صفقة بـ40 مليار دولار لشراء طائرات نقل وقود تثير غضبا أوروبيا واسعا ضد أميركا

بعد تفضيل البنتاغون«بوينغ» الأميركية على حساب «إيرباص» الأوروبية

اتهامات أوروبية لوزارة الدفاع الأميركية بتغيير مواصفات صفقة طائرات نقل الوقود لتكون في صالح «بوينغ» (أ.ف.ب)
TT

سيطرت حالة غضب واسعة على دول صناعية كبرى داخل القارة الأوروبية بسبب الطريقة التي تعامل بها البنتاغون مع صفقة قيمتها 40 مليار دولار لشراء طائرات نقل وقود، وتتهم قيادات سياسية واقتصادية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بانتهاج سياسية حمائية.

واتهمت فرنسا وبريطانيا وألمانيا وزارة الدفاع الأميركية بتغيير مواصفات صفقة طائرات نقل الوقود لتكون في صالح شركة «بوينغ» في مواجهة تحالف «إيرباص»، الذي قدم عرضا للحصول على الصفقة بالشراكة مع الشركة الأميركية «نورثروب غرومان». وكانت شركة «نورثروب» قد انسحبت من المنافسة الأسبوع الماضي، وبذلك قضت على آمال «إيرباص»، واستثار ذلك شكاوى كثيرة من جانب الأوروبيين.

وجاءت الهزيمة التجارية للشركة «الأوروبية للدفاع الجوي والفضاء» (إي إيه دي إس)، وهي الشركة الأم لـ«إيرباص»، في وقت زادت فيه حدة التوتر بين أوروبا والولايات المتحدة بشأن مقترحات متنازع عليها، حول تنظيمات مالية دولية جديدة، حيث يدعو الأوروبيون بصورة عامة إلى أجل ضوابط أشد، فيما تعارض إدارة أوباما ذلك تحت شعار السوق الحرة وحرية التجارة.

وعلاوة على ذلك، دخل مسؤولون في إدارة أوباما حملة نشطة خلال الأشهر الأخيرة من أجل إقناع الحكومة البرازيلية بعدم شراء المقاتلة الفرنسية «رافال» المتعددة المهام، كما وعد الرئيس لويس لولا دا سلفا خلال زيارة بدت وكأنها زيارة تجارية قام بها الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي إلى ريو دو جانيرو في سبتمبر (أيلول). وتتنافس المقاتلة «رافال»، التي صنعتها «داسو للطيران» الفرنسية هناك بالأساس مع «إف إيه 18 سوبر هونت»، التي تصنعها «بوينغ».

ويقول برنارد كارايون، عضو لجنة التمويل بالمجلس الوطني الفرنسي: «الشيء الصادم هو أن هناك حكومة في واشنطن لم تتوقف يوما عن إلقاء خطب حول حرية التجارة ورفض الحمائية، وفي وقت الجد، تكون مصلحتها الوطنية هي الأساس. ستبقى لهذه الأزمة بعض الآثار».

ومن المتوقع أن يتطرق ساركوزي إلى مشاعر السخط داخل أوروبا عند لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارة يقوم بها إلى واشنطن نهاية الشهر، حسب ما ذكره متحدث باسم الحكومة الفرنسية.

وخلال مقابلة أجريت معه، قال كارايون إن حالة الغضب واسعة داخل باريس، حيث كانت مناقصة تصنيع 179 طائرة جديدة المثال الأخير الصارخ على السياسة الحمائية التي تتبناها الولايات المتحدة منذ وقت طويل. وأضاف أن أكثر من 30 عضوا في البرلمان وقعوا على عريضة سوف تنشر قريبا يحثون فيها السلطات التجارية بالاتحاد الأوروبي على اتخاذ الإجراءات التي تضمن معاملة أفضل للشركات الأوروبية داخل السوق الأميركية.

