وزير الخزانة الأميركي السابق: كلنا في حاجة إلى استمرار النمو الاقتصادي الصيني لأن حالنا دونه سيكون أسوأ

المفكر فوكوياما يمثل «دور محامي الشيطان» ويحاور بولسون

فرانسيس فوكوياما و هنري بولسون
TT

في حوار مع المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما، تقمص فيه الأخير «دور محامي الشيطان»، أكد وزير الخزانة الأميركي السابق هنري بولسون أن استمرار النمو الاقتصادي الصيني في صالح الاقتصاد العالمي «فلو لم يحدث ذلك، لكان الحال أسوأ حاليا»، حسب تعبيره. وقد ركز الحوار على الصين وسياساتها الاقتصادية وكيفية تعامل أميركا مع الصين، خاصة في موضوع عملتها المحلية (اليوان). وقد أكد بولسون في حواره مع فوكوياما، صاحب النظرية الشهيرة والمثيرة «نهاية التاريخ»، أن «السياسة الحمائية مع الصين لن تحل مشكل أميركا».. إلى نص الحوار:

أتيحَ لك تعرُّف القيادة الصينية عندما كنت في «غولدمان ساكس»، قبل أن تصبح وزيرا للخزانة، ولكن، حتى خلال هذه الفترة التي قمت فيها بعشرات الرحلات إلى الصين، أعرب الكثير من المراقبين عن مخاوف بشأن أثر الاختلالات الهيكلية الكبرى على الاقتصاد العالمي: مدخرات كبيرة جدا داخل الصين، ودين كبير للغاية داخل الولايات المتحدة، وتدفق الكثير من الأموال الأجنبية العائدة إلى المنظومة المالية والمصرفية الأميركية بصورة يُحتمل أن تكون شجعت على المخاطرة المبالغ فيها، وأسهمت في فقاعة العقارات. بالنظر إلى الوراء، إلى أي مدى تحمل هذه الاختلالات المسؤولية عن الأزمة المالية التي وقعت خلال النصف الثاني من عام 2008؟

هنري بولسون: في رأيي، يرجع جزء كبير من الاختلالات إلى ميلنا، دولة وأفرادا، داخل الولايات المتحدة إلى عدم الادخار، وميلنا إلى الاقتراض بصورة مبالغ فيها. وقد أسهمت بعض السياسات في ذلك، مثل قانون الضرائب الذي يفرض ضرائب على المدخرات ورأس المال ويشجع على الاستهلاك، علاوة على سياساتنا الخاصة بقطاع الإسكان التي حفزت سوق الإسكان من خلال «فاني ماي» و«فريدي ماك»، وبرامج إدارة الإسكان الفيدرالية، وقانون الضرائب، ووسائل أخرى أسهمت في تضخم أسعار الأصول. وفي المقابل، لدى عدد من الدول، ومنها الصين طبعا، معدلات الادخار أعلى، ويلعب الاستهلاك المحلي دورا أصغر في اقتصاداتها. وعندما أصبحت وزيرا للخزانة، قمنا بتأسيس «الحوار الاقتصادي الاستراتيجي» ليعالج علاقتنا الاقتصادية مع الصين. ومن خلال «الحوار الاقتصادي الاستراتيجي» بحثنا عن وسائل عملية للتعامل مع الاختلالات الاقتصادية. وتضمن ذلك قضية العملة، لأن التحرك تجاه عملة تحركها السوق سيسرع من تقدم الإصلاح ويساعد على تحول الصين إلى مستويات أعلى من الاستهلاك الداخلي وإنتاج سلع وتقديم خدمات ذات قيمة مضافة أعلى بعيدا على الاعتماد المبالغ فيه على الصادرات ذات التكلفة الأقل والقيمة المضافة الأقل.

