استمرار الشكوك بشأن الخطة الأوروبية لإنقاذ اليونان

الأزمة اليونانية هامشية مقارنة بما يمكن أن يحدث في حالة إفلاس إسبانيا والبرتغال

TT

يبدي المتعاملون الاقتصاديون وأسوق المال شكوكا قوية بشأن مصداقية الخطة الأوروبية التي صاغها وزراء الخزانة والمال لدول منطقة اليورو الست عشرة، في بروكسل، أمس.

ونظريا تتمثل الخطة الأوروبية المعلنة في تكريس مبلغ 110 مليارات يورو على امتداد 3 سنوات لمساعدة اليونان على تسديد ديونها، مقابل الالتزام ببرنامج تقشف صارم وغير مسبوق. ولكن على الصعيد العملي، فإن الكثير من العقبات السياسية والنقدية ستواجه الخطة الأوروبية أولا، كما أن قدرة اليونان على تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي ومنطقة اليورو ثانيا، تظل محل سؤال حسب غالبية المحللين النقديين الأوروبيين. وأبدت أسواق المال الأوروبية والدولية تحفظا واضحا اليوم في معاينة الخطة الأوروبية، ولا تزال الضغوط متصاعدة على العملة الأوروبية اليورو، بينما تراجعت مؤشرات الأسواق في مختلف المراكز النقدية في القارة وخارجها.

وأوضحت وكالة الأنباء السعودية في تقرير لها من بروكسل أنه على الرغم من إعلان الاتحاد الأوروبي عن موعد السابع من مايو (أيار) الحالي لتفعيل خطة إنقاذ اليونان رسميا خلال قمة طارئة لزعماء منطقة اليورو في بروكسل، فإن الشكوك تخيم حول الصلاحية القانونية الفعلية هذه المرة لمؤسسات الاتحاد الأوروبي لتفعيل الخطة التي تستوجب موافقة البرلمانات الوطنية كافة، وربما أيضا المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا، وهو ما تعيه جيدا أسواق المال.

ورئيس صندوق النقد الدولي دومنيك ستروس الذي يشارك بشكل مباشر في خطة إنقاذ اليونان، لم يحدد موعدا واضحا لتفعيل الصندوق وللقسط المتعلق بتدخله في إدارة الديون اليونانية، واكتفى بالقول إن الأمر سيحدث هذا الأسبوع. وتقول دول منطقة اليورو إنها قررت تكريس مبلغ 110 مليار يورو مع صندوق النقد الدولي لليونان، ولكنها في الوقت نفسه دعت المصارف الأوروبية للإسهام في الخطة، مما يعني أن الكثير من الدول تبدو مترددة في تنفيذ الجانب العملي للخطة، أو أنها ستكون غير قادرة على ذلك.

ويرى المحللون أن الاتفاق يلزم دول منطقة اليورو كافة بالإسهام ماليا في الخطة المعلنة، ولكن دولا مثل إسبانيا والبرتغال وأيرلندا المهددة هي الأخرى سوف تتسبب في تفاقم مديونيتها إذا ما قدمت أموالا إضافية إلى أثينا، مما يزيد من تعقيد المعادلة الأوروبية.

وتقول المفوضية الأوروبية في بروكسل إن خطة إنقاذ اليونان المتفق عليها في إطار منطقة اليورو سيتم تفعيلها في إطار مذكرة تفاهم مشتركة بينها وبين الحكومة اليونانية خلال الأسبوع الحالي، الأمر الذي يعكس مزيدا من تشابك الإجراءات الإدارية الأوروبية التي يصعب فهمها من قبل المتعاملين. وسيتم التركيز في مرحلة أولى على ديون عامي 2010 و2011، أي إن الهدف الأوروبي الفعلي هو كسب مجرد عامين في المواجهة الدائرة مع أسواق المال، في حين أن التوقعات كافة توحي بأن إجراءات التقشف المتخذة في أثينا لن تسمح بعودة سريعة للنمو، وبتعاف فعلي للاقتصاد اليوناني قبل سنوات كثيرة. ويعد تركيز الدوائر الاتحادية الأوروبية على مجرد تنقية الموازنة العامة اليونانية من دون الأخذ بعين الاعتبار ضروريا حفز نمو اقتصادي ذي مصداقية مستدامة، إحدى نقاط الضعف في الخطة الأوروبية. ورد فعل السلبية للشارع اليوناني الذي سيبلغ ذروته الأربعاء المقبل سيحدد في نهاية المطاف مستقبل آلية دعم اليونان، وكذلك طبيعة تعامل الدول الأوروبية وأسواق المال مستقبلا مع الدول الأخرى المقصرة، والمهددة بعوارض الأزمة اليونانية نفسها.

وتعد الإجراءات التقشفية المتخذة في اليونان صارمة وقاسية وغير مسبوقة، واستجابت فقط لمتطلبات منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي، ولا تحمي مصالح المواطنين اليونانيين الذين يدفعون ثمنا باهظا مقابل البقاء في منطقة اليورو، ومقابل تجنب إعادة جدولة ديون بلاهم، وهما من العناصر المحظورة في منطقة اليورو. وفرض صندوق النقد الدولي وصفته بشكل تام على اليونان، مما يثير مخاوف الدول المهددة الأخرى. وقال وزير الخزانة الألمانية فولفغانغ شوبلة للصحافيين في بروكسل، إن الأمر لا يتعلق بإنقاذ اليونان، وإنما بإنقاذ منطقة اليورو في مجملها. ولكن هذا التأكيد لم يلفح في طمأنة المتعاملين بسبب التردد والانقسام الذي أبدته الدوائر الأوروبية في معاينة الأزمة اليونانية منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأعلنت الدول والهيئات الأوروبية منذ نهاية العام الماضي عن سلسلة من الإجراءات لصالح اليونان، ولكن لم يتم تنفيذ أي منها على الإطلاق. وأوضحت وكالة الأنباء السعودية أن الكثير من المراقبين يخشون أن تمثل مواقف الدول الأوروبية المعلنة نهار الأحد في بروكسل مجرد تكرار لما ردده المسؤولون الأوروبيون في السابق، وأن يكون الرقم المرتفع المعلن لمساعدة اليونان مجرد رقم للتأثير على الأسواق. وقطاعات واسعة من المتعاملين الماليين يعتبرون الأزمة اليونانية تظل هامشية، وليست بذات الأهمية مقارنة بما يمكن أن يحدث في حالة إفلاس دول أخرى بحجم إسبانيا والبرتغال، التي سيكون من المستحيل إنقاذها أوروبيا ودوليا هذه المرة.

وتقول مصادر أوروبية بشكل غير رسمي إن خبراء الاتحاد الأوروبي يقدرون حاجيات دول مثل إسبانيا أو البرتغال بألف مليار يورو، أي 10 مرات حاجيات اليونان.. ويردد المسؤولون الأوروبيون أن الاتحاد الأوروبي سيتشبث بشكل مستمر بمبدأ التضامن بين دوله وعدم ترك أحد أعضائه يواجه الإفلاس. ولكن إصرار الدول الأوروبية على فرض شروط قاسية على اليونان بشكل غير مسبوق، والحرص على معاقبتها وتكبيلها بأحجام فائدة مبالغ فيها تدر كسبا ماليا كبيرا مباشرا لها مقابل إقراضها لليونان، يناقض عمليا مبدأ