وقال أشتون كارتر، وكيل وزارة الدفاع المسؤول عن عمليات الشراء الخاصة بالجيش، في حديث مع الصحافيين داخل واشنطن إن البنتاغون يقدر مساهمة الصناعات الأوروبية، ويؤكد على أنه لا يوجد أي نوع من السياسات الحمائية في صياغة المواصفات الجديدة للطائرات. ولكن، لم تفلح هذه التصريحات في تهدئة مشاعر الغضب داخل أوروبا.

وقال ساركوزي خلال مؤتمر صحافي يوم الجمعة مع رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون في لندن: «أعترف بأنني لم أقدر هذا القرار، وهذه ليست طريقة للتصرف». وأضاف أنه إذا كانت الولايات المتحدة «تريد أن تكون لها آذان مصغية خلال النضال ضد الحمائية، فيجب ألا تعطي مثالا على الحمائية».

وأعرب براون عن موافقته على ذلك، وقال إنه «شعر بالإحباط» بسبب سلوك البنتاغون، مضيفا: «نعتقد أنه يجب أن تكون هناك حرية داخل الأسواق وحرية في المنافسة».

وقال وزير الاقتصاد الألماني رينر برودرلي في بيان إن البنتاغون قام عن قصد بصياغة مواصفات جديدة لإعطاء «بوينغ» ميزة تتفوق بها على «إيرباص». ودعا المنسق المختص بشؤون الفضاء بالحكومة الألمانية بيتر هنتز إدارة أوباما إلى «إعادة التفكير» في مواصفاتها، ولكنه أقر بأن فرص حدوث ذلك ضعيفة جدا.

وقالت مفوضة التجارية بالاتحاد الأوروبي كارل دي غوتش، في بيان داخل بروكسل: «من المؤسف كثيرا أن تشعر شركة كبيرة بأنها غير قادرة على تقديم عرض للحصول على صفقة من هذا النوع. ستشعر المفوضية الأوروبية بقلق بالغ إذا ما ظهر أن مواصفات المناقصة كانت تهدف إلى منع منافسة مفتوحة على الصفقة».

وتعد حالة السخط داخل أوروبا الفصل الأخير في صراع عنيف استمر على مدى عقد بشأن الصفقة، الذي يعد إحدى أكبر الصفقات التي تطرح في مناقصة، ومن أكثرها إثارة للمشكلات.

وعرضت «بوينغ» نموذجا عسكريا من طائراتها الجديدة «767»، فيما عرضت «إيرباص» طائرة «إيه 330» تقوم بتحويلها داخل الولايات المتحدة «نورثروب غرومان» لتحل محل الأسطول الحالي من طائرات «بوينغ» التي ترجع إلى الستينات من القرن الماضي.

وخلال الجولة الأولى من المناقصة، تم رفع «بوينغ» من المنافسة عام 2004 بسبب فضيحة فساد. وتم منح الصفقة إلى تحالف «إيرباص» و«نورثروب غرومان» بعد الجولة الثانية عام 2008. وطعنت «بوينغ» في ذلك، وقالت إن قواعد المناقصة لم تتبعها القوات الجوية، وأعيد طرح الصفقة مجددا.

ورفض بيير بايل، متحدث باسم شركة «إي إيه دي إس» في باريس، توضيح ما الذي يقف وراء اتهامات المحاباة خلال الجولة الأخيرة. وقال كارايون إن مواصفات البنتاغون الخاصة بالطاقة الاستيعابية والمدى، بالإضافة إلى أشياء أخرى، بدت وكأنها معدة صراحة لتناسب الطائرة الأصغر «بوينغ 767» ولتستبعد الطائرة الأكبر «إيه 330» وتأتي خسارة الصفقة في لحظة سيئة بالنسبة لشركة «إي إيه دي إس». فبعد أن انسحبت شركة «نورثروب» من المعركة، أعلن التحالف الذي يتخذ من باريس وميونيخ مقرا له عن خسائر تبلغ أكثر من مليار دولار لعام 2009، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى عمليات تأخير وتجاوز الموعد المحدد في جهود لتصنيع طائرة النقل العسكري «إيه 400 إم» التي تطلبها كثير من الحكومات الأوروبية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»