رسائل إلكترونية تكشف «مستور» «غولدمان ساكس» وتزيد الضغط عليه

يؤكد مسؤولو البنك فيها أنهم سيحققون أرباحا من رهانهم على أسواق الإسكان

قضية «غولدمان ساكس» ألقت بظلالها على وول ستريت (أ.ف.ب)
TT

في أواخر عام 2007، أي في الوقت الذي اكتسبت فيه أزمة الرهون العقارية زخما وكانت الكثير من البنوك تتكبد الخسائر، تبادل مسؤولون تنفيذيون في بنك «غولدمان ساكس» رسائل إلكترونية تقول إنهم سيحققون «أموالا ضخمة إلى حد ما» من الرهان في أسواق الإسكان.

وتأتي هذه الرسائل، التي كشفت عنها اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات بمجلس الشيوخ الأميركي، متناقضة مع تصريحات «غولدمان» التي تركت انطباعا بأن البنك خسر أموالا في استثمارات متعلقة بالرهون العقارية.

وفي إحدى الرسائل، أقر لويد سي بلانكفين، الرئيس التنفيذي للبنك، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2007 بأن البنك خسر أموالا في بادئ الأمر، لكنه تعافى بعد ذلك عن طريق القيام برهانات سلبية، تعرف باسم العمليات القصيرة أو البيع المكشوف، للتربح في الوقت الذي تهبط في أسعار العقارات. وكتب قائلا: «من المؤكد أننا لم نفلت من فوضى الرهون العقارية ذات المخاطر. لقد خسرنا أموالا ثم ربحنا أكثر مما خسرنا بفضل عملياتنا القصيرة».

وأضاف: «الأزمة لم تنته ومن يمكنه أن يعرف كيف، فسينتهي الأمر؟».

وفي رسالة أخرى بتاريخ 25 يوليو (تموز) من عام 2007، يرد ديفيد إيه فينيار، المدير المالي للبنك، على الأرقام التي تقول إن الشركة حققت أرباحا قدرها 51 مليون دولار بسبب الرهانات على انخفاض قيمة الأسهم المرتبطة بالعقارات. وكتب إلى غاري كون، الرئيس الحالي للبنك، قائلا: «هذا يوضح ما يمكن أن يحدث للذين لا يتحصنون بالعمليات القصيرة».

وأصبحت الإجراءات التي اتخذتها الشركات في وول ستريت أثناء انهيار سوق العقارات أحد العوامل الرئيسية في النقاش الحاد بشأن الإصلاح الاقتصادي. وفي الخطاب الإذاعي الأسبوعي للرئيس باراك أوباما يوم السبت، قال الرئيس إن وول ستريت قد «أضرت جميع القطاعات في اقتصادنا»، وحاولت مرة أخرى الضغط من أجل الوصول إلى قواعد أكثر صرامة. وفي يوم الاثنين، سيحاول الديمقراطيون في مجلس الشيوخ منع أحد الإجراءات التعطيلية للجمهوريين في الاختبار الرئيسي الأول لجهود الإدارة الرامية إلى المضي قدما في التشريع.

وأنكر «غولدمان ساكس» يوم السبت أنه حقق أرباحا ضخمة من المنتجات المتعلقة بالرهون العقارية في عامي 2007 و2008. وقال إن اللجنة الفرعية «انتقت بعناية» الرسائل الإلكترونية من بين ما يقرب من 20 مليون صفحة من الوثائق التي قدمها. وهذا يقود إلى مواجهة حاسمة بين اللجنة الفرعية و«غولدمان ساكس»، الذي دافع عن نفسه بقوة منذ أن تقدمت لجنة الأوراق المالية والصرف بدعوى قضائية تتهمه فيها بالاحتيال في الأوراق المالية قبل تسعة أيام. وفي يوم الثلاثاء، من المتوقع أن يدلي سبعة من الموظفين الحالين والسابقين في «غولدمان ساكس»، بما فيهم بلانكفين، بشهادتهم أمام جلسة استماع في الكونغرس.

وقال كارل ليفين، السناتور الديمقراطي من ولاية ميتشيغن ورئيس اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات بالمجلس، إن الرسائل الإلكترونية تتناقض مع التصريحات المعلنة للبنك بشأن نتائج التداول الخاصة به. وقال ليفين في بيان يوم السبت: «أعلن التقرير السنوي لبنك (غولدمان ساكس) لعام 2009 أن البنك لم يحقق صافي إيرادات ضخمة عن طريق المراهنة في منتجات متعلقة بالعقارات. وتوضح هذه الرسائل الإلكترونية في الحقيقة أن «غولدمان» حقق الكثير من الأموال عن طريق المراهنة في سوق الرهون العقارية».

ويبدو أن هذه الرسائل تصل بعض النقاط في لحظة حاسمة في تاريخ «غولدمان». وتوضح أن «غولدمان» حقق ازدهارا في عام 2007 في الوقت الذي تكبدت فيه معظم البنوك الأخرى الخسائر من تراجع قروض الرهن العقاري.

وفي البداية، ناقش «غولدمان» بصراحة معرفته المسبقة في توقع انهيار سوق العقارات. وفي الربع الثالث من عام 2007، أعلن هذا البنك الاستثماري أنه حقق أرباحا كبيرة من مراهنته السلبية في الرهون العقارية.

وبنهاية عام 2007، قلل البنك الإفصاح عن نتائج التداول الخاص به في الرهون العقارية. وأخبر المدير المالي بالبنك المحللين بأنه ينبغي لهم ألا يتوقعوا أن يكشف «غولدمان» عن ما إذا كان يحقق أرباحا أو يتكبد خسائر في سوق الإسكان. وبحلول نهاية عام 2008، كان «غولدمان» يؤكد أن خسائره، وليس أرباحه، تشير بانتظام إلى انخفاضات قدرها 1.7 مليار دولار في قيمة أصول الرهون العقارية في عام 2008، ولم يكشف عن مقدار الأرباح التي حققها في المراهنات السلبية.

ويقوم «غولدمان» وغيره من البنوك بعمليات استثمارية، وتكون بعض هذه العمليات طويلة، مثل الرهانات بأن أداء الاستثمار سيكون جيدا، وبعضها يكون عمليات قصيرة، وهي الرهانات بأن أداء الاستثمار سيكون سيئا.

وقال «غولدمان» إنه أضاف عمليات قصيرة لتحقيق التوازن في حجوزات قروض الرهن العقاري الخاصة به، وليس للقيام بمراهنة موجهة على انهيار السوق. لكن الرسائل التي أطلقتها اللجنة الفرعية يوم السبت تشير على ما يبدو إلى أنه في عام 2007 على الأقل تجاوزت المراهنات القصيرة للبنك الخسائر في العمليات الطويلة التي يقوم بها.

وفي شهر مايو (أيار) من عام 2007، على سبيل المثال، تبادل العاملون ببنك «غولدمان» الرسائل الإلكترونية بينهم بشأن الخسائر في مجموعة من الرهون العقارية التي أصدرتها شركة «Long Beach Mortgage Securities». وعلى الرغم من أن البنك خسر أمولا في هذه الرهون، حسبما كتب أحد العاملين، فإنه كان هناك «أخبار سارة»: «إننا نمتلك 10 ملايين بعيدة عن الخسائر». ويعني ذلك أن «غولدمان» كان لديه قدر كاف من المراهنات على السند الذي ربحه، على أي حال، بخمسة ملايين دولار.

وفي يوم 11 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2007، كتب أحد مديري «غولدمان» في وحدة التداول لمدير آخر قائلا: «يبدو الأمر وكأننا سنحقق أرباحا ضخمة نوعا ما»، وكان الرد: «نعم إن وضعنا جيد».

ويبدو أن الوثائق، التي أطلقتها اللجنة الفرعية بمجلس الشيوخ، تشير إلى أنه في شهر يوليو (تموز) عام 2007، أظهرت حسابات «غولدمان» خسائر قدرها 322 مليون دولار من عمليات الرهون العقارية الإيجابية، لكن الرهانات السلبية الخاصة به - والتي أطلق عليها فينيار «العمليات القصيرة الكبيرة» - حققت أرباحا قدرها 373 مليون دولار.

وقبل أسبوع، أكد أحد المتحدثين باسم «غولدمان» أن البنك حاول فقط حماية قروض الرهن العقاري الخاصة به في عام 2007.

وقال البنك في تقريره السنوي الشهر الحالي إنه لم يكن يعرف في هذا الوقت إلى أين يتجه سوق الإسكان، وهي وجهة النظر التي أعرب عنها بلانكفين في المرة الأخيرة التي ظهر فيها أمام الكونغرس.

