حركة خارجية للمصارف اللبنانية تجاه الانتشار في المنطقة وأفريقيا

إطلاق وشيك لبنوك تابعة وفروع ومكاتب تمثيل

TT

تشهد حركة الانتشار الخارجي للمصارف اللبنانية صعودا لافتا، خلال الأسابيع المقبلة، مدفوعة بتنامي الأصول ونمو المؤشرات الأساسية بما يفوق حاجات الاقتصاد المحلي، وبرغبة المصارف في تنويع أسواقها وتوزيع محافظها الاستثمارية والائتمانية خارج ضغوط التصنيف السيادي المتدني نسبيا للبنان، بما يدعم جهودها لمواكبة المتطلبات الجديدة للجنة «بازل»، كما يدعم تنويع مصادر الدخل.

ورصدت «الشرق الأوسط» تنامي التوجه الاستراتيجي للمصارف صوب أسواق مجاورة وبعيدة، منها ما سبق لمصارف لبنانية أن دخلته، ومنها أسواق جديدة. مع ملاحظة الإفصاح عن بعض هذه الخطوات فيما الأغلب منها يتم بعيدا عن التداول، خصوصا في الأسواق التي تشهد استطلاعات ومفاوضات تنافسية للدخول أو شراء مصارف عاملة من قبل أكثر من مصرف. لكن الجامع بينها كلها أنها تتم بعلم البنك المركزي انطلاقا من الموافقة الشفهية المبدئية وحتى الموافقة النهائية، وذلك بوصفه الناظم المرجعي للقطاع داخل لبنان وخارجه.

ووفق هذا الرصد، تعكف مجموعة «بنك الاعتماد اللبناني» حاليا على إنجاز الترتيبات التقنية واللوجيستية لإطلاق مصرف مستقل تابع لها في السنغال، على أن يتم الافتتاح الرسمي في النصف الثاني من شهر أبريل (نيسان) المقبل. وذلك بعد حيازة رخصة من البنك المركزي لبلدان غرب أفريقيا تمنح المجموعة أو مصرفها التابع تأسيس بنوك وفروع في 8 بلدان أفريقية منضمة إلى سلطة نقدية واحدة. وسيحمل البنك الوليد اسم «بنك الاعتماد الدولي». وبموجب الرخصة يمكن له أو للبنك الأم التمدد كوحدات مستقلة أو فروع تابعة للدول المنضوية تحت البنك المركزي الموحد، التي تضم، إضافة إلى السنغال، ساحل العاج، مالي، بنين، بوركينا فاسو، غينيا بيساو، النيجر وتوغو.

وفي الوقت ذاته، يتوقع أن تعلن مجموعة «بنك عودة - سرادار» تفاصيل عملية تملك «درسدنر بنك - موناكو»، التي أبرمتها من خلال اتفاقية، قبل أسابيع، مع «كومرز بنك». وارتؤي وقتها عدم الإفصاح عن تفاصيلها قبل الحصول على المصادقات الرسمية من السلطات النقدية المعنية.

كما يستعد كل من «البنك اللبناني الكندي» و«بنك بيبلوس» للإعلان عن عمليتي تملك منفصلتين لمصرفين عاملين في الكونغو. فيما سبق للمساهم الرئيسي في «بنك بيبلوس» (عائلة باسيل) أن أعلن بيع حصة تقارب 8 في المائة من إجمالي الأسهم بمبلغ 100 مليون دولار لصالح مؤسسة التمويل الدولية ومنحها مقعدا في مجلس الإدارة، على أن تكتمل الإجراءات منتصف هذا العام بعد إتمام زيادة رأس مال البنك بمقدار 250 مليون دولار.

وحاز «بنك بيروت» موافقة مبدئية من مصرف لبنان على تأسيس فرع أو مكتب تمثيل في أستراليا يمكن أن يتبع مصرفه العامل في المملكة المتحدة، على غرار المصرف الذي تم إطلاقه، قبل أشهر في فرانكفورت (ألمانيا).

وفي خطوات تحضيرية، وجهت إدارة «إنتركونتيننتال بنك» في لبنان اهتمامها لحيازة رخصة تأسيس مصرف خاص في سورية برأسمال يناهز 220 مليون دولار، بعد تعزيز وجودها في السوق العراقية من خلال فرعين تابعين في بغداد وأربيل. وباشر بنك «لبنان والخليج» التحضير لتأسيس فرع تابع في بغداد. وتتواصل تحضيرات «جمال تراست بنك» لإرساء وجود مباشر في قبرص وفي منطقة غرب أفريقيا.

