صندوق النقد الدولي يحذر الدول الغنية من ديونها

يتوقع أن ترتفع إلى 110% بحلول نهاية 2014 مقارنة بـ75% نهاية 2007

TT

تركت الأزمة الاقتصادية العالمية «آثارا عميقة» في التوازنات المالية داخل الاقتصادات المتقدمة، التي يجب عليها البدء في تقليل النفقات العام المقبل مع استمرار التعافي الاقتصادي، وذلك حسب ما قاله المسؤول الثاني في صندوق النقد الدولي يوم الأحد. وخلال كلمة أمام منتدى التنمية الصيني في بكين، عرض جون ليبسكي، نائب العضو المنتدب، توقعات كئيبة تتعلق بالدول الأكثر ثراء التي تعاني من مستوى مديونية ليس له نظير منذ الحرب العالمية الثانية. وقال ليبسكي إنه بالنسبة للولايات المتحدة «ستكون هناك حاجة إلى ادخار عام أعلى لضمان استدامة مالية على المدى الطويل». وأضاف المسؤول أنه كان من المتوقع أن يبلغ متوسط نسبة الديون بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المتقدمة العام الحالي مستوى ساد خلال عام 1950. وحتى مع افتراض أن برامج التحفيز المالي سوف يتم سحبها خلال الأعوام القليلة المقبلة، فإن هذه النسبة من المتوقع أن ترتفع إلى 110 في المائة بحلول نهاية 2014 مقارنة بـ75 في المائة نهاية 2007. وفي الواقع، من المتوقع أن تصل النسبة إلى 100 في المائة أو تتجاوزها في ما يتعلق بخمس دول من مجموعة الدول السبع، باستثناء كندا وألمانيا، بحلول 2014. وقال ليبسكي: «يعد التعامل مع هذا التحدي المالي أولوية هامة على المدى القريب، حيث إن المخاوف بخصوص الاستدامة المالية يمكن أن تقوض من الثقة في التعافي الاقتصادي». وأضاف أن إبقاء الدين العام في مستويات ما بعد الأزمة يمكن أن يقلل من النمو المحتمل داخل الاقتصادات المتقدمة بنسبة تصل إلى نصف نقطة مئوية كل عام، بالمقارنة مع التوقعات قبل الأزمة. وأضاف أنه لتقليل نسب الديون إلى متوسط ما قبل الأزمة الذي يبلغ 60 في المائة بحلول 2030 سيتطلب الأمر تغيرا نسبته 8 نقاط مئوية، من عجز هيكلي يبلغ 4 في المائة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010 إلى فائض نسبته نحو 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020. ويقدر صندوق النقد الدولي أن نفقات التحفيز التقديرية تمثل 1.5 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وأضاف ليبسكي أن الاقتصادات المتقدمة سوف يكون عليها أن تتخذ إجراءات، مثل تعديلات على برامج الرعاية الصحية والمعاشات، وخصومات أخرى في النفقات وعوائد ضرائب أعلى. وعلى الرغم من أنه من المفيد للاقتصادات الأكبر في العالم الاستمرار في نفقات التحفيز حتى نهاية العام الحالي، فإنه «يجب بدأ تدعيم النظام المالي في عام 2011، إذا ما ظهر التعافي الاقتصادي بالوتيرة نفسها المتوقعة»، حسب ما قال ليبسكي. وأضاف أنه ستكون هناك حاجة إلى «لإعادة توازن عالمي لأنماط الادخار» من أجل ضمان التعافي الاقتصادي. وقد زاد قلق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن تكديس الصين ما يقدر بـ2.5 تريليون دولار في صورة احتياطي أجنبي، وكان ذلك نتيجة لفائض كبير في الحساب الجاري مع باقي العالم، علاوة على إجراءات لإبقاء قيمة العملة الصينية منخفضة. ويقول كثير من الاقتصاديين إن الصين سوف تحتاج في نهاية المطاف إلى تنمية أسواقها المحلية وإنهاء اعتماد الاقتصاد الصيني على الصادرات. وقال ليبسكي إن الصين تتخذ إجراءات جيدة لتحويل النفقات العامة بعيدا عن مشروعات البنية التحتية المادية تجاه تعديلات في برامج التعليم والصحة والأمن الاجتماعي «سوف تزيد من الإنتاجية وتدعم الاستهلاك مباشرة عن طريق تقليل الحاجة إلى الادخار الوقائي».

