وثائق تكشف وجود شكوك داخل وكالات التصنيف

اعتمدت على نماذج تصنيف تفتقر إلى الدقة عجزت عن التكهن بأداء الرهون العقارية

TT

عام 2004، قبل وقت طويل من إدراك حجم المخاطر الكامنة وراء مراهنات وول ستريت المتعلقة بالرهون العقارية مرتفعة المخاطرة على نطاق واسع، شعر موظفو «ستاندرد آند بورز»، وكالة التصنيف الائتمانية، بتعرضهم لضغوط لتوسيع نطاق النشاط التجاري للوكالة.

وحذر أحد الموظفين في إطار رسالة داخلية بعث بها عبر البريد الإلكتروني من أن الوكالة ستخسر نشاطها التجاري إذا أخفقت في منح تقديرات مرتفعة بما يكفي لالتزامات الدين المكفول، وهي استثمارات اتضح لاحقا أنها تأتي في قلب الأزمة المالية.

وأشارت الرسالة الإلكترونية إلى أنه «سنلتقي مع مجموعتكم هذا الأسبوع لمناقشة تعديل معايير تصنيف التزامات الدين المكفول للأصول العقارية بسبب التهديد القائم بإمكانية فقدان صفقات. ويدور الخطر حول فقدان النشاطات المرتبطة بالتزامات الدين المكفول والنشاطات الأساسية».

في يونيو (حزيران) 2005، حذر موظف لدى «ستاندرد آند بورز» من أن «التلاعب بالمعايير» بغرض «الحصول على صفقة ما» يعرض الوكالة بشأنها للخطر - «وهي فكرة سيئة». ومن المنتظر أن تصدر لجنة تابعة لمجلس الشيوخ تقريرا من 550 صفحة، - يضم هذه الرسالة وعددا آخر من الرسائل الداخلية - في إطار جلسة استماع ستعقد لتفحص الدور الذي اضطلعت به «ستاندرد آند بورز» ووكالة التصنيف الأخرى «موديز إنفسترز بيزنس» في الأزمة المالية عام 2008.

كانت اللجنة، وتحمل اسم «اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات»، أصدرت الخميس مقتطفات من الرسائل.

من جهته، قال السيناتور كارل ليفين، عضو الحزب الديمقراطي من ميتشيغان ورئيس اللجنة الفرعية: «لا أعتقد أن أيا من المؤسستين خدمت المساهمين بها أو الأمة بصورة عامة على النحو اللائق».

من ناحية أخرى واستجابة للنتائج التي خلصت إليها اللجنة التابعة لمجلس الشيوخ، قالت وكالة «موديز» إنها انتهجت «أساليب وسياسات وعمليات صارمة وشفافة»، في الوقت الذي أعلنت «ستاندرد آند بورز» أنها «تعلمت بعض الدروس المهمة من الأزمة الأخيرة»، واتخذت بالفعل خطوات «لتعزيز مستوى الشفافية والحكم وجودة التصنيفات الصادرة عنها».

وتوصل التحقيق، الذي بدأ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، إلى أن «ستاندرد آند بورز» و«موديز» اعتمدتا على نماذج تصنيف تفتقر إلى الدقة بين عامي 2004 و2007، وهي تصنيفات عجزت عن التكهن بكيفية أداء الرهون العقارية السكنية مرتفعة المخاطرة وسمحت للضغوط التنافسية بالتأثير على تقييمات الوكالتين، إلى جانب عجزهما عن إعادة تقييم التقديرات الصادرة عنهما بعد تحسين النماذج التي تعتمدان عليها عام 2006.

وتوصل التحقيق أيضا إلى أن المؤسستين فشلتا في توفير فريق عمل مناسب لتفحص الاستثمارات الجديدة والسامة، وأهملتا عمليات الاحتيال المرتبطة بالرهن العقاري وعمليات الاكتتاب غير الخاضعة لتنظيمات صارمة و«الارتفاعات غير المستدامة في أسعار المنازل» في الاعتبار لدى صياغة نماذج التصنيف الخاص بها.

بحلول عام 2007، عندما اعترفت المؤسستان، تحت ضغط، بإخفاقهما وعمدتا إلى خفض تقديراتهما على نحو يعكس المخاطر القائمة، كان الأوان قد فات.

وأشارت مذكرة تحوي موجزا لنتائج اللجنة إلى أن إجراءات تقليص التقديرات واسعة النطاق من جانب المؤسستين في صيف وخريف ذلك العام «سببت صدمة للأسواق المالية، وساعدت في انهيار السوق الثانوية للرهون مرتفعة المخاطر، وأشعلت حركة بيع للأصول التي تراجع تقديرها الاستثماري وأضرت بممتلكات الشركات المالية بمختلف أرجاء العالم».

