السعودية توازن الحوار بين المنتجين والمستهلكين وتحافظ على استقرار سوق النفط

تأسيس أمانة عامة لمنتدى الطاقة في الرياض ساهمت في دفع عجلة التعاون بين الطرفين

TT

لطالما ظلت قضية أمن الطاقة في حالة مد وجزر ما بين المنتجين والمستهلكين لعقود طويلة، فالدول المنتجة تريد تأمين الطلب على إنتاجها من النفط حتى تتمكن من الاستمرار في ضخ مليارات الدولارات في تطوير هذه الصناعة، في الوقت الذي تصر الدول المستهلكة على ضرورة تأمين الإمدادات النفطية حتى لا يقع العالم في قبضة اختلال العرض، وهو ما كان يخلق فجوة في الثقة بين الجانبين امتدت لفترة ليست بالقصيرة.

السعودية، التي تنتهج استراتيجية الحوار الدائم بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط، توجت هذه الاستراتيجية بتأسيس الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في الرياض بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي دعا في كلمته التي ألقاها عندما كان وليا للعهد في افتتاح منتدى الطاقة الدولي السابع الذي عقد في الرياض في عام 2000، إلى إنشاء أمانة عامة دائمة للمنتدى، مبديا استعداد المملكة لاستضافة الأمانة العامة المقترحة، وفي 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 افتتح خادم الحرمين الشريفين مقر الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في بالرياض.

وتعتبر الخطوة السعودية هذه، استمرارا للدور الكبير الذي تقوم به في المحافظة على استقرار السوق واستمرار الإمدادات النفطية، من خلال ضمان آلية العرض والطلب وتوسعة قطاعات التجارة العالمية عبر تشجيع الحوار والتعاون وتبني مفهوم المصالح المشتركة بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط في العالم.

ويؤكد المدير العام لصندوق أوبك للتنمية الدولية (اوفيد) سليمان الحربش على أهمية المنتدى الدولي الـ12 للحوار حول الطاقة بين المنتجين والمستهلكين، الذي يختتم اليوم في كانكون المكسيكية، «لأنه سيعمل على دفع الحوار بين المنتجين والمستهلكين إلى حقبة جديدة تقوم على التفاهم والتعاون المشترك».

ويقول الحربش إن الاجتماع سينظر في جملة من المقترحات الهامة الهادفة إلى تعزيزه وتقويته بشكل يمكنه من أداء مهمته على نحو يلبي الفكرة الأساسية من مبادرة خادم الحرمين الشريفين، بحسب ما نقلته عنه «وكالة الأنباء الكويتية».

ونوه الحربش بمواقف دول مجلس التعاون الخليجي الست الداعمة لإنشاء المنتدى مبينا أنها من بين الدول الأوائل التي ساندت بقوة هذه المبادرة مشيرا إلى أن الهدف من إنشاء الأمانة العامة للمنتدى ومقرها الرياض هو أن تكون جسرا يمتد بين المؤتمرات التي تعقد كل عامين.

وأعرب عن اعتقاده بأن إنشاء مثل هذه الأمانة العامة للمنتدى الدولي للطاقة أزال أجواء التوتر والتشكيك التي كانت سائدة بين المنتجين والمستهلكين في سبعينات القرن الماضي. وأشار إلى وجود مصالح متبادلة بين المنتجين والمستهلكين فيما يتعلق بمجالات التصنيع وضمان أمن وإمدادات الطاقة.

وتابع الحربش قائلا «لقد أثبتنا كمنتجين من داخل أوبك وخارجها أنه عندما يتعلق الأمر بأمن الإمدادات فإننا كدول منتجة نقوم بواجباتنا على أفضل ما يكون موضحا أن المشكلات الجيوسياسية التي تحدث أحيانا هي التي تتسبب في إرباك الإمدادات والتأثير على السوق النفطية العالمية».

وردا على سؤال حول فوائد مثل هذا الحوار القائم بين المنتجين والمستهلكين قال الحربش إن هذا الحوار أتاح الفرصة لكلا الطرفين لتبادل المعلومات بشأن الاستثمارات البترولية اللازمة لبناء طاقات إنتاجية مستقبلية.

