باباندريو يرد على الألمان: ديون اليونان سيدفعها اليونانيون فقط

عشرات الآلاف من اليونانيين في الشوارع احتجاجا على خطط التقشف الحكومية

أدت الاحتجاجات وموجة الغضب التي اجتاحت الشارع اليوناني إلى شلل الحياة الاقتصادية (رويترز)
TT

في الوقت الذي كان يصوت فيه البرلمان اليوناني أمس على حزمة الإجراءات التقشفية الجديدة التي قدمتها الحكومة لتوفير 4.8 مليار يورو من أجل إنقاذ البلاد من أزمتها المالية، اجتاحت الشارع اليوناني موجة غضب عارمة، لا سيما من الطبقات العاملة، احتجاجا على إجراءات التقشف، وأصيبت البلاد بالشلل التام نتيجة إضراب وسائل المواصلات العامة من الحافلات والترام ومترو الإنفاق وقطارات السكة الحديد لمدة 24 ساعة.

كما تسبب اشتراك عمال وموظفو أبراج المراقبة بالمطارات في الاحتجاجات والتوقف عن العمل لمدة 4 ساعات، من الثانية عشر ظهرا حتى الرابعة بعد العصر بالتوقيت المحلي، في إلغاء عشرات الرحلات الجوية وتعديل مواعيد إقلاع وهبوط الطائرات، مما أدى إلى معاناة المسافرين طوال اليوم. وذكرت شركتا الطيران اليونانيتين «أولمبيك إير» و«إيجيان» أنهما أرغمتا على إلغاء أكثر من عشرين رحلة وتعديل مواعيد 74 رحلة داخلية ودولية، كما انضم للإضراب موظفو الأجهزة والإدارات الحكومية، وأطقم المستشفيات الحكومية، وكثير من المدرسين وأساتذة الجامعات.

في الوقت نفسه بدأ العاملون في «الإذاعة والتلفزيون» و«وكالة الأنباء الرسمية» إضرابا عن العمل لمدة 24 ساعة، وتوقفت قنوات التلفزيون الحكومي عن البث تماما، كما شارك جميع الصحافيين في الإضراب لمدة ساعتين.

وكانت النقابتان الرئيسيتان في البلاد، اللتان تمثلان نحو 2.5 مليون عامل قد ناشدتا العاملين بالتظاهر والإضراب لمدة 24 ساعة. كما أعلنت نقابة القطاع العام، التي أعلنت تنظيم مظاهرة يوم 16 مارس (آذار) الحالي إلى تقديم الإضراب إلى يوم 11 مارس. وكانت الحكومة اليونانية قد أعلنت مؤخرا عن حلقة جديدة في سلسلة التخفيضات في نفقات القطاع العام، بهدف مواجهة الإفلاس الذي يهدد اليونان واستقرار منطقة اليورو بأكملها.

أما الإجراءات الجديدة المتعلقة بالميزانية، وهي الثالثة خلال الأشهر القليلة الماضية، تشمل خفض مكافآت القطاع العام بنسبة 30 في المائة، وتجميد مكافآت التقاعد، وفرض ضريبة جديدة على السلع الترفيهية والتبغ والمشروبات الكحولية، وزيادة الضرائب الاستهلاكية، بما فيها ضريبة المبيعات من 19 في المائة إلى 21 في المائة، مما يزيد من أسعار جميع أنواع السلع الاستهلاكية في البلاد.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قالت كوستنتينا، وهي إحدى المتظاهرات، ملامحها تظهر أنها في الخمسينات من عمرها، كانت تمسك بعلم اليونان وتلوح به وتهتف مع بقية المتظاهرين، إنها فقدت عملها بسبب الإجراءات التقشفية، وتشكو من غلاء الأسعار والإجراءات الروتينية في المصالح الحكومية، موضحة أنها لم تفكر قط قبل ذلك في المشاركة في مثل هذه المظاهرات، ولكن ما يحدث في الآونة الأخيرة دفع بها للخروج والاحتجاج.

