السعودية تجدد التزامها باستقرار أسواق النفط وتؤكد ظهور «تحديات» جديدة فيها

«شل» تتوقع نمو الطلب العالمي على الغاز 50% بحلول 2030

امرأة تجري مكالمة عبر هاتفها الجوال جنب لوحة لجناح شركة «شل» في المعرض الدولي الـخامس عشر للنفط والغاز في العاصمة الإيرانية طهران (رويترز)
TT

لم يحالف الحظ منظمي مؤتمر ما يسمى «قمة النفط» الحادية عشرة التي التأمت أمس في باريس. فمشكلات الطيران المتأتية عن الرماد البركاني أثرت على الحضور، فتخلف وزراء ومسؤولون ورؤساء شركات وخبراء بينهم وزير النفط القطري عبد الله بن حمد العطية ونظيره الإماراتي محمد الحاملي وأمين عام الـ«أوبك» عبد الله البدري وآخرون.

وعلى الرغم من هذا الغياب فإن مؤتمر باريس السنوي سعى إلى الإحاطة بالمسائل الجديدة - القديمة التي تلم بالسوق النفطية وأولها الأسعار المتحركة صعودا وهبوطا والعلاقات بين الدول المنتجة والدول المستهلكة وبروز أقطاب استهلاكية جديدة هي الاقتصادات الناشئة ومساعي المنتجين للتأقلم معها فضلا عن مشكلات الاستثمار والطاقة المتجددة وخلافها.

ولم يحضر من دول الخليج سوى الدكتور إبراهيم المهنا، مستشار وزير النفط السعودي الذي تناول في الكلمة التي ألقاها التحديات «الجديدة» التي تطرحها السوق النفطية التي وصفها بأنها تتميز بـ«الدينامية» أكانت إلى صعود أو هبوط بسبب النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة والضرورات البيئية، مركزا على أربعة منها، وأولى التحديات قيام مراكز استهلاك جديدة للطاقة كان من نتائجها تغير «هيئة» السوق النفطية التقليدية التي كنا نعرفها في الثمانينات مثلا مع بروز بلدان مثل الصين والهند والاقتصادات الناشئة وضمور أوروبا واختفاء السوق السوفياتية.. وثانيها التداخل بين مصادر الطاقة التي إلى جانب النفط فإنها تعرف موارد أخرى مثل الطاقة البيولوجية والغاز المسيل.. وكلها عوامل تؤثر على موقع النفط وعلى الأسعار. وثالث التحديات القيمة المرتفعة للاستثمارات، وأخيرا فقدان اليقين لجهة التوقعات الخاصة بالطلب على النفط والطاقة بشكل عام وهو ما أشار إليه أيضا نويه فان هولست، أمين عام المنتدى العالمي للنفط الذي يضم 66 دولة وعقد مؤتمره الأخير في كانكون، نهاية الشهر الماضي. وينتظر أن يعقد المنتدى مؤتمره اللاحق في الكويت في عام 2012.

وفيما خص النفط السعودي، أشار المهنا إلى تراجع حصة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ونمو حصة بلدان شرق آسيا نافيا عن ذلك أي مدلول سياسي ناسبا إياه إلى رغبة السعودية في التأقلم مع معطيات السوق النفطية. وشدد المهنا، إزاء تذبذب أسعار النفط، على عزم السعودية على «تحمل مسؤولياتها لجهة توفير استقرار السوق على المدين القصير والبعيد» باعتبارها «تملك ربع الاحتياطي العالمي من النفط مما يحفزها على اتباع سياسة معتدلة وعلى مقاربة بناءة فضلا عن أن استقرار السوق تضمن مصلحة السعودية نفسها». وأشار المهنا إلى أن الغرض من القدرات السعودية غير المستخدمة هو «طمأنة» السوق لجهة توافر النفط الخام وإزالة أحد عوامل المضاربة منه.

ومن جانبه، شدد هولست على أهمية الحوار بين البلدان المستهلكة والمنتجة لضمان استقرار السوق وهو ما تسعى إليه المنظمة التي يديرها. غير أنه نوه بأهمية «الشفافية» غير المتوافرة حاليا لجهة الأرقام الخاصة بالإنتاج والاستهلاك والاستثمار والتوقعات معبرا عن «دهشته» لاختلافها بين هيئة وأخرى. ورأى هولست أن «مصلحة الجميع» تكمن في التوصل إلى سعر مقبول من الأطراف كافة باعتبار أن انهيار الأسعار لا يخدم مصلحة الدول المستهلكة على المدى البعيد بينما ارتفاعها الحاد ليس الحل للدول المنتجة إذ سيقلص موقع النفط في سوق الطاقة ويحفز الدول الصناعية على إيجاد بدائل عنه.

وتوقف هولست مطولا عند ضرورة «تأطير» السوق النفطية والحد من المضاربات بين السوق النفطية «المادية» وبين السوق النفطية «المالية» (المضاربات( مشيرا إلى أن تقلبات السوق الحادة تنسف سياسات المنتجين والمستهلكين على السواء.

وخصصت الجلسة الأخيرة لممثلي الشركات النفطية مثل «بريتيش بتروليوم» و«توتال» وغيرهما. وكان رئيس شركة «توتال» كريستوف دو مارجوري الذي تحدث صباحا قد سئل عن موقف شركته من العراق والحصة «الضيقة» التي تنالها في الأطروحات التي قدمتها الحكومة في الأشهر الماضية. ووجه دو مارجوري مجموعة رسائل منها إلى الجانب العراقي ومنها إلى الشركات النفطية المنافسة لـ«توتال» في السوق العراقية. وفي رسالة موجهة إلى الحكومة العراقية، أعلن رئيس «توتال» أن شركته «ستشارك بالطبع في العروض الخاصة بالغاز العراقي» التي ستطرحها بغداد في الأشهر القادمة. لكنه عبر عن «تردد» إزاء القطاع النفطي العراقي حيث انتقد مداورة المشاريع الحكومية. وقال دو مارجوري إنه «من الصعب تطوير الحقول العراقية كافة في الوقت عينه». وكانت «توتال» أصيبت بالخيبة من الحصة التي حصلت عليها في العراق علما بأنها ترغب في المشاركة في حقلي نهر عمر ومجنون.

وكشف، في المقابل، عن أن «توتال» «لا تنوي الاستمرار في كونها شريكا يملك الأقلية في حقل حلفايا» النفطي الذي حازت على امتيازه مع شركات نفطية أخرى. لكن دو مارجوري لم يفسر ما يعنيه بذلك وما إذا كان يقصد الخروج من الامتياز أو العمل على الحصول على حصة شركاء آخرين لـ«توتال». وفي موضوع الأسعار، رأى دو مارجوري أن الأسعار الحالية المتأرجحة ما بين 80 و90 دولارا للبرميل «جيدة للمدى البعيد» إذ من شأنها حفز الشركات على الاستثمار في القطاع النفطي.

من جهة أخرى قال مسؤول تنفيذي كبير بشركة «رويال داتش شل» أمس (الخميس) إنه من المنتظر أن يرتفع الطلب العالمي على الغاز بشكل مطرد خلال السنوات العشرين المقبلة في ظل وفرة الاحتياطات وتزايد الاستهلاك لإنتاج الكهرباء. وأبلغ مالكولم برينديد مؤتمرا بشأن النفط «نتوقع تنامي الطلب العالمي على الغاز بنسبة 2 في المائة على الأقل سنويا خلال بعض العقود ولذلك بحلول 2030 نتوقع أن يبلغ الطلب على الغاز 4.5 تريليون متر مكعب سنويا». وأضاف: «يعني ذلك ارتفاعا بنسبة 50 في المائة من المستويات الحالية». وكان برينديد متفائلا أيضا بشأن آفاق الغاز الطبيعي المسال حيث يتوقع أن ينمو الطلب عليه بوتيرة «أسرع بكثير» من الطلب على الغاز بوجه عام بدعم من النمو الاقتصادي في الصين وارتفاع الطلب في أوروبا ودول مثل ماليزيا وتايلاند وسنغافورة وباكستان والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين. وبحسب «رويترز» قال برينديد: «على الرغم من صعوبة أوضاع السوق في العام الماضي خلال فترة الركود فإننا... نتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال إلى مثليه خلال هذا العقد». وتوقع أن يرتفع طلب الصين على الغاز إلى «مثليه أو ثلاثة أمثاله» بحلول 2020 من نحو 100 مليار متر مكعب حاليا. وأضاف برينديد أن الطفرة في الطلب على الغاز الطبيعي المسال ستتطلب أن يقابلها ارتفاع سريع بدرجة مماثلة في الإمدادات التي تنمو حاليا بنسبة تتراوح بين 6 و8 في المائة على الأقل سنويا. وأضاف أنه على ثقة من أن هذا ممكن. وقال برينديد مستشهدا ببيانات أصدرتها وكالة الطاقة الدولية تظهر أن احتياطات الغاز القابلة للاستخراج تعادل إنتاج 250 عاما بالوتيرة الحالية: «هناك غاز كاف وهذا يتضح بشكل متزايد. وسيتعين استثمار نحو خمسة تريليونات دولار خلال السنوات العشرين المقبلة أو 20 مليار دولار سنويا لاستخراج هذا الغاز». وقال برينديد: «هذه الأرقام مذهلة» وأضاف: «الغاز موجود.. ولكنه سيتطلب استثمارات وكثيرا من التكنولوجيا الحديثة.. إنها حقا ثورة في الطاقة». وتابع يقول: «يبحث الناس عن اليقين بشأن ثلاث مسائل أساسية.. توفر الغاز والجدوى الاقتصادية للحصول عليه وتأثيره الأقل ضررا على البيئة. أعتقد أن الغاز يكسب في كل هذه النقاط».