«غولدمان ساكس» يستنفر لوبيات أنصاره في معركة اتهامه بالاحتيال

البنك ينفق نحو 3 ملايين دولار لـ«كسب آذان» مسؤولين فيدراليين ومشرعين أميركيين

تظاهر مئات من أعضاء النقابات الأميركية للمطالبة بالاصلاحات الاقتصادية (أ.ف.ب)
TT

الأسبوع الماضي، طلب مسؤولون بالبيت الأبيض بهدوء من مؤسسات مالية بارزة خطابات رسمية تعرب خلالها عن تأييدها لمساعي الكونغرس لإصلاح التنظيمات المالية. لكن واحدا من أكبر البنوك في وول ستريت لم يقصدوه، وهو «غولدمان ساكس».

وأشار مسؤول تنفيذي من داخل الصناعة المالية شارك في المناقشات مع البيت الأبيض حول الخطاب، إلى أنه بالنظر إلى الدعوى القضائية التي تقدمت بها الحكومة ضد «غولدمان ساكس»، فإن «الرسالة الضمنية كان مفادها أن رأي (غولدمان ساكس) لا أهمية له وأنه سيكون من السلبي أن يدعم الجهود التي نبذلها».

من ناحية أخرى، يتولى «غولدمان ساكس» إدارة ربما أفضل مجموعة من عناصر الضغط داخل واشنطن من حيث الصلات التي تتمتع بها، وأنفق البنك العام الماضي 2.8 مليون دولار لـ«كسب آذان» لاجتذاب اهتمام مسؤولين فيدراليين ومشرعين نحوه. إلا أن الضربة التي تلقاها البنك الاستثماري في الأيام الأخيرة تركته مهمشا - على الصعيد العام على الأقل - في وقت يتحرك الكونغرس نحو إصدار قرار يمكنه إعادة رسم ملامح الصناعة المالية التي يهيمن عليها «غولدمان ساكس». مع تحول «غولدمان ساكس» إلى هدف لدعوى قضائية تتهمه بالاحتيال تقدمت بها «لجنة الأوراق المالية والبورصة» منذ أسبوعين، وخضوعه للتحقيق معه على مدار قرابة 11 ساعة أمام لجنة تتبع مجلس الشيوخ خلال جلسة استماع عقدت الثلاثاء، جرى تصوير البنك من جانب الكثيرين باعتباره رمزا للبذخ وإساءة التصرف داخل وول ستريت.

في هذا الصدد، قالت جاريت سيبرغ، محللة السياسة المالية لدى «كونسيبت كابيتال»، وهي منظمة بحثية تعنى بالسياسات المالية: «أصبحت جميع مصارف وول ستريت الآن سامة سياسيا. وينتمي (غولدما ساكس) إلى هذه الفئة. وكان من شأن جلسة الاستماع التي خضع لها زيادة صعوبة أن يجد من ينصت لرسالته داخل واشنطن، لكن هذا الوضع كان قائما أيضا قبل عقد هذه الجلسة وهو قائم اليوم أيضا. إن أي مصرف في وول ستريت اليوم في موقف لا يحسد عليه». وعلى الرغم من ذلك، لا يزال البنك يحاول إيجاد سبيل للتأثير على النقاش الدائر حول الصناعة المالية، حتى وإن ظل عاجزا عن الاضطلاع بدور مرئي للجميع.

يذكر أن «غولدمان ساكس» رفض الأربعاء الماضي التعليق على تأثير مشكلاته على الصعيدين القانوني والمرتبط بالعلاقات العامة على جهوده في مجال الضغط داخل واشنطن. لكن أحد المصادر المطلعة على خططه قال إنه لا يزال يحاول دفع أجندته قدما. ورفض المصدر كشف هويته بسبب استمرار المشكلات القانونية والسياسية التي يعانيها البنك.

