خلافات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن حل الأزمة اليونانية عن طريق صندوق النقد الدولي

تدخل المنظمة الدولية يعتبر إهانة للكبرياء الأوروبي

TT

مع مواجهة اليونان لموعد نهائي مرتقب لإرجاء ديون على كاهلها بقيمة 27 مليار دولار، يجري نقاش حاد بين دول منطقة اليورو حول ما إذا كان يمكن دفع اليونان تحت رحمة صندوق النقد الدولي.

يدور جزء من الخلاف حول المال، لكنه يتعلق بالسياسة والكرامة الوطنية بدرجة أكبر، ويجري في ظل أزمة أخرى محتملة في البرتغال، التي خفضت ديونها الأربعاء الماضي.

حتى الآن، لم تستقر دول منطقة اليورو على آلية للتعامل مع مثل هذه النوعية من أزمات الديون، وفي خضم السعي وراء التوصل إلى هذه الآلية نشبت توترات بين ألمانيا وفرنسا، وبين المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء بها، بل وظهرت انقسامات سياسية داخلية في ألمانيا وفرنسا. الواضح أن نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي، بعدما تعرض لصفعة قوية من الناخبين في الانتخابات المحلية، لا يرغب أن يظهر خصمه المحتمل، دومينيك ستراوس كان، ذو التوجهات الاشتراكية ويشغل منصب المدير الإداري لصندوق النقد الدولي، بمظهر المنقذ الذي هرع لنجدة اليونان.

إلا أن رفض برلين إقرار حل أوروبي لأزمة اليونان لا يترك أمام باريس مجالا كبيرا للاختيار.

جدير بالذكر، أن تدخل صندوق النقد الدولي لإنقاذ اليونان يعد بمثابة إهانة للكبرياء الأوروبي، بالنظر إلى الدور المهم للولايات المتحدة في الصندوق. بيد أنه في الوقت ذاته، يبدي دافعو الضرائب الأوروبيون، وليس الألمان فحسب، ترددا حيال تقديم إعانة مالية لإنقاذ اليونانيين. كما أن فكرة بناء نسخة أوروبية من صندوق النقد الدولي تعد بالغة التعقيد، ولا يمكن إنجازها على أي حال في الوقت المناسب.

تأتي المناورات الحالية قبل انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي، الخميس المقبل، في بروكسل. ويرغب جورج إيه. باباندرو، رئيس الوزراء اليوناني، الذي يتخذ بالفعل إجراءات تقليص حادة في الموازنة في الداخل، في الخروج من هذه القمة بوعد أوروبي محدد بالمساعدة في الحصول على تمويل بمعدلات تقترب من تلك السائدة في السوق البالغة نحو 3%، بدلا من الـ6% أو أكثر التي تطالب بها الأسواق المالية.

من جانبها، ترغب ألمانيا، التي يساورها قلق عميق إزاء تحولها إلى الجهة المناط بها حل مشكلات الديون بجميع الاقتصاديات الأوروبية المهددة، أن تتكبد اليونان ثمن تبذيرها السابق، لكن حال عدم تلقيه وعدا قويا بتلقي مساعدة أوروبية، هدد باباندرو باللجوء إلى صندوق النقد الدولي، وجاء رد برلين على ذلك: «حسنا، فلتمض قدما».

من جانبها، تواجه أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، ضغوطا سياسية داخلية متصاعدة، واستبعدت إمكانية خروج هذه القمة بخطة أوروبية محددة بهذا الشأن، واكتفت بإعلان تعهدها بأن ألمانيا لن تسمح بأن تشهر اليونان إفلاسها. إلا أنها لمحت أيضا إلى ضرورة طرد الدول التي تنتهك القواعد المتبعة باستمرار من منطقة اليورو.

في الوقت الذي تدفع ميركل، بدعم من الهولنديين والإيطاليين، اليونان باتجاه صندوق النقد الدولي، يدعو الفرنسيون إلى ضرورة إقرار حل أوروبي للأزمة. في موقفها هذا، تلقى باريس دعما من جانب أبرز المسؤولين الأوروبيين: جوزيه مانويل باروزو، رئيس المفوضية الأوروبية، وجان كلود جنكر، رئيس مجموعة وزراء مالية دول منطقة اليورو، وعلى نحو أقل علانية، جان كلود تريشيه، رئيس المصرف المركزي الأوروبي، الذي صرح أن تدخل صندوق النقد الدولي أمر غير مناسب.

بيد أنه يكاد يكون من المستحيل التوصل إلى حل أوروبي من دون ألمانيا. ولذلك، تعمد فرنسا إلى التخفيف من حدة موقفها تجاه صندوق النقد الدولي. يذكر أن خلافا علنيا قد اشتعل بالفعل بين ألمانيا وفرنسا حول استراتيجياتهما الاقتصادية، ففي الوقت الذي حثت باريس برلين على زيادة استهلاكها المحلي لخدمة التضامن الأوروبي، انتقدت برلين باريس لوقوعها تحت وطأة قدر مفرط من الديون.

ترغب كل من أوروبا واليونان في أن تتمتع أثينا بوقت كافٍ لتحقيق تعديل مالي من دون الإضرار بالنمو الاقتصادي الواهن لديها، بحيث يتمكن القطاع الخاص من الاستمرار في تمويل الديون بمعدلات فائدة معتدلة، حسبما صرح محمد العريان، الرئيس التنفيذي لـ«بيمكو»، إحدى الشركات الاستثمارية الضخمة. وأضاف: أنه في ظل انقسام الأوروبيين حول ما ينبغي عمله، «تفقد الأسواق الوضوح، ويقع اليونانيون تحت الضغوط مجددا».

