السعودية: أزمة الحديد مستمرة.. والسوق السوداء وارتفاع الأسعار يهددان بتوقف المشاريع

نائب رئيس مجلس الغرف السعودية لـ «الشرق الأوسط»: تباين الأسعار يربك السوق

مشاريع البناء مهددة بالتوقف في السعودية بسبب شح الحديد («الشرق الأوسط»)
TT

أكد مسؤول رفيع في مجلس الغرف السعودية أن ما تشهده أسعار الحديد في الفترة الحالية هو أزمة مفتعلة، تسببت في حدوثها شركة محلية كبرى (سابك) تمتلك حصة 50 في المائة من السوق السعودية، مشيرا إلى أن الشركة لم تستجب للمتغيرات العالمية التي شهدت تغير أسعار الحديد عالميا مما أربك السوق المحلية.

وقال عبد الرحمن الراشد، نائب رئيس مجلس الغرف السعودية ورئيس الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية، إن الضغط على شركة «سابك» بإبقاء أسعار الحديد كما هي، وعدم الاستجابة للأسعار العالمية، سيخلق سوق سوداء للحديد، كما سيفتح مجال للتهريب، إضافة إلى خلق شح في معروض الحديد في السوق وأزمة عدم توافر الحديد بكفاية.

وتشهد السوق السعودية أزمة مستمرة بسبب ارتفاع أسعار الحديد، وهو ما تسبب بدوره في انخفاض الطلب على منتجات الحديد، والتي تعيد للأذهان الأزمة التي شهدتها السوق مطلع العام الماضي، والتي تسببت في تعثر مشاريع البناء، بسبب الارتفاعات المتتالية في أسعار المعروض من الحديد.

ويقول الراشد إن سوق الحديد في السعودية مرتبكة، وذلك بسبب وجود تسعيرتين في السوق، إحداهما ثابتة والأخرى متجاوبة للمتغيرات العالمية، وهو ما جعل السوق لا تعمل بقانون الأسواق العالمية، موضحا أن الأسعار يحددها مدخلات الإنتاج، وللعرض والطلب.

وطالب الراشد بتدخل وزارة التجارة والصناعة لمنع حدوث أزمة حديد عبر إجراءين محددين، الأول إعطاء شركة «سابك» المجال للاستجابة للأسعار العالمية حتى لا تحدث فروقات في الأسعار تربك السوق، أو بوضع تسعيرة محددة يلتزم بها الجميع مع تعويض المصانع المتضررة من ارتفاع أسعار الخام عالميا، حيث ارتفعت أسعار الخام من 370 دولارا للطن إلى 620 دولارا.

وبين الراشد أن السوق السعودية لا تشهد نقصا في إمدادات الحديد، إنما حدثت أزمة بسبب الحديد الرخيص في السوق، وقال «إن تباين الفروق السعرية في السوق بين منتج (سابك) ومنتجات المصانع الأخرى جعل المقاولين يخشون مع عودة تصاعد الأسعار مرة أخرى، مما جعلهم يخزنون احتياجاتهم من الحديد لعام كامل».

واستبعد الراشد عودة أسعار الحديد في عام 2008، مبررا ذلك بالقول إن كثيرا من المصانع السعودية أوقفت عددا من خطوط إنتاجها، بسبب تراجع أسعار الحديد إلى 1800 ريال (480 دولارا) تقريبا منذ عام، وستعاود المصانع تشغيل كامل خطوط الإنتاج مع ارتفاع الطلب على الحديد.

وكانت الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» قد عدلت أسعار منتجات الصلب الطويلة من قضبان التسليح ولفات الأسلاك، وذلك بإضافة 100 ريال (27 دولارا) للطن المتري، وأرجعت ذلك إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج على مستوى العالم، نظرا لارتفاع أسعار المواد الخام بما في ذلك الحديد الخام والخردة، الأمر الذي انعكس بدوره على أسعار المنتجات النهائية المعروضة في أسواق المملكة والمنطقة الخليجية حسب تعبيره.

من جهة أخرى، كشفت لـ«الشرق الأوسط» مصادر مطلعة في سوق الحديد السعودية، أن الأزمة التي تعيشها السوق حاليا تعد شكلا من أشكال الدورة التي تمر بها سوق الحديد، وذلك بعد ارتفاع أسعار الخام حول العالم، مما دفع الأسعار إلى الارتفاع.

