه المخاوف مرشحة للتصاعد في ظل توجه وزارة المال إلى رفع الضريبة على فوائد الودائع من 5 إلى 7 في المائة ضمن مشروع قانون موازنة العام الحالي، وهذا ما سيؤدي إلى خفض إضافي في المردود المحقق للمودعين.

ويشير تقرير مصرفي إلى أن «تحقيق متطلبات التمويل المصرفي للاقتصاد اللبناني في كل من قطاعيه العام والخاص، يفرض بالتالي تحقيق حد أدنى لنمو الودائع المصرفية بنحو 13 في المائة سنويا على مدى السنوات الخمس المقبلة. في موازاة ذلك، فإن التمعن في حاجات خلق النقد المقابلة يظهر أن فرضية تسجيل فائض سنوي في ميزان المدفوعات بما يفوق 5 مليارات دولار سنويا في السنوات الخمس المقبلة تشكل الأرضية الضرورية لدعم الهدف المتمـثل في نمو الودائع المصرفية وتحقيقه، مما يتطلب الحفاظ على زخم تدفقات الرساميل الوافدة التي شهدناها في العام الفائت».

وفي واقع الأمر، فإن بقاء معدلات الفوائد على التوظيفات بالليرة مغرية نسبيا مقارنة بتلك المدفوعة على التوظيفات بالعملات الأجنبية طوال العام الماضي، أدت إلى موجة قوية من التحويلات لمصلحة الليرة اللبنانية في سوق القطع، حيث بلغ حجم التحويلات من العملات الأجنبية إلى الليرة نحو 10 مليارات دولار، وهو رقم يفوق حجم التحويلات المسجلة عام 2008، والذي قارب الـ8 مليارات دولار. وأتاحت هذه التحويلات لـ«مصرف لبنان المركزي» أن يواصل تدخله في سوق القطع لشراء فوائض السيولة بالعملات الأجنبية، مما أتاح له رفع موجوداته الخارجية من 19.7 مليار دولار إلى 28.3 مليار دولار خلال السنة المالية الماضية، أي بزيادة قدرها 8.6 مليار دولار. وجراء ذلك، باتت هذه الموجودات الخارجية توازي 82.8 في المائة من الكتلة النقدية بالليرة. وترتفع هذه النسبة إلى 112.3 في المائة لدى احتساب الاحتياطي من الذهب المقدر بقيمة 10 مليارات دولار، نتيجة الارتفاع الكبير لأسعار الذهب في الأسواق الدولية. وهذه المعطيات تدعم قدرة «مصرف لبنان» على صون الاستقرار الاسمي لسعر الصرف، ومواجهة أي طلب على النقد الأجنبي في سوق القطع.