وفي السياق سبق لمجموعة بنك «سوسيتيه جنرال» في لبنان أن أعلنت تملك حصة الأغلبية في بنك «سوسيتيه جنرال - قبرص»، وهو مصرف كامل تتبع له 7 فروع في الجزيرة. كما أعلن «البنك اللبناني الفرنسي» فتح مكتب تمثيل في أبوظبي، بعد أشهر من إطلاقه بنك المشرق في سورية. وأعلنت مجموعة بنك «لبنان والمهجر» انطلاق شركة «بلوم» المالية الاستثمارية التابعة في السعودية.

وحققت المصارف اللبنانية، خلال السنوات الأخيرة، توسعات خارجية كثيفة ونوعية أعادت البريق للوجود الخارجي التاريخي. وتركز أغلب هذه التوسعات في الأسواق العربية المجاورة، حيث تشير أحدث المعطيات إلى أن 17 مصرفا لبنانيا تملك 220 وحدة وفرعا تابعا ومكتب تمثيل في 25 سوقا خارجية بينها 12 بلدا عربيا.

وتواكب المصارف، بشكل حثيث، الفرص الموجودة أو المرتقبة في أسواق المنطقة. وتسخر لهذه الغاية مزايا تنافسية نوعية تسهل الطريق أمامها لحيازة هذه الفرص. وهذا ما كرسته تجارب الوجود المصرفي اللبناني القوي في أسواق سورية والأردن ومصر، وبمستوى أقل في السودان والجزائر وليبيا، فضلا عن الوجود المباشر أو امتلاك شبكة علاقات المتميزة في دول مجلس التعاون الخليجي.

كما تستثمر المصارف ميزة إضافية ترتبط موضوعيا بالانتشار اللبناني الواسع في الخارج، حيث يضاهي عدد اللبنانيين المهاجرين أو العاملين في المنطقة والعالم أربعة أضعاف أعداد المقيمين، والجزء الأكبر منهم في القارتين الأفريقية والأميركية، فضلا عن الوجود القوي في أوروبا. وهذا ما يحفز بعض المصارف للحاق بهم إلى أسواقهم في أميركا الشمالية والجنوبية، كذلك الأمر في الأسواق الأوروبية، حيث يتركز الوجود المصرفي اللبناني المباشر في فرنسا وبريطانيا وسويسرا وحديثا ألمانيا. كما يمتد إلى أميركا وكندا والبرازيل وروسيا البيضاء وأوكرانيا والنمسا، مع ملاحظة وجود وحدات أو فروع لتسعة مصارف لبنانية في قبرص التي انضمت بدورها إلى الاتحاد الأوروبي.

ويدعم البنك المركزي سياسات انتشار البنوك اللبنانية خارج الحدود ضمن ضوابط وأهداف محددة لاكتساب مرونة إضافية في الالتزام بالمعايير المصرفية وفي مقدمها متطلبات «بازل 2»، وتوزيع الأنشطة والأعمال والمخاطر، لا سيما أن السوق المحلية لا يمكنها استيعاب الحجم المتنامي للقطاع المصرفي والذي تفوق أصوله الحالية، داخل لبنان وخارجه، نحو 3.5 ضعف الناتج المحلي.

ويقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في طليعة مشجعي مبادرات المصارف للتوسع الخارجي، ويواكبها خطوة بخطوة، وبالتفاصيل المملة أحيانا حرصا على سلامة التوجهات والاستثمارات، مؤكدا أنه «لكي تتمكن المصارف من التطور في بلد صغير كلبنان، وضع مصرف لبنان قواعد وأسسا لانتشارها الخارجي سواء عبر افتتاح فروع للمصارف أو التعاطي الائتماني مع الخارج، وهذا ما تلتزمه المصارف بدقة».

ويعتبر رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزيف طربيه، أنه «مع تنامي قوى وقدرات القطاع المصرفي اللبناني مضافا إليه الانتشار اللبناني الواسع في الخارج لجهة وجود جاليات مغتربة يفوق تعدادها أربعة أضعاف المقيمين، ونظرا لضيق السوق الداخلية عن استيعاب القدرات المتنامية للمصارف، جاء تطلع القطاع إلى الأسواق الخارجية، بحثا عن منافذ جديدة للعمل والاستثمار، ليشكل أحد الخيارات الاستراتيجية المتبعة، ويعزز الوجود الخارجي السابق، كما يحقق اختراقات نوعية وأكثر شمولا للأسواق الدولية، إضافة إلى تطوير البنية الإلكترونية وتحديثها بشكل مستمر وفق أرقى المواصفات العالمية، مما يتيح للبنوك اللبنانية فتح نوافذ افتراضية في كل أنحاء العالم».