ويصل سعر طن الحديد المسلح في بعض المعروض حاليا، إلى نحو 2700 ريال (720 دولارا)، في الوقت الذي أكد فيه خبراء في مجال المقاولات أن عدم تثبيت سعر الحديد أسهم في خلق فوضى في السوق السعودية، وشجع الموزعين والتجار على تجاوز السعر المحدد من قبل شركة «سابك»، مما أثار الخوف لدى الكثير من المستهلكين، وتهديد التوسع في نمو المشاريع، مغبة الخوف من تعثرها.

ويعد هذا الارتفاع - كما فسره البعض - ارتفاعا طبيعيا في ظل تنامي الطفرة العقارية، غير أن ملامح الأزمة تنحصر في استغلال التجار والموزعين للتلاعب في أسعار الحديد وتخزينه، مما دفع وزارة التجارة والصناعة إلى أن تصدر تعميما شديد اللهجة، يقضي بفرض عقوبات مالية، وسجن وتشهير، بحق الشركات والمؤسسات التي تقوم بتخزين الحديد بغية رفع الأسعار.

وفي هذا الإطار، قال عبد الله بكر رضوان، عضو الجنة الوطنية للمقاولين لـ«الشرق الأوسط»: «إن المشكلة لا تكمن في ارتفاع سعر الحديد من قبل شركة (سابك)، إذ إن التعديل المستمر في السعر، شجع الموزعين المحليين على تجاوزه، مما أسهم في تعثر المشاريع».

وأضاف رضوان أن «التعديل الأخير لشركة (سابك) بإضافة 100 ريال للطن الواحد، جاء نتيجة الطفرة في المشاريع العقارية، وتزايد بناء الوحدات السكنية، إلا أن غياب السيطرة على الموزعين يجعل هذه المشاريع عرضة للتعثر، حيث يتم تخزين الحديد، وتعطيش السوق بمنتجاته، حتى يتزايد الطلب على منتجات الحديد وترتفع أسعاره».

وأوضح رضوان أن أسعار الحديد المستوردة تعد أقل من نظيرتها المحلية، إلا أن التعريفة الجمركية عليها بواقع 5 في المائة، تصعب استيرادها من الخارج، مطالبا وزارة التجارة والصناعة بإلغاء التعريفة الجمركية، حيث يسهم ذلك في ضبط الأسعار، وإعادة التوازن إلى السوق السعودية.

إلا أن البعض يرى أن عملية تخزين كميات من الحديد ليست بالأمر السهل، وأنها تعد مغامرة كبرى من قبل التجار، تعرضهم لخسائر مستقبلية، في حالة انخفاض سعر الحديد.. حيث يوضح سمير مراد، عضو اللجنة الصناعية بغرفة التجارة والصناعة بجدة، لـ«الشرق الأوسط»، أنه لا يمكن لأي تاجر بأي حال من الأحوال أن يخزن كمية من الحديد، بغية ارتفاع أسعاره، حيث إن في حالة انخفاض الأسعار، سيضطر التاجر لبيع مخزونه بخسارة.

ويضيف مراد أن «الأمور ما زالت تسير بشكل طبيعي، حيث لا يزال المقاولون يشترون الكميات التي هم فقط في حاجة إليها لإكمال مشاريعهم، إلا أن الطلب المتزايد على شراء الحديد بسبب النمو المطرد للمشاريع، سيسهم في زيادة الأسعار، وهذا أمر لا شك فيه»، مطالبا اللجان المختصة في وزارة التجارة والصناعة بمراقبة المستودعات لمنع أي تلاعب في الكميات المعروضة لمنتجات الحديد.

وكانت وزارة التجارة والصناعة قد أصدرت تعميما لكل التجار والموزعين ينص على «تحديد عقوبات لكل من يمتنع عن بيع حديد التسليح المصنع محليا أو المستورد، أو يبيعه بزيادة عن الأسعار المحددة والمعلنة على الموقع الرسمي لوزارة التجارة والصناعة على شبكة الإنترنت».

وتتولى لجان تشكل من قبل وزير التجارة والصناعة إثبات المخالفات، على أن ترفع محاضر الضبط من قبل وزارة التجارة والصناعة للنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، أو من يراه مناسبا لإصدار القرار بتوقيع العقوبة على المخالفين.