وأوضح أن الطاقة الإنتاجية في الصناعة البترولية ليست قرارا سهلا إذ يحتاج الاستثمار إلى فترة تتراوح من خمس إلى عشر سنوات لكي يؤتي ثماره وبالتالي فإن وجود مثل هذا المنتدى الدولي لتبادل الأفكار حول الخطط المستقبلية لصناعة الطاقة واستمرار الشفافية بين المنتجين والمستهلكين يؤدي إلى تعزيز أمن الطاقة.

ويهدف منتدى الطاقة الدولي، إلى ضمان الاستقرار والشفافية في أسواق الطاقة، تعزيز الآليات لتشجيع الاستثمار من خلال سلسلة القيمة، محاربة فقر الطاقة من حيث الأسباب والنتائج، إيجاد شراكات لتقليص تقلبات الأسعار، تحفيز الإبداع التكنولوجي، تعزيز التعاون بين الشركات الدولية والشركات الوطنية، العمل باتجاه التخلص من عوامل عدم اليقين بخصوص مستقبل إمدادات النفط. وقد تكثف الحوار بين البلدان المنتجة والمستهلكة منذ المنتدى الدولي الحادي عشر للطاقة الذي عقد على المستوى الوزاري.

ويمكن القول إن مشهد الطاقة العالمي تغير بصورة دراماتيكية منذ انعقاد المنتدى الدولي الحادي عشر للطاقة على المستوى الوزاري، حيث عملت تطورات الأسواق على دفع سعر النفط إلى مستوى غير مسبوق، حين اقترب سعر برميل النفط من 150 دولارا أميركيا في يوليو (تموز) من عام 2008، قبل أن يتراجع بشدة ليبلغ 40 دولارا في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2009. وقد أثر مزيج مكون من الأزمة المالية وتباطؤ الاقتصاد الكلي، في الطلب العالمي على الطاقة عموما، وعلى النفط بصفة خاصة.

وقد عقد الاجتماع الوزاري لوزراء الطاقة في جدة، حيث كان قد دعا إلى عقده خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتم عقده في 22 من يونيو (حزيران) 2008، إذ التقى وزراء الطاقة ومسؤولون تنفيذيون من هذه الصناعة لمناقشة وتحديد أسباب ونتائج التقلبات الحادة في أسعار النفط، واقتراح وسائل لتحسين العمل في أسواق النفط.

ثم اجتمع الوزراء والمسؤولون التنفيذيون مرة أخرى في لندن، حيث دعا إلى هذا الاجتماع رئيس وزراء المملكة المتحدة، غوردون براون، وجرى انعقاده في الـ19 من ديسمبر (كانون الأول) 2008، حين كان الاقتصاد العالمي قد بدأ للتو في مصارعة شبح النمو الأدنى، ومعايشة فترة الاضطراب المالي الشديد.

واستجابة من الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في اجتماعه الـ11، لمطالب الوزراء المشاركين فيه، صممت برنامج عملها لمعالجة قضايا الطاقة الرئيسية، كما حددها الوزراء، وذلك على النحو التالي : الحاجة إلى تقييم عوامل عدم اليقين، بما في ذلك تلك التي تؤثر في الإمدادات المستقبلية للنفط والغاز، وكذلك توقعات الطلب، وتحديد العوائق التي تقف في طريق الاستثمار، وتشجيع مزيد من التعاون والشراكة بين الشركات الوطنية والدولية. تشجيع مزيد من الشفافية من خلال المبادرة المشتركة لبيانات النفط، والعمل على التوصل إلى نتائج قوية للحوار، ودعم ريادة منتدى الطاقة الدولي في تشجيع الشفافية. ودعا الوزراء إلى مزيد من تطوير هذه الشفافية، بحيث تشمل مصادر طاقة أخرى مثل الغاز الطبيعي، إضافة إلى جمع وتوزيع بيانات سنوية حول خطط الاستثمار، والطاقة الإنتاجية، والمخزونات فوق وتحت الأرض.