الدول الخليجية أولى باستثماراتها

سعود الأحمد

TT

أود أن أتحدث بلسان مواطن خليجي.. تعليقا على ما ورد بتقرير الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، الذي دعا فيه الدول الخليجية إلى ضرورة توجيه فوائض مواردها النفطية تجاه دول المنطقة العربية لحوض المتوسط، لتمويل مشروعات البنية التحتية، وغيرها من المشروعات التنموية. فمثل هذه الدعوة نسمعها كثيرا من الأشقاء العرب، خصوصا في الخارج. لكن الجديد في الأمر (هذه المرة) أنها أتت من منظمة مالية عربية متخصصة مقرها دولة الكويت!.

فمع الشكر الجزيل لمن قام بإعداد هذا التقرير وخصنا بالتوصية، أقول: الواقع أن دول مجلس التعاون قدمت تضحيات خلال العقود الثلاثة الماضية، أدت إلى تأخير مشاريعها التنموية. وإلا فإن لدينا بدول المجلس فرصا استثمارية واعدة، ومشاريع تحتية وتطويرية وفي التنمية المستدامة تنتظر التمويل، ومجالات حيوية للإنفاق الداخلي بالنظر إلى الحالة والوضع الذي تعيشه دول المجلس. فبلداننا مترامية الأطراف، تحتاج إلى طرق برية وحديدية، ونريد شبكات طرق تقرب مدننا من بعضها ومن بقية مدن دول المجلس، ونريد تنفيذ مشروع شبكة الكهرباء الخليجي. والمجال واسع للمشاريع النفطية (تطويرا وتنقيبا وإنتاجا وتصفية وتصديرا). ولنا كمواطنين طموحات أن نحفر قناة مائية تقطع جزيرة العرب لتصل شرق البحر بغرب الخليج. وحاجاتنا الأساسية لم تكتمل بعد، فبعض مدارسنا مستأجرة وغير مهيأة للتعليم، ونحتاج لبناء عدد كبير من المدارس والجامعات. وقس على ذلك المستشفيات والمستوصفات والإدارات الحكومية الخدمية والإدارية الأخرى. والفقر والبطالة أطلا بوجهيهما علينا منذ عدة سنوات حتى استوطنا وأصبحا مسألة مزمنة. والمواطن الخليجي يكدح ليبحث عن فرص عمل، وقد ينتابه اليأس، وقد يصل البعض إلى درجة يقبل فيها على الانتحار!. ولدينا أحياء منذ عقود من الزمن تنتظر الخدمات (من ماء وكهرباء وهاتف وسفلتة وصرف صحي).. ولدينا مشكلات سكن مثلنا مثل غيرنا من الدول التي تشتكي.

أما عن بناء الاحتياطيات النقدية، فهذا يفهم ضرورته أي اقتصادي محترف. فدول المجلس تعتمد في دخلها (بعد الله) على سلعة واحدة وهي النفط. والنفط معرض في أي وقت للنقص والنضوب، وسعره تحكمه ميكانيكية العرض والطلب بالأسواق العالمية، وهذه الميكانيكية (كما لا يخفى على الجميع) تتأثر بعوامل سياسية وتقنية واقتصادية (Systematic) لا يمكن لأحد بأي حال من الأحوال أن يتحكم بها أو يتكهن بمستقبلها. ولذلك فإن الجهات المعنية بدول المجلس مطالبة بتكوين احتياطيات نقدية لمواجهة تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية. ولأن دول المجلس تعتمد كثيرا على المشاريع الحكومية، فإن القادة الاقتصاديين في هذه المرحلة مطالبون (أكثر من أي وقت مضى) بسرعة استكمال بنيتها الأساسية. وتوفير مصادر دخل لمواطنيها بديلة عن النفط.

بل إنني كمواطن خليجي أفضل زيادة وسرعة الإنفاق الذي لا يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية سلبية، لأنني أعرف معنى استثمار الاحتياطيات النقدية أجنبيا. فهي إما في صورة ودائع نقدية بعائد لا يكاد يذكر، في ظل تخفيضات سعر الفائدة العالمية الحالي، أو في صورة سندات، وهذا معناه الحقيقي توفير سيولة لتمويل مشروعات لشركات بالدول الصناعية، مقابل عوائد لا يمكن أن تفوق العائد منها. أو في صورة أسهم بشركات عالمية بالدول الصناعية، وماهية ذلك بناء شركات لتزيد من بناء مشاريع بالدول الصناعية!.

*كاتب ومحلل مالي