أما بيترو بابايوأنو وهو شاب في الثلاثين، فقد ذكر لـ«الشرق الأوسط» أنه متزوج ولديه ابن وابنة، ولا يجد عملا منذ أكثر من 8 شهور، بعد ما تم إغلاق المتجر الذي كان يعمل فيه طوال 10 سنوات، موضحا أن الأزمة المالية والبضائع التي تأتي من الخارج والمنافسة بين المحلات، أرغمت صاحب المتجر على إغلاقه، لأنه لا يستطيع أن يستمر في تحمل الخسائر، مشيرا إلى أن الإجراءات الحكومية ظالمة، خصوصا على الشعب الفقير. من جانبه، ذكر يانيس باناجوبولوس رئيس نقابة العمال، الذي تم الاعتداء عليه في نهاية المظاهرة، أن الإجراءات التي أقرتها الحكومة، ظالمة ولن تضر إلا بالطبقات الدنيا والوسطى، وسوف تقود البلاد إلى حالة من الركود الشديد مع ارتفاع نسبة البطالة. في هذه الأثناء، صرح رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو، مجددان بأن ديون اليونان سوف يدفعها اليونانيون، ولذا على الشعب اليوناني تقبل هذه الإجراءات القاسية، لأنه لن يدفع أحد ديوننا عنا. والتقى باباندريو مساء أمس المستشارة الألمانية ميركل، في محاولة يونانية لكسب التضامن الأوروبي، مشيرا إلى أنه لم يطلب على الإطلاق من ألمانيا أو فرنسا أي خطة إنقاذ.

وذكر باباندريو في لقاء مع وسائل الإعلام الألمانية «لم نطلب من دافعي الضرائب الألمان أن يدفعوا معاشاتنا التقاعدية وتكاليف عطلاتنا.. لهذا يجب أن يكون هناك دعم أوروبي، بحيث يمكننا اقتراض أموال في ظل ظروف أفضل، هذا كل ما نحتاجه».

وكانت ميركل قد تعهدت في تصريحات قبل لقائها باباندريو أمس، بتقديم مساندة معنوية، من دون إشارة إلى مساعدات مالية قد يكون أكبر اقتصاد في منطقة اليورو على استعداد لتقديمها في نهاية المطاف، وقال متحدث باسم ميركل إن ألمانيا «مقتنعة» بأن التدابير اليونانية سوف تساعد على إعادة الثقة في هذا البلد.

تجدر الإشارة إلى أن نحو 200 شخص من أعضاء إحدى النقابات المقربة من الحزب الشيوعي قد استولوا أول من أمس على مدخل وزارة الاقتصاد وسط أثينا، ونصبوا لافتة كبيرة على واجهة مبنى الوزارة، ورفضوا السماح للموظفين بالدخول، تعبيرا عن احتجاجهم ورفضهم لبرنامج الحكومة المتعلق بـ«الاقتصاد القاسي» الهادف إلى خفض عجز الميزانية.

وفي تطور للأحداث، وافق البرلمان اليوناني بعد ظهر أمس، بالأغلبية، على إجراءات التقشف الجديدة، وسط صراع كبير بين الحزب الاشتراكي الحاكم وأحزاب المعارضة، ولكن الأغلبية التي يحوز عليها الحزب الاشتراكي مكنت الحكومة من السير في خطتها، أما حزب الديمقراطية الجديدة، أكبر أحزاب المعارضة في اليونان، فصوت بـ«لا» على الإجراءات، ولم يتم قبول التعديلات التي تم عرضها على البرلمان من قبل رئيس الحزب أندونيس سامراس، فيما رفضت بقية أحزاب المعارضة التصويت.

في غضون ذلك، اعتدى عدد من الشبان المتظاهرين على رئيس الاتحاد العام للعمال اليونانيين يانيس باناجوبولوس، وأسفر الاعتداء عن تعرض باناجوبولوس بجروح طفيفة، مما اضطره إلى قطع خطاب كان يلقيه في التجمع.

بعد ذلك هاجمت المجموعة نفسها، من المتظاهرين الشباب، الحراس الذين يرتدون الزي التقليدي أمام البرلمان، مما أرغم الشرطة على أن تطلق الغاز المسيل للدموع عليهم لتفريقهم. كما اضطرت وزارة الأمن العام إلى استدعاء عدد كبير من رجال الشرطة إلى القدوم والانضمام لزملائهم لتأمين المظاهرات والسيطرة على الأمن في الشوارع والميادين المتفرقة بعد انتهاء المظاهرات.

من جهتها، دعت زعيمة الحزب الشيوعي، وهو أكبر ثالث حزب سياسي في البلاد، الشعب إلى التظاهر والاستمرار في مسيرات الاحتجاجات، موضحة أنه لا يمكن للشعب تحمل سياسة وحكم الأغنياء، في إشارة إلى أن من حكم البلاد قبل ذلك وأوصلها إلى الأزمة التي تعانيها حاليا هم ثلاث عائلات أغنياء هم باباندريو وكارامنليس وميتسوتاكيس، وعلى الشعب حاليا أن يختار زعيمه من الطبقة الفقيرة والعاملة حتى يشعر بمآسي ومتاعب الآخرين.