ويمكن أن تؤدي زيادة مستمرة نسبتها 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في قطاعات الصحة والتعليم والمعاشات إلى نمو دائم في الاستهلاك العائلي نسبته أكثر من 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حسب ما قاله ليبسكي، مضيفا أنه يجب على الصين دراسة زيادة الدخل الأسري عن طريق تحويل العبء الضريبي تجاه مكاسب رأس المال والعقارات بعيدا عن المال المكتسب. ومن المتوقع أن تكون السياسة المالية على رأس الأجندة عندما يجتمع زعماء دول مجموعة العشرين في قمة داخل تورنتو في يونيو (حزيران). وقال ليبسكي: «سيكون لزيادة معتدلة في التضخم أثر محدود على أعباء الدين الحقيقية، ولكن سيفرض التضخم المتسارع تكلفة اقتصادية كبرى ويخلق مخاطر كبيرة للتوسع المستدام».

وتضغط الولايات المتحدة ودول صناعية أخرى، بالإضافة إلى دول نامية، على صندوق النقد الدولي كي يوجه انتقادات للصين بسبب تدخلها الواسع في أسواق العملة لإبقاء قيمة الرنمينبي منخفضة في مقابل الدولار. ولكن تراجع ليبسكي عن انتقاد الصين خلال خطابه، وهو ما كان سينظر إليه المسؤولون الصينيون على أنه شيء مهين لو حدث داخل بكين. وخلص صندوق النقد الدولي في تقرير الصيف الماضي إلى أن الرنمينبي «تم تقييمه أقل من قيمته بدرجة كبيرة» وأن ذلك ساهم في فوائض تجارية كبيرة داخل الصين خلال الأعوام الأخيرة. ولكن أعاقت الصين نشر هذا التقرير على الرغم من أن معظم الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي تسمح بنشر تقارير الصندوق التي تتناول اقتصاداتها. وقال وزير التجارة تشن ده مينغ خلال المؤتمر نفسه أمس، إنه ربما يكون هناك عجز تجاري لدى الصين في مارس (آذار) بعد تحقيقها فائضا على مدى أعوام، وذلك حسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية «شينخوا». سوف يكون العجز التجاري في الشهر الحالي طفرة بالنسبة للمسؤولين الصينيين في مواجهتهم للضغوط الأميركية لإعادة تقييم الرنمينبي. وفي المعتاد تعلن الصين بياناتها التجارية الشهرية في ما بين التاسع والثاني عشر من الشهر التالي. وإذا اتبعت هذه المواعيد خلال الشهر المقبل، فإن الفائض التجاري سوف ينشر قبل 15 أبريل (نيسان)، وهو آخر موعد حدده الكونغرس الأميركي لإعلان ما إذا كانت هناك دولة أجنبية، بما في ذلك الصين، تتلاعب بقيمة عملتها. ويتوقع اقتصاديون غربيون أن معظم الفائض التجاري الصيني، إن لم يكن كله، سوف يتلاشى في مارس (آذار). وفي الواقع، فإن جميع مصانع التصدير الصينية توقفت خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر فبراير (شباط) بسبب العام القمري الجديد، الذي تأخر بصورة غير معتادة خلال العام الحالي، ويعاني كثير من المصانع في سعيها لاستعادة العمل بطاقة كاملة، حيث إن كثيرا من العمال المهاجرين تأخروا في العودة بعد الإجازات. وتراجع تدفق البضائع على موانئ التصدير خلال مارس (آذار) نتيجة لذلك، على الرغم من استمرار الواردات. وقال تشن أيضا إن الصين لن تقف مكتوفة اليدين إذا ما فرضت الولايات المتحدة عقوبات بعد إعلان الصين دولة متلاعبة في العملة، حسب ما أوردته «شينخوا». وتميل وزارة التجارة إلى تمثيل آراء المصدرين. وكما هي الحال مع وزارة التجارة داخل الولايات المتحدة، فليس من سلطة وزارة التجارة الصينية الدخول في مفاوضات دولية بشأن العملة. ولكن، على عكس مسؤولي وزارة التجارة الأميركيين الذين لديهم سياسة صارمة تتمثل في عدم التعليق على قضايا خاصة بالعملة، تحدث مسؤولو وزارة التجارة الصينية صراحة مع وسائل الإعلام الصينية المحلية خلال الأشهر الأخيرة منتقدين أي تقييم للعملة. وقد أدى ذلك إلى تقليل مساحة المناورة أمام المسؤولين في المصرف المركزي والهيئات الأخرى المسؤولة عن قضايا العملة.

*خدمة «نيويورك تايمز»