تقرير دولي: المنافسة الاقتصادية تدفع بضرورة تحسين التعليم في دول الخليج

«بوز آند كومباني»: يجب إيجاد الحوافز في سوق التعليم وفتحه أمام الأفكار المتنافسة

احد فصول الدراسة في الخليج («الشرق الأوسط»)
TT

إذا كان هناك من شيء سيحدد قدرة الدول على المنافسة الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، فهو جودة أنظمتها التعليمية، وفي هذا الشأن دعا تقرير اقتصادي دول الخليج العربي إلى ضرورة أن تكون سوق التعليم هاجسا وطنيا، وتستطيع حكومات دول المجلس تحسين العائد من الاستثمار في التعليم لتمنح الفرد أدوات المنافسة على المستوى العالمي.

وقال التقرير الصادر من شركة «بوز آند كومباني» العالمية إن السباق القائم راهن على المواهب والقدرات الخلاقة، في الوقت الذي أشار فيه إلى أنه ليس المهم توفير التعليم للجميع فحسب، بل يجب أيضا التأكد من أن نوعية التعليم قادرة على منح الفرد أدوات المنافسة على المستوى العالمي.

وأشار التقرير الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن البلدان الناشئة كدول مجلس التعاون الخليجي التي عليها أن تقفز إلى مستويات تعليمية أعلى في العقود المقبلة، يجب أن تتحول نوعية التعليم فيها إلى هاجس وطني، وذلك بإيجاد الحوافز في سوق التعليم، وفتح هذا الحقل أمام الأفكار المتنافسة، لتستطيع حكومات دول المجلس تحسين العائد من الاستثمار في التعليم على مستوى المجلس ككل وتوليد حماسة حيال النظام التعليمي.

وقال الدكتور حاتم سمان، مدير وخبير اقتصادي في مركز الفكر التابع لـ«بوز آند كومباني» العالمية «يمكن القول بداية إن حث القطاع الخاص على التنافس في سوق التعليم يؤدي إلى التعويض عن نقص الطلب في التعليم الحكومي، من خلال زيادة عدد مقدمي خدمات التعليم ونوعيتهم».

وأضاف «الواقع أن المنافسة ستحسن نوعية التعليم، لا سيما حين تؤازرها قواعد وأنظمة تضعها الدولة تعزز دخول مؤسسات تعليمية مرموقة ذات تاريخ تربوي لامع».

وأضافت «بوز آند كومباني» في تقريرها أن نجاح البعض سيشجع الكثير من اللاعبين الجيدين على دخول سوق التعليم، مؤكدا أنه في ظل نظام العولمة وتزايد الأسواق الحرة، سيكون للمستثمرين العالميين دور حيوي في رسم معالم النظام التعليمي في دول مجلس التعاون الخليجي.

وذهب التقرير الذي عنون بـ«جعل جودة التعليم هاجسا وطنيا في دول مجلس التعاون الخليجي»، إلى أن ثمة حاجة لتسهيل الاستثمار في النظام التعليمي لدول مجلس التعاون الخليجي، من خلال جعل القواعد والأنظمة الخاصة بالتعليم أكثر مرونة.

وأكد سمان أن ذلك سيسهم في التنافس الذي ينتج في خفض الإنفاق الحكومي على التعليم، وهو في دول مجلس التعاون الخليجي يصنّف بين الأعلى في العالم، حيث بلغ إنفاق الكويت من المال العام على التعليم بين مرحلتي الابتدائي والجامعي عام 2006 ما متوسطه 47 ألف دولار تقريبا للتلميذ، مقارنة بـ27 ألفا في فنلندا في السنة نفسها، ونحو 8 آلاف في كوريا الجنوبية عام 2005.

وأضاف أنه في عمان والإمارات بلغ الإنفاق الحكومي الإجمالي على التعليم 31 و28 في المائة من مجمل الإنفاق العام عامي 2005 و2006 على التوالي، مقارنة بـ 12.6 في المائة في فنلندا عام 2006، و15.3 في المائة في سنغافورة عام 2008، علما بأن هذين البلدين هما من البلدان الرائدة في مجال التعليم.

وأكد المدير والخبير الاقتصادي في مركز الفكر أن التنافس يولد أفكارا تجديدية في طرق التعليم، تهدف إلى ضمان الأطراف المتنافسة بقاءها ونموها، وأن هذه العملية تستمر إلى ما لا نهاية محفزة نشوء أساليب مبتكرة لتحسين عوائد التعليم.

وضرب التقرير مثالا في أن تنافس المؤسسات التعليمية في الهند أدى إلى ابتكار برامج معلوماتية وأساليب تعليمية رائدة من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأسفرت هذه البرامج والأساليب عن خفض الكلفة الإجمالية للتعليم، وتحسين رواتب المدرسين عبر وفورات الحجم، وتوفير خدمات التعليم في مناطق ريفية لم تكن تصل إليها في السابق، وكل ذلك بالتزامن مع تحقيق أرباح جيدة.

وزاد أن قوى السوق ستحقق نتائج تشجع الحكومات على نقل المدارس ذات الأداء السيئ إلى القطاع الخاص بهدف تحسين عائدات الاستثمارات الحكومية في مجال التعليم، الأمر الذي سيشجعها أيضا على عقد الشراكات مع القطاع الخاص بهدف زيادة عدد المدارس ذات النوعية الجيدة وخفض الإنفاق الحكومي، وبذلك ستكون الحكومات قادرة أكثر على التركيز على توفير العناصر الضرورية لبيئة تعليمية سليمة، كالمكتبات العامة والمتاحف والمجمعات العلمية.

وأشار إلى أن وجود القطاع الخاص في التعليم شجع الحكومات على بذل المزيد من العناية بحاجات تدريب المدرسين، وبالحملات والبرامج الاجتماعية التي تركز على أهمية التعليم، مستهدفة الأهل والتلامذة معا، في إطار السعي إلى جعل التعليم هاجسا وطنيا.

ودعا التقرير إلى أنه من الضروري أن تؤمن الحكومات نمو التعليم وجودته وعدالته من خلال قواعد تنظيمية سليمة تسهل العمل على الذين يدخلون هذه السوق، وتقدم الدعم المالي لأفراد المجتمع المعسرين.

وفي هذا الصدد، قال سمان «إن التصدي لمسألة جودة التعليم ليس بالمهمة السهلة لأي دولة، إلا أن هناك أمثلة مشجعة من أنحاء العالم تعطي أملا بالنسبة إلى آفاق جودة التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي».

وأضاف أن «بلدانا كالهند والبرازيل، سعت إلى اعتماد مزيد من الحوافز للقطاع الخاص، فيما عمدت الحكومات في دول أخرى إلى الإمساك بزمام الأمور، كما فعلت سنغافورة. وفي كلتا الحالتين كان هاجس التعليم ماثلا في هذه الدول التي كانت قبل عقود تواجه تحديات تشبه إلى حد كبير التحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي».

وبين أنه في سنغافورة وصل هاجس التعليم إلى حد أن شعارا متعلقا به طُبع على إحدى فئات عملتها الورقية، مشيرا إلى أنه ليس المطلوب ربما من دول مجلس التعاون الذهاب إلى هذا الحد، غير أن خطوات رمزية كهذه تساعد في كسب قلوب وعقول المواطنين إلى جانب مسألة ستكون عاملا حاسما في مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي.