السعودية: المجلس الاقتصادي الأعلى يناقش أزمة الحديد

أنباء متداولة عن محاولة لإيجاد حلول لتخفيف آثارها.. ومستثمرون يرجعون الأزمة إلى فرق السعر

الفرق بين سعر حديد «سابك» وأسعار الحديد من المصانع الأخرى دفع إلى إحداث ما يسمى بـ«أزمة الحديد» («الشرق الأوسط»)
TT

كشفت مصادر مطلعة عن اهتمام حكومي بملف تصاعد أسعار الحديد، وسط أنباء عن بحث المجلس الاقتصادي الأعلى في السعودية خلال الفترة المقبلة قضية أزمة الحديد في السوق المحلية وما تعيشه من تطورات وتداعيات.

وأشارت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه من بين المقترحات لمعالجة الأزمة تحمل الحكومة الرسوم الجمركية والتي تبلغ 5 في المائة، إضافة إلى إمكانية السماح لمقاولي المشاريع الحكومية باستيراد الحديد من الخارج.

وتحفظ سعود الصالح، الأمين العام للمجلس الاقتصادي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» حول المعلومات الواردة باجتماع المجلس الاقتصادي حول أزمة الحديد، واكتفى بالقول «إن المجلس في اجتماعات مستمرة لدراسة كل القضايا».

وتمر سوق الحديد في المملكة بأزمة في العرض والطلب خلال الفترة الحالية، وذلك وسط تأكيدات من متعاملين أن الأزمة تسبب فيها فرق السعر ما بين أسعار الحديد المنتج من قبل الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك»، والحديد المنتج من قبل المصانع الأخرى.

وبحسب المتعاملين فإن الفرق بين سعر حديد «سابك» وأسعار الحديد من المصانع الأخرى يصل إلى 800 ريال (213 دولارا)، مشيرين إلى أن ذلك الفرق دفع إلى إحداث ما يسمى بـ«أزمة الحديد».

وأفاد عدد من موزعي الحديد في السعودية بأنهم على تواصل مع شركة «سابك» ووزارة التجارة والصناعة منذ بداية الأزمة، وأنهم حذروا من عدم جواز وجود هذه الفجوة السعرية الكبيرة، وأن الاستمرار فيها سيؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، وأنهم وضحوا للمسؤولين في شركة «سابك» والوزارة أن الحل الوحيد الممكن هو أن ترفع شركة «سابك» أسعارها تماشيا مع الأسعار العالمية التي فرضتها ارتفاعات أسعار المواد الخام، وأن على «سابك» أن تتماشى مع قواعد السوق الأساسية للاقتصاد الحر وقانون العرض والطلب.

وأكد فوزان محمد الفوزان، مدير المنطقة الوسطى في شركة «الفوزان»، أن الطاقات الإنتاجية التصميمية للمصانع المحلية لمنتج حديد التسليح تبلغ 7.25 مليون طن للعام الحالي 2010، في حين يبلغ حجم الاستهلاك المتوقع لهذا العام بحدود 6.25 مليون طن.

وأضاف أن الطاقات الإنتاجية الفعلية لا تقل عن 85 في المائة من الطاقات التصميمية، وهذا يعني أن الإنتاج الفعلي يعادل حاجة السوق بالحد الأدنى، وأفاد بأن ما أطلق عليها «أزمة الحديد» تبدو في ظاهرها نقصا في الحديد بينما هي عكس ذلك.

وأشار الفوزان إلى أن غالبية من أدلوا بدلوهم في هذا الموضوع جانبوا الحقيقة في أغلبها، بسبب عدم إدراكهم لأبعاد المشكلة، والتي تتمثل في فارق السعر بين حديد «سابك» وحديد المصانع الأخرى.

من جانبه، قال علي الدحيم الشتوي، من منسوبي شركة «الراجحي» للصناعة والتجارة، إن شركة «سابك» تنتج 3.2 مليون طن من حديد التسليح سنويا، بينما تنتج بقية المصانع الأخرى 4.05 مليون طن سنويا، مؤكدا أن حديد «سابك» يغطي حاجة السوق بحدود تقارب 50 في المائة من حجم الاستهلاك الكلي، بينما تقوم بقية المصانع بتغطية الباقي.

وأشار إلى أن الطاقات الإنتاجية الحالية تكفي حجم الطلب، وأنها مرشحة للزيادة خلال السنوات الثلاث القادمة، ويتوقع أن يصل حجم الإنتاج المحلي إلى 12.1 مليون طن سنويا في عام 2013، بينما لن يزيد حجم الاستهلاك عن 8 ملايين طن في العام نفسه، مؤكدا أن المملكة ستشهد فائضا في الإنتاج سيؤدي إلى استقرار السوق أكثر بحكم شدة المنافسة التي يتوقع أن تؤدي إلى تقليص الهوامش الربحية للمصانع والتجار على حد سواء.