وقال أمام لجنة التحقيق في الأزمة المالية في شهر يناير (كانون الثاني): «لم نكن نعرف في أي وقت ماذا سيحدث لاحقا، على الرغم من أنه كان هناك الكثير من المراسلات». وليس من المعروف مقدار الأموال التي حققها «غولدمان» من الرهانات السلبية الخاصة به في سوق الإسكان. ولم يصدر أي من «غولدمان» أو اللجنة أي معلومات بشأن أرباح «غولدمان» من الرهون العقارية في عام 2009.

وفي رده يوم السبت، أطلق «غولدمان ساكس» مجموعة من الرسائل الإلكترونية الداخلية، التي أظهرت عدم موافقة العمال في بعض المراحل على اتجاه سوق الرهن العقاري. وفي عام 2008، مُني «غولدمان» ببعض الخسائر من سندات الرهون العقارية عالية الجودة التي كانت بحوزته، عندما امتدت الأزمة من الخسائر على السندات المحفوفة بالمخاطر مع قروض الرهن العقاري عالية المخاطر إلى الخسائر على الرهون العقارية، التي تم منحها للأشخاص الذين لديهم تاريخ ائتماني أفضل.

ومع ذلك، في أواخر عام 2006، كان هناك رسائل تشير إلى أن المسؤولين التنفيذيين في «غولدمان» ناقشوا كيفية التخلص من العمليات الإيجابية للرهون العقارية بالبنك عن طريق بيعها إلى العملاء. وفي إحدى الرسائل، كتب المدير المالي بالبنك فينيار قائلا: «دعنا نكون نشطاء في توزيع الأشياء».

كما أطلق «غولدمان» قوائم مالية مفصلة لوحدة تداول الرهون العقارية الخاصة به، وأظهرت هذه القوائم أن مجموعة من المتداولين، فيما كان يعرف باسم مجموعة المنتجات المهيكلة، حققوا أرباحا قدرها 3.69 مليار دولار بداية من 26 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2007، التي تتعدى الخسائر المغطاة في أجزاء أخرى بوحدة الرهون العقارية في «غولدمان».

وسيدلي عدد من المتداولين من هذه المجموعة بشهادتهم يوم الثلاثاء.

وشملت الرسائل، التي أطلقها «غولدمان»، الكثير من الرسائل التي كتبها المسؤول التنفيذي فابريس توري، وهو الموظف الوحيد في «غولدمان» الذي تم ذكره بالاسم في الشكوى التي تقدمت بها لجنة الأوراق المالية والصرف. وتكشف هذه الرسائل عن شكوكه بشأن اتجاه سوق الرهون العقارية عالية المخاطر في عام 2007. وفي إحدى الرسائل بتاريخ 7 مارس (آذار) إلى صديقته، كتب: «وفقا لسباركس، فقد انتهى هذا النشاط تماما، ولن يستمر المقترضون لقروض الرهن العقاري عالية المخاطر لفترة طويلة». وكان يشير إلى دور سباركس، رئيس وحدة التداول في الرهون العقارية التابعة للبنك آنذاك.

وأعلن مجلس الشيوخ أنه سيقعد جلسة استماع حول «غولدمان ساكس» في غضون أسبوع من الدعوى القضائية، التي تقدمت بها لجنة الأوراق المالية والصرف، تتهمه فيها بالاحتيال. وتساءل بعض الأعضاء في الكونغرس هل تم التنسيق بين التحقيقين أم لا. وقال الفريق الخاص بالسيد ليفين إنه ليس هناك أي علاقة بين التحقيقين، وأصدرت اللجنة الفرعية استدعاءات لـ«غولدمان» في 30 يونيو (حزيران) العام الماضي وفي 12 مارس (آذار) الماضي، وأحاطت «غولدمان» علما بشأن من سيتم استدعاؤهم كشهود في 5 أبريل (نيسان) الحالي. وقالت لجنة الأوراق المالية والصرف إنه لا توجد أي بواعث سياسية تتعلق بتوقيت تقديم الشكوى.

ويشمل المحامون الذين وكلهم «غولدمان» للتعاطي مع تحقيق مجلس الشيوخ مايكل بوب، شريك في مكتب غيبسون ودون آند كروتشر، وكي لي بلالاك الثالث، شريك في مكتب أوميلفيني آند مايرز. وعمل هذان الرجلان في الماضي كمحاميين لصالح اللجنة الفرعية.

* شارك في هذا التقرير غريتشن مورغنسون

* خدمة «نيويورك تايمز»