وأردف أن أكثر النتائج منطقية تتمثل في مشاركة صندوق النقد الدولي، مع اضطلاع دول منطقة اليورو بدور الممولين المساعدين. وقال: «سيتعين على الأوروبيين التغلب على كبريائهم واللجوء إلى جهة خارجية، وسيحتاجون إلى صندوق النقد الدولي كي يعمل كجهة تقييم أكثر موضوعية».

لكن حتى هذا الحل يحمل تداعيات سلبية محتملة، حسبما يرى بعض الخبراء. من هؤلاء فيليب وايت، خبير اقتصادي لدى «مركز الإصلاح الأوروبي» في لندن، الذي أعرب عن اعتقاده أن «الأموال الجاري الحديث عنها بالغة الضخامة، ولا أحد يدري على وجه التحديد حجم الفجوة التي يمكن لصندوق النقد الدولي سدها. تقديم 10 أو 11 مليار يورو سيشكل مساعدة كبيرة»، لكنها ستبقى بحاجة إلى تكملتها في صورة قرض أوروبي، ثنائي أو جماعي، خاصة في ظل حاجة اليونان إلى إرجاء 44 مليار دولار إضافية في وقت لاحق من هذا العام.

ومع ذلك، تبقى مسألة تدخل صندوق النقد الدولي «مؤلمة» بالنسبة للأوروبيين، الأمر الذي يعود جزء منه إلى اعتقادهم أن الصندوق يخضع علانية للهيمنة الأميركية، وأيضا لأنهم يرون أنه «حال عجزهم عن التوصل إلى حل أوروبي، فإن ذلك سيقوض مصداقية منطقة اليورو ككل»، حسبما قال وايت.

من ناحية أخرى، أكد كريستوف باربيير، رئيس تحرير إصدار «لاكسبريس» الفرنسي الأسبوعي، أن اللجوء لصندوق النقد الدولي سيبدو أمرا مذلا. وأضاف: «إن صندوق النقد الدولي قائم للتدخل في مناطق مثل الصومال أو موريتانيا، وليس أوروبا. وربما يتدخل في دول على أطراف أوروبا، مثل أيسلندا أو المجر، ليس هناك ما يضير في ذلك. لكن اليونان، إنها في منطقة اليورو! اليونان أم جميع الديمقراطيات الأوروبية. إنها مسألة كرامة وحضارات».

ونوه باربيير بأن الكرامة تعد واحدة من العوامل المهمة في السياسات الداخلية. ومع الصفعة التي تلقاها ساركوزي خلال الانتخابات المحلية واقتراب موعد انتخابات الرئاسة عام 2012، تجدد الاهتمام بستراوس كان.

والواضح أن القضايا المتداخلة ما بين اليونان والمشهد السياسي الفرنسي تنطوي على قدر كبير من الحساسية. من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم ستراوس كان، عبر رسالة إلكترونية، إن المدير الإداري لصندوق النقد الدولي مشغول للغاية بحيث يتعذر عقد مقابلات معه، وإنه أيضا «ليس لديه جديد ليضيفه إلى ما قاله بشأن اليونان»، وإن المسؤولين الآخرين في الصندوق مشغولون أيضا بدرجة تحول دون عقد لقاءات صحافية معهم.

ومن بين الأسباب وراء هذا الانشغال الشديد أن أي حل لمشكلات اليونان سيقر الأساس للحلول المحتملة لأزمات البرتغال وإسبانيا وإيطاليا، بالنظر إلى أنها جميعا تشارك بصور متباينة في مشكلات اليونان المتمثلة في تفاقم الديون وارتفاع الأجور وانخفاض كل من النمو والإنتاجية. لكن تبقى الأزمة اليونانية عصيبة على نحو خاص. على هذا الصعيد، شدد تشارلز كالوميريس، بروفسور التمويل في كلية كولومبيا لإدارة الأعمال، على أن «الوضع في اليونان عسير للغاية، وتطلب اليونان من كل من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي الإقدام على مخاطرة هائلة». واستطرد موضحا أن الإعفاء الذي تطلبه بالنسبة لمعدلات الفائدة سيشكل «إعانة مالية بقيمة عدة مليارات من اليورو لعامين، وهو أمر ليس بالضخم، وإنما مجرد إرجاء لتوفير مساحة لالتقاط الأنفاس»، فيما يخص الـ150 مليار دولار التي ستحتاجها على مدار عامين، وهذه الأموال يتحتم عليها سدادها.

إلا أن إنجاز ذلك بالنسبة لليونان سيتطلب إجراءات تقليص أكبر بكثير في الإنفاق عن المستوى الذي يجري التفكير بشأنه حاليا، والبالغ 25% على مدار 3 سنوات، إلا إذا حققت اليونان تقدما هائلا على صعيد الحد من التهرب الضريبي والفساد، وقلصت الاقتصاد الأسود.

ومن أجل الحفاظ على الأوضاع الاقتصادية، سيتعين على البرتغال وإسبانيا وإيطاليا تكبد ألم شديد. وعن ذلك، قال كالوميريس: «سيشكل اختبارا للدول الثلاث. وتتجلى المفارقة في أن الميثاق الرامي لتوحيد فرنسا وألمانيا هو الذي يثير الانقسام بينهما».

* خدمة «نيويورك تايمز»