في الوقت الذي جرى توثيق الكثير من الإخفاقات التي اقترفتها وكالات التصنيف، يسلط التحقيق الذي أجرته لجنة مجلس الشيوخ الضوء على أوسع وأدق تحليل يظهر حتى الآن لهذه الإخفاقات.

ويشهد مجلس الشيوخ حاليا نقاشا حول إقرار إصلاحات مالية كاسحة من شأنها إخضاع وكالات التصنيف لتنظيم شامل وتفحص من جانب لجنة الأوراق المالية والبورصة للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة. ويحوي التشريع أيضا بنودا من شأنها جعل الوكالات عرضة لدعاوى قانونية خاصة تتهمها بالاحتيال بمجال الأوراق المالية، الأمر الذي يوفر للمستثمرين فرصة لتعريض الوكالات للمساءلة.

من جانبه، أعرب ليفين عن تأييده هذه الإجراءات، لكنه استطرد بأن مشروع القانون المطروح حاليا للمناقشة في مجلس الشيوخ، علاوة على قرار آخر أقره مجلس النواب في ديسمبر (كانون الأول)، لا يحققان التغيير بالدرجة المأمولة.

وأوضح أنه «ما لا يتضمنه التشريع الجديد، وأعتقد أنه ينبغي أن يشمله، هو إيجاد سبيل للتغلب على تعارض المصلحة الكامن وراء تقاضي وكالات التصنيف أجرها من الجهات التي من المفترض أن تضطلع بتصنيفها. وعلينا إما إيجاد سبيل أو توجيه الكيانات التنظيمية لإيجاد سبيل لإنهاء هذا التعارض الكامن بين المصالح».

رغم أن وكالات التصنيف من المفترض أن تعرض تحليلا موضوعيا ومستقلا للأوراق المالية التي تتولى تصنيفها، فإن الوثائق التي كشفت عنها اللجنة التي يترأسها ليفين أوضحت أن هذه الوكالات تعرضت لضغوط من عملائها، وهي ذات المصارف التي كانت تجمع وتبيع الاستثمارات.

على سبيل المثال، أشار موظف في وكالة «موديز» في رسالة بعث بها عبر البريد الإلكتروني في أبريل (نيسان)، إلى أنه «أتعرض لضغوط خطيرة من جانب «غولدمان ساكس» بخصوص صفقة يرغبون في طرحها في الأسواق اليوم».

في رسالة بتاريخ أغسطس (آب) 2006، شبه موظف في «ستاندرد آند بورز» الوحدة المعنية بتصنيف الأوراق المالية المدعومة برهون عقارية سكنية إلى رهائن تأثروا بفكر مختطفيهم.

وكتب الموظف يقول: «لقد أصبحوا مدينين بالفضل لكبار المؤسسات التي يتعاملون معها لدرجة أنهم باتوا يعانون مما يمكن وصفه بعرض ستوكهولم، الذي يصفونه عن طريق الخطأ بخلق قيمة العميل».

من جهته، قال لورانس جيه. وايت، العالم الاقتصادي بكلية سترن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك، إنه راوده الخوف من أن اعتماد الحكومة ذاتها على وكالات التصنيف «أضفى على الأخيرة هالة خاصة».

جدير بالذكر أن مشروع القانون الخاص بمجلس النواب يدعو لإزالة الإشارات الواردة في القانون الفيدرالي إلى وكالات التصنيف، ويتطلب مشروعا القانون اللذان تجري دراستهما حاليا دراسة كيفية تأثير القوانين والتنظيمات الحالية على الشركات.

وأعرب وايت عن اعتقاده بأن إضافة تنظيمات جديدة ربما تؤدي عن غير قصد لتمكين وكالات التصنيف بصورة أكبر، وأضاف أن «جعل مسؤولي هذه الوكالات الحاليين أكثر أهمية عما هم عليه بالفعل لن يأتي بخير، ومع ذلك فهذا تحديدا هو المسار الذي نتجه نحوه الآن».

على الجانب الآخر، قال ديفيد إيه. سكيل، بروفسور القانون بجامعة بنسلفانيا، إن مشروع القانون الخاص بمجلس الشيوخ «يتناول على نحو عشوائي أسلوب العمل الداخلي في وكالات التصنيف ذاتها».

وأضاف أن تناول تعارض المصلحة الكامن وراء طبيعة عمل هذه الوكالات يشكل «هدفا أكثر طموحا، وإذا كنا ننوي تناول هذه القضية، فالآن هو الوقت المناسب».

* ساهم بنيامين أبلبوم في هذا التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»