أميركا «تؤجل» الصدام مع بكين وترجئ تقريرا بشأن اعتبار الصين متلاعبة بعملتها المحلية

تقديمه منتصف الشهر كان سيتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الصيني لواشنطن

TT

أعلنت الإدارة الأميركية، أول من أمس، تأجيل القرار بشأن اعتبار الصين متلاعبة بالعملة، لكنها تعهدت بالضغط على القادة الصينيين بشأن القضية ذات الدوافع السياسية بتقييم سعر عملتها خلال الاجتماعات التي ستعقد بين الجانبين في يونيو (حزيران) القادم.

وتهدف وزارة الخزانة من وراء هذا الإعلان إلى طمأنة كل من الكونغرس والصين. حيث تلمح للصين برغبة الإدارة في حل النزاع بصورة دبلوماسية، بدلا من فرض حل بعينه، والتأكيد على ضرورة تغيير سياسة الصين، وهو ما أيده الكثير من المشرعين الأميركيين في الحزبين كليهما. وقال تيموثي غيتنر، وزير المالية الأميركي، في بيانه: «إن سعر الصرف الصيني غير المرن ألقى بصعوبات أمام قدرة الأسواق الناشئة على رفع أسعار عملاتها. في الوقت الذي يسهم فيه ربط الصين لسعر الصرف بحسب العرض والطلب، في إعادة التوازن العالمي بصورة أساسية».

وأشار غيتنر في تصريحه إلى أنه قرر إرجاء تقديم التقرير نصف السنوي بشأن سعر الصرف إلى الكونغرس، الذي كان من المتوقع تقديمه في منتصف شهر أبريل (نيسان) الحالي، والذي أعرب الكثير من أعضاء الكونغرس عن أملهم في أن يشير إلى الصين كمتلاعب بالعملة. لكنه أوضح أن الولايات المتحدة تعتقد أن الصين خفضت من قيمة عملتها، الرنمبي، بصورة متكلفة. حيث سمحت برفع قيمة الرنمبي بين عامي 2005 و2008، لكنها عاودت تثبيت سعر صرف عملتها لتعزيز اقتصادها القائم على الصادرات خلال الأزمة المالية العالمية. وأضاف غيتنر: «استمرار تثبيت سعر العملة الذي انتهجته الصين تطلب ضخ كميات كبيرة من النقد».

وتعهد غيتنر بإثارة القضية خلال سلسلة المنتديات، كاجتماع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في دول مجموعة العشرين أواخر هذا الشهر، وكذلك الحوار الاقتصادي بين الدولتين في الصين في مايو (أيار) القادم، وكذلك اجتماع قادة دول ووزراء مالية دول مجموعة العشرين في يونيو من العام الحالي. وأشار غيتنر إلى أن هذه اللقاءات تمثل «أفضل السبل لتعزيز مصالح الولايات المتحدة في هذا الوقت».

وكانت التوترات بين البلدين قد خفت حدتها مع إعلان الصين يوم الخميس حضور الرئيس هو جينتاو مؤتمر الأمن النووي في واشنطن الشهر الحالي.

ويعتقد الكثير من الاقتصاديين أن الرنمبي أدنى من قيمته الحقيقية في الوقت الراهن بأكثر من 40%. فيما توقع البعض أن تواصل الصين سياستها الخاصة بتعديل قيمة الرنمبي، إذ يعطي تأجيل تقرير الإدارة فرصة للصينيين للقيام بذلك. فيرى نيكولاس لاردي، زميل بارز في معهد بيترسون للاقتصادات الدولية، والخبير في الاقتصاد الصيني، أن التأخير كان خطوة عقلانية بالنظر إلى الخطوات الأخيرة التي انتهجتها الصين تجاه الأولويات الأميركية الأخرى مثل العقوبات ضد إيران والضغط على كوريا الشمالية بشأن برنامجها النووي، وقال: «إرجاء التقرير بشأن العملة ثمن صغير تدفعه الحكومة لما حصلنا عليه حتى الآن». وأشار إلى أن البيان يعكس «رغبة الإدارة في التعامل مع هذه القضية على أسس متعددة الأطراف، بدلا من التعامل معها على أساس ثنائي».

يُذكر أن الولايات المتحدة لم توجه اتهامات إلى الصين بالتلاعب بالعملة منذ عام 1994، فعلى مدار الإدارات السابقة حاول المسؤولون الأميركيون إقناع الصين بأن السماح برفع قيمة الرنمبي سيحفز الطلب الداخلي ويخفض الاعتماد على الصادرات. كما سيعمل رفع قيمة الرنمبي على تحفيز المدخرات الخاصة في الولايات المتحدة، عبر جعل الواردات أكثر تكلفة والصادرات أقل تكلفة.

وتدور مناقشات داخل الحكومة الصينية حول القضية في الوقت الراهن، فأشار البنك المركزي إلى خطوات لرفع تدريجي لقيمة العملة، لكن وزارة التجارة التي تمثل المصنعين والمصدرين في الصين دافعت من أجل تثبيت سعر الصرف.

وكان 130 نائبا في الكونغرس قد حثوا الرئيس أوباما على فرض تعريفات وإجراءات عقابية أخرى على الصين، ردا على خفض قيمة الرنمبي. واقترحت مجموعة من نواب مجلس الشيوخ تشريعا يهدد الصين بعقوبات تجارية في حالة عدم الرضوخ للمطالب الأميركية. وقد حظي المقترحان كلاهما بتأييد من الحزبين كليهما.

وقد لقي تأجيل التقرير انتقادات من بعض النواب من أمثال السيناتور تشارلز غريزلي، أبرز النواب الجمهوريين في لجنة المالية، حيث قال: «الكل يعلم أن الصين تتلاعب بقيمة عملتها للحصول على مكاسب غير عادلة في التجارة الدولية. وإذا ما أردنا أن تتعامل الصين معنا بنوع من الجدية، فيجب أن تتوافر لدينا الرغبة للإعلان عن ذلك».

بيد أن مشرعا بارزا آخر، هو النائب ساندر ليفن، رئيس لجنة الطرق والوسائل بمجلس النواب، أقر نهج وزارة الخزانة، مشيرا إلى أن «إرجاء تقديم التقرير إنما هو لفترة محدودة ولهدف محدد. لكن إذا لم تنجح الجهود الدولية في إرغام الصين على القيام بتغيرات واضحة، فلن يكون أمام الإدارة والكونغرس خيار سوى اتخاذ الإجراء المناسب».

وبالمثل أبدى ليو غيرارد، رئيس اتحاد عمال صناعة الصلب، أحد أكبر اتحادات التصنيع ارتياحا لموقف وزارة الخزانة، موضحا: «أن هذه تصريحات إيجابية جدا. فلدينا إشارة تتحدث أخيرا عن هذه القضية وأنا لست مستاء من التأجيل إذا ما كان يسير في الاتجاه الصحيح والتغيير في أميركا».

* خدمة «نيويورك تايمز»