ولكني دعوت أيضا إلى إصلاحات في أسواق المال، وفتح أسواق المال الخاصة بهم للمزيد من المنافسة. ولا يرجع السبب في ذلك إلى سعي لتقديم خدمة للمصرفيين، ولكن بسبب اعتقادي في أن سوق المال المحلية القوية سوف تساعد الصين على التعامل مع التحولات الهيكلية التي يريدون تحقيقها. ومن الأمثلة التي استخدمتها أكثر من مرة هو أنه داخل الصين حصل الأفراد الذين لديهم مدخرات في صورة ودائع مصرفية على معدلات فائدة منخفضة للغاية، أقل كثيرا من معدلات التضخم. وبسبب أسواق المال التي تعوزها الكفاءة، كانوا، من الناحية الفعلية، يدفعون مقابل الادخار أو غير قادرين على الحصول على أي عائد مناسب على مدخراتهم. وبالطبع، أدّت برامج التقاعد الحكومية غير المناسبة وغيرها من شبكات الأمان إلى مستويات أعلى من المدخرات الاحترازية. وركزنا أيضا على مستويات مرتفعة جدا من المدخرات المؤسساتية داخل الصين، ولا سيما في الشركات المملوكة للدولة. ولذا، نعم كنت واعيا للاختلالات.

فوكوياما: تحدثنا مرارا وتكرارا وبلا جدوى عن التحرير الذي ذكرته حالا، وبالطبع عن إعادة النظر في قيمة الرنمينبي (العملة الصينية). وكانت النتائج غير جيدة، أليس كذلك؟

بولسون: بلى، كانت كذلك. عندما كنت وزيرا للخزانة، رأينا حركة هامة في الرنمينبي. ويظهر ذلك، فيما أعتقد، أن الطريق الصحيح للتعامل مع الصينيين بصورة مباشرة وفي السر، مع الاعتراف أنهم وضعوا أولوية كبرى على التنمية الاقتصادية والإصلاح. ونحتاج إلى الاستمرار في الترويج للإصلاح الذي يحتوي على أبعاد كثيرة. ويوجد الكثير من التأكيد على العملة، لأنه من السهل على المواطنين فهم ذلك. ولكن، تمثل قضية العملة عاملا واحدا ضمن عوامل هامة. وما زلت أعتقد أنه في صالح الصين، وفي صالحنا، أن تستمر في تحول كامل لاقتصاد السوق. ونحتاج إلى الترويج باستمرار وبقوة للأسباب التي تجعل ذلك في صالح الصين، مع تجنب الاتهامات وتوبيخهم علنا.

فوكوياما: اسمح لي أن أقوم بتمثيل دور محامي الشيطان في ما يتعلق بهذا. يبدو بالنسبة لي أنه لم يتحلَّ أي صانع سياسيات أميركي بالحزم معهم. ومن الوسائل التي ينظر بها إلى سياسة العملة الصينية تشبيهها بأحد أنماط السياسة الصناعية. ولكن، على عكس الكوريين واليابانيين، لا يقوم الصينيون بدعم قطاع محدد مثل البتروكيماويات. إنهم يعطون منطقة التصنيع الساحلية بالكامل ميزة كبرى على باقي العام عن طريق المحافظة على ربط عملتهم بالدولار بالقيمة الحالية المنخفضة. وإذا كان ذلك يضرنا، فإنه قطعا يدمر الأوروبيين وكل شخص آخر داخل آسيا. وبصورة ما تقوم الصين بالقضاء على التصنيع داخل الكثير من المناطق الأخرى في العالم. لقد ذهبت إلى مصانع السلع التصديرية داخل أميركا اللاتينية منذ انتهاء اتفاقية الألياف الدقيقة ورأيت بنفسي كيف أن مقتدرات التصنيع تترك هذه الدول النامية وتذهب إلى الصين.

إذا كان المرء سوف ينظر إلى دعم الصين للصادرات من خلال سياسات العملة الخاصة بها على أنه لا يختلف نظريا من دعم مباشر إلى قطاعي التصدير والصادرات، فإن الطريقة الوحيدة للتعامل مع ذلك ستكون من خلال فرض تعريفة أو غير ذلك من العقوبات. وقد يؤدي ذلك إلى سلسلة من التهديدات والتهديدات المضادة، ولكن في النهاية سيكشف عن حافز لتغيير سياساتهم. وقد يمكن قياس ذلك على اتفاقات «بلازا» مع اليابان في الثمانينات، عندما كدس اليابانيون بنفس الصورة اختلالا كبيرا. وافقوا على إعادة تقييم الين لأن اليابان كانت حليفا للولايات المتحدة ولأن اليابانيين كانوا يشعرون بالخوف من أثار عكسية حمائية. ولكننا تعاملنا مع الصين، وهي ليست حليفا واختلالاتها أكبر مما كان لدى اليابان بحذر شديد. ما السبب في ذلك؟

بولسون: سمعت هذه الآراء وأفهمها، ولكني لا أعتقد أن التعريفات أو السياسة الحمائية هي الرد المناسب. ويوجد بالطبع عدد من الدول في العالم ليس لديها عملات يحددها السوق، ولكن الشيء غير العادي هنا هو وجود اقتصاد هام وكبير ومتشابك مع النظام الاقتصادي العالمي من ناحية البضائع والخدمات ولكن ليس لديه حتى الآن عملة يحددها السوق ولا نظام مالي منفتح.