سعيا لطرح حجته على المشرعين ومساعديهم، اعتمد البنك بدرجة كبيرة على منظمات تجارية، مثل «اتحاد صناعة الأوراق المالية والأسواق المالية» و«اتحاد الصرافة الأميركي» و«منتدى الخدمات المالية»، من أجل عرض وجهة نظرها بخصوص النقاط المثيرة للقلق الواردة في التشريع المالي الجديد المقترح، حسبما قال مسؤولون بالصناعة. على النقيض من «جيه بي مورغان تشيس» ومؤسسات أخرى منافسة، لم يحاول «غولدمان ساكس» بذل جهود تواصل على مستوى المواطنين العاديين، مثل إنشاء خطوط ساخنة يتمكن الموظفون عبرها من الاتصال بأعضاء الكونغرس الذين يمثلونهم. إلا أنه من حين إلى آخر، عمد «غولدمان ساكس» وعناصر الضغط المرتبطة به إلى الاتصال مباشرة بالديمقراطيين داخل مجلس الشيوخ لتناول نقاط معينة مثيرة للقلق، مثل ما يطلق عليه «قاعدة فولكر»، التي من شأنها حظر قيام مؤسسات أو بنوك مثل «غولدمان ساكس» بالدخول في نشاطات بيع وشراء لتحقيق ربح خاص لها، بدلا من خدمة عملائها، طبقا لما ذكره مساعد بالحزب الديمقراطي. من بين البنود الأخرى التي تأمل المؤسسة في تغييرها الحظر المقترح على اتجار المصارف في سوق المشتقات.

في الغالب، اعتمد «غولدمان ساكس» - الذي يتضمن عناصر الضغط والمحامون الخارجيون المتعاونون معه شخصيات بارزة في واشنطن مثل ريتشارد إيه. غيفاردت، زعيم الأغلبية السابق داخل مجلس النواب، وكين دبرستاين، المسؤول السابق بإدارة ريغان - على وسطاء نظرا للقلق الذي يساور السياسيون حيال ارتباط أسمائهم به، حسبما أوضح مسؤولون حكوميون وآخرون من داخل الصناعة المالية. وقال أحد المعنيين بجهود الضغط يعمل لصالح «غولدمان ساكس»، لكنه لم يرغب في كشف هويته خوفا من تعريض علاقته به للخطر: «إنهم يدركون أنهم لن يتمكنوا من ممارسة نفوذ كبير».

علاوة على المخاوف السياسية، هناك أيضا مخاوف برجماتية، حيث انشغل الكثير من كبار المسؤولين التنفيذيين داخل «غولدمان ساكس»، بينهم لويد سي. بلانكفين، الرئيس التنفيذي، طوال الأسبوع الماضي بالإعداد لجلسة الاستماع في مجلس الشيوخ.

خلال الجلسة، ضغط أعضاء المجلس على مسؤولي «غولدمان ساكس» التنفيذيين فيما يخص مزاعم أثارتها «لجنة الأوراق المالية والبورصة» بشأن تضليل البنك لمستثمرين من خلال بيعهم استثمارات معقدة بمجال الرهن العقاري جرى تصميمها سرا على نحو يجعلها تنهار. كما كشفت تحقيقات مجلس الشيوخ عن وثائق سلطت الضوء على أرباح ضخمة جناها البنك، والرضا الذي أثاره ذلك في نفوس بعض المسؤولين التنفيذيين، في وقت بدأت سوق العقارات في الانهيار.والواضح أن الأحداث التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية أضرت بقدرة أحد البنوك الذي احتل في وقت مضى مكانة بارزة في واشنطن على إرسال مسؤوليه التنفيذيين إلى أصحاب مناصب عليا داخل وزارة الخزانة. على سبيل المثال، كانت السيناتورة بلانش لينكولن، عضوة الحزب الديمقراطي بأركنساس، التي صاغت البند الذي يحظر على مؤسسات أو بنوك مثل «غولدمان ساكس» الاتجار في المشتقات، قد ناقشت عقد حملة لجمع تبرعات من داخل مكاتب المؤسسة في نيويورك، لكنها تراجعت عن ذلك بعد الدعوى القضائية التي رفعتها «لجنة الأوراق المالية والبورصة» ضد المؤسسة.

وقالت لينكولن إنه لم يعد بمقدورها قبول تبرعات من البنك، الذي كان من بين أكثر البنوك والمؤسسات تبرعا لصالح الحملات السياسية. يذكر أن مسؤولي البنك التنفيذيين ولجنة العمل السياسي التابعة له تبرعوا بأكثر من 24 مليون دولار لصالح مرشحين فيدراليين خلال العقد الماضي، منها قرابة مليون دولار لصالح الحملة الانتخابية الرئاسية لأوباما عام 2008.

* خدمة «نيويورك تايمز»