وفي الشأن نفسه، أوضح المهندس رائد إبراهيم المديهيم من شركة «المهيدب» لمواد البناء، أن كلمة أزمة تعبر عن نقص في الحديد، وهذا التعبير ليس سليما ولا دقيقا في ظل كفاية الإنتاج المحلي، موضحا أن الحديث بشفافية يقتضي التوضيح أن سبب ما حدث ويحدث هو أن أسعار المواد الخام الداخلة في إنتاج حديد التسليح كخام الحديد، وخردة الحديد، وكتل الحديد الصلب، بدأت بالارتفاع من بداية شهر فبراير (شباط) 2010، وتوالت ارتفاعاتها وما زالت حتى اللحظة.

ولفت إلى أن ما حدث من تجاوب شركة «سابك» جزئيا مع معدلات ارتفاع الأسعار العالمية من خلال رفع السعر 100 ريال (26 دولارا)، مع بداية شهر مارس (آذار)، لم يكن كافيا حتى لمقاربة الأسعار الجديدة، فبالنتيجة أبقت شركة «سابك» على سعر بيع حديد التسليح دون الأسعار العالمية، بينما اضطرت المصانع الأخرى لرفع أسعارها بما يتماشى مع ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وبالتالي تكلفة الإنتاج.

وأضاف المديهيم أن إبقاء «سابك» على أسعار بيعها أقل مستويات الأسعار العالمية أخل بالقوانين الأساسية التي تحكم الاقتصاد الحر والأسواق الحرة، مما أدى إلى خلق فجوة سعرية قاربت 800 ريال (213 دولارا)، بين أسعار منتجات حديد «سابك» وأسعار المنتجات المحلية الأخرى، وهذا الوضع لم يكن سليما تحت أي ظرف، مشيرا إلى أن ذلك أدى إلى توجيه كامل الطلب المحلي باتجاه منتجات «سابك» حصرا دون غيرها بسبب فرق السعر.

وأكد المديهيم أنه من الطبيعي أن إنتاج «سابك» لن ولم يلبي طلبات الجميع، كونه لا يكفي سوى 50 في المائة من حجم الطلب الكلي، مضيفا أن هذه الفجوة السعرية ما كان يجب أن تكون لأي سبب كان، لأنها بدورها خلقت سوقا سوداء وممارسات خاطئة قام بها البعض من خلال تخزين متعمد، ومحاولات لشراء الذمم، بل بلغت ببعض المواطنين والمقيمين على خط إعادة المتاجرة للاستفادة من فروقات الأسعار بالسوق السوداء.

من جهته، قال علي الدخيل من شركة «الراشد» لمواد البناء، إن قانون العرض والطلب الذي يحكم الأسواق العالمية، والسوق المحلية تاريخيا، كان دائما هو الضامن الوحيد فقط لخلق التوازن وتحقيق العدالة لكل من المصنع، التاجر، والمواطن على حد سواء، وإن خرق هذا القانون ولو بنية حسنة لا بد أن يخلق ظواهر غير طبيعية، مثل ما يشهده سوق الحديد من سوق سوداء وممارسات خاطئة ستؤدي حتما للتأثير سلبا على توازن السوق خصوصا، وبالتالي الإضرار بالاقتصاد عموما.

وأضاف «الدخيل» أن أسعار حديد «سابك» كانت دوما هي الأعلى وتتميز بفارق سعري لا يقل عن 50 ريالا إلى 100 ريال عن أي منتجات أخرى، كما كانت شركة «سابك» تتصرف بموجب قانون العرض والطلب برفع أو خفض أسعارها اعتمادا على متغيرات الأسعار العالمية، وبذلك كانت تواكب المتغيرات وفق أساسيات الاقتصاد الحر، وكانت المصانع الأخرى تحذو حذوها فتتصرف بالطريقة نفسها، وكان هذا الوضع يخلق دوما توازنا تاريخيا مشهودا في السوق السعودية.

وأشار المتعاملون إلى أنه حتى لا يساء الفهم لا بد من التوضيح أن طلبهم رفع أسعار «سابك»، يعني أنهم سيشترون الحديد من «سابك» بأسعار أعلى مما هي عليه الآن، وأنه في كل الأحوال فإن جميع موزعي «سابك» ملزمون بالبيع ضمن هامش ربحي مقطوع وثابت، وبالتالي فإن رفع السعر سيتطلب تمويلا أعلى من موزعي «سابك» مع ثبات الهامش الربحي، وأن موزعي «سابك» اقترحوا ذلك مجتمعين بغرض حماية الوطن والمواطنين من المتلاعبين بالسوق السوداء ولو على حساب مصالحهم التجارية.