وعليه، من المهم بالنسبة إلى الصين أن تتحرك بسرعة أكبر تجاه عملة يحدد قيمتها السوق، وهو هدفها المعلن. ولكن، لا يجب أن تكون هذه مهمة الولايات المتحدة وحدها. وعلى سبيل المثال، هناك دور هامّ يتعين على صندوق النقد الدولي القيام به، وكذا الشركاء التجاريون الآخرون. ومرة أخرى، توجد أهمية لعوامل أخرى غير العملة. تظهر صورة معقدة. وأعتقد أن الصين ملتزمة بالإصلاح، ومن صالحهم الاستمرار في تحريك العملة. نحتاج إلى التشجيع على تسريع هذه العملية من خلال العمل على معالجة الاختلالات التي لدينا.

* فوكوياما:

اسمح لي بسؤالك عن الاستجابة الصينية للأزمة. في الوقت الحالي، يثني الجميع على الصينيين بسبب حزم التحفيز الاقتصادي الكبرى، ولأنهم عانوا لربع عام أو نحو ذلك وحسب (شهد الربع الأخير نموا تبلغ نسبته 10 في المائة تقريبا من جديد)، ومن الواضح أنهم يشعرون بالسرور بسبب هذه النتيجة. ولكن يبدو لي أن استجابتهم للأزمة كانت من خلال القيام بالمزيد مما يقومون به عادة، من خلال تعويض الطلب الخارجي المفقود من خلال إنفاق ضخم على مشروعات البنية التحتية التي تعود نفع كبير على المصنعين الساحليين في مقابل السكان المستهلكين داخل المناطق الريفية. هل تعتقد أن ذلك شيء مستدام؟

بولسون: أولا وقبل أي شيء، من ناحية استجابتهم، أعتقد أنه من الفوائد التي نحصل عليها من «الحوار الاقتصادي الاستراتيجي» أن كان لدينا تواصل نشط وعلاقة تعتمد على الثقة، وعليه، كان الصينيون بنائين وداعمين نوعا ما عندما كنا نمر بالأزمة. وكنا نتحدث معهم بصورة دورية، وعاد ذلك بالنفع على كلتا الدولتين.

ثانيا، كنا جميعا في حاجة إلى استمرار النمو الاقتصادي الصيني، فلو لم يحدث ذلك، لكان الحال أسوأ حاليا. وأقدّر حِزَم التحفيز الاقتصادي التي طبقها الصينيون. وأعتقد أن الإجراء الأهم كان زيادة الإقراض المصرفي بأكثر من تريليون دولار. ستظهر لا شك تداعيات لذلك، البعض منها غير جذاب، ولكني أعتقد أن ذلك كان إيجابيا.

وأؤمن أيضا أن الصينيين يفهمون أنه لا يزال هناك الكثير للقيام به. وداخل عدد من الدول في العالم تزداد الفجوة بين قمة وقاعدة السلم الاقتصادي، وهذا شيء يقلق الصينيين بشأن دولتهم. وأعتقد أن التزامهم بالإصلاح يتضمن العثور على وسائل لتوزيع الثروة على نطاق أوسع. ومن وسائل تحقيق ذلك تشجيع زيادة في الاستهلاك المحلي مع اعتماد أقل على الصادرات من أجل تحقيق النمو.

وسوف يستغرق ذلك وقتا، ولكن مرة أخرى، الاختلالات مشتركة ولا يمكن أن نغض الطرف عن ولعنا بالإنفاق المبالغ فيه والاستهلاك المبالغ فيه والاقتراض المبالغ فيه. سنستمر، ويجب علينا ذلك، في التواصل مع الصينيين، ولكن لدينا مسؤوليات هامة علينا أن نتعامل معها. ولن يتحقق أي نفع بالتهاون مع هذه المسؤوليات والتركيز بصورة مبالغ فيها على الصين.

* مجلة «أميركان إنتريست» توزيع «غلوبال فيوبوينت/تريبيون»