اليابان تقر ميزانية بتريليون دولار لتعزيز الاقتصاد

الحكومة تحتفظ بنصيبها في النظام المصرفي البريدي متراجعة عن خطط الخصخصة

TT

نجحت الحكومة اليابانية في تمرير موازنة بقيمة 92.3 تريليون ين ياباني عبر البرلمان، أمس الأربعاء، ترمي لمنح دفعة لنمو الاقتصاد الوطني الذي يعاني من الجمود منذ فترة بعيدة، في موجة جديدة من النفقات ستؤدي إلى زيادة الدين العام الياباني المتفاقم. وفي انحراف مفاجئ عن جهود الخصخصة التي بذلتها الإدارات السابقة، أعلنت الحكومة أيضا، الأربعاء، احتفاظها بحصة كبيرة من النظام المصرفي البريدي الياباني الهائل، مسيطرة بقوة على شركة ضخمة حملها الكثيرون مسؤولية كثير من المشكلات والإخفاقات التي مني بها ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

الواضح أن الموازنة القياسية، التي تقدر بتريليون دولار، للسنة المالية التي تبدأ في أبريل (نيسان) المقبل ترمي لخدمة أجندة التحفيز الاقتصادي الطموحة الخاصة برئيس الوزراء، يوكيو هاتوياما، التي تتضمن تقديم إعانات نقدية إلى الأسر التي تضم أطفالا صغارا، والإعفاء من مصاريف الالتحاق بالمدارس العامة الثانوية ودعم دخول المزارعين. إضافة إلى ذلك، يتطلع هاتوياما، الذي يترأس الحزب الديمقراطي، لتعزيز كل من الاقتصاد الياباني الذي يرزح تحت وطأة التضخم وشعبيته المتردية قبيل الانتخابات المهمة المقرر إجراؤها هذا الصيف.

وفي شرحه للأهداف التي يرمي إلى تحقيقها، قال هاتوياما: «خلق دائرة فاعلة تدفع في إطارها استراتيجية نمو فرص العمل ويساعد الطلب في مكافحة التضخم».

وتكشف بيانات حديثة أن الاقتصاد الياباني يخرج ببطء من أسوأ فترة ركود تعرض لها منذ الحرب العالمية الثانية، مع مساعدة استعادة الاقتصاد العالمي نشاطه في دفع عجلة الصادرات والإنتاج والتوظيف. ومع ذلك، يساور بعض الخبراء الاقتصاديين القلق من حدوث تنام بالغ في إنفاقات الحكومة اليابانية، التي تعاني بالفعل من وطأة دين عام يعادل ضعف حجم اقتصادها، وهو المعدل الأسوأ من نوعه بين الدول الصناعية. من جهتها، تقول الحكومة إنها ستصدر سندات بقيمة قياسية تبلغ 44 تريليون ين بهدف تمويل موازنة العام المقبل وتغطية التراجع الشديد في العائدات الضريبية. جدير بالذكر أنه في يناير (كانون الثاني)، أشارت وكالة التقييم «ستاندرد آند بورز» في توقعاتها بالنسبة للاقتصاد الياباني إلى أن هاتوياما يفتقر على ما يبدو إلى خطة واضحة للشروع في احتواء الديون الوطنية المتفاقمة. المعروف أن الجوانب المالية اليابانية تلقى دعما منذ فترة طويلة من قبل «جابان بوست» (صندوق الادخار التابع لهيئة البريد اليابانية) أكبر عميل على مستوى البلاد للسندات الحكومية اليابانية. وقد اجتذبت الضمانات الحكومية الفعلية على الودائع لدى المصرف البريدي أموالا ضخمة، وصلت إلى قرابة 300 تريليون ين، أي ما يعادل أكثر من إجمالي الناتج المحلي السنوي لفرنسا.

وقد شقت هذه الأموال بدورها طريقها إلى مشـــــــروعات الأشغال العامة بمختـــــلف أرجاء البلاد، مثل السدود المقامة على جميع الأنهار الكبرى تقريبا في اليابان والطرق الجبلية التي لا تؤدي إلى جهة محددة.

في محاولة لعلاج التدفق غير الصحي للأموال، شرع جنيشيرو كويزومي، رئيس الوزراء السابق، في خطة للخصخصة. في ظل خطة تزعمها كويزومي، كان من المفتـــــــــــــرض أن تتحرر وحدات مالية داخل «جابان بوست» من السيطرة الحكومية بحلول عام 2017، ممـــــــا يشـــــــكل المحور الأســـــاسي لتغييرات هيكلية مصممــــــة لبناء اقتصاد أكثر ميلا للسوق داخل اليابان.

ورغم أن خطط كويزومي بدت متمتعة بتأييد شعبي آنذاك، تسبب الأداء الكارثي، إضافة إلى الركود المؤلم في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في تشويه واسع النطاق لصورة أجندته الرامية للخصخصة. في أغسطس (آب)، نجح هاتوياما في الإطاحة بالليبراليين الديمقراطيين، الذين ينتمي إليهم كويزومي، من السلطة في انتخابات تاريخية أنهت نصف قرن من الحكم المتواصل تقريبا لليبراليين الديمقراطيين في اليابان. وسرعان ما شرعت الإدارة الجديدة في مراجعة خطة خصخصة النظام المصرفي البريدي. ونصت مسودة قانون أعلنت عنه الحكومة، الأربعاء، على احتفاظ الدولة بأكثر من ثلث أسهمها في «جابان بوست»، وهي حصة تمنحها حق استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي تغييرات في إدارة الشركة. كما أعلنت الحكومة عزمها مضاعفة الحد المفروض على ودائع المدخرات ليصل إلى 20 مليون ين للعميل الواحد، بدلا من 10 ملايين ين، وهي خطوة يمكن أن تمتص مزيدا من الأموال من الاقتصاد الياباني. كما أثارت هذه الخطوة المخاوف من أن هذا الكيان الهائل التابع للدولة قد يشكل مصدر ضغط على نشاط المصارف الخاصة. من ناحيته، أعرب ساتورو ماتسوبارا، بروفسور السياسات الاقتصادية بجامعة طوكيو، عن اعتقاده بأن «عكس مسار جهود خصخصة النظام المصرفي البريدي يعني استمرار وجود تشوهات خطيرة في الاقتصاد الياباني. وستتمكن الدولة الآن من التخلص من السندات بإلقائها على كاهل جابان بوست، وسيشجع ذلك على أنماط متهورة من الإنفاق الحكومي». وأضاف: «وستعاني المصارف الخاصة من منافسة غير عادلة». إلا أن المناهضين للسوق داخل إدارة هاتوياما أشاروا إلى أن خصخصة «جابان بوست» من شأنها تقليص الخدمات المالية المتاحة في المناطق الريفية من اليابان. بالنسبة لسكان القرى النائية والجزر بالغة الضآلة، تشكل مكاتب البريد السبيل الوحيدة للحصول على خدمات مصرفية.

يذكر أن «جابان بوست» تدير شبكة مؤلفة من 24 ألف مكتب بريد بمختلف أرجاء البلاد يدعمها جيش من العاملين يبلغ قوامه 430 ألف شخص، يعمل بعضهم لجزء من الوقت، والآخر كل الوقت. في هذا الصدد، قال شيزوكا كامي، وزير القطاع المصرفي، الأربعاء: «مشاركة الحكومة ضرورية لضمان توفيرنا خدمات واسعة النطاق»، بينما شدد كازوهيرو هاراغوتشي، وزير الشؤون الداخلية، على أنه «سنتحلى بالحذر حيال عدم الضغط على القطاع العام».

وتتوقع الحكومة تمرير مشروع قانون لإصلاح النظام المصرفي البريدي عبر البرلمان في يونيو (حزيران) المقبل، وأن يجري اتخاذ التغييرات في أبريل (نيسان) 2012 تقريبا، حسبما أعلن كوهي أوتسوكا، نائب وزير الخدمات المالية. من ناحية أخرى، انتقدت مصارف خاصة الخطة الحكومية. في هذا السياق، قال كاتسونوري ناغايوسو، رئيس «مصرف طوكيو - ميتسوبيشي يو إف جيه» ورئيس «اتحاد الصيارفة اليابانيين»، الذي يمثل 124 مصرفا بمختلف أنحاء البلاد: «إذا استمر المصرف البريدي في العمل ككيان تابع للحكومة، لن تتوافر منافسة عادلة. كقاعدة أساسية، ينبغي أن تلتزم المؤسسات الحكومية بتكميل القطاع العام».

* خدمة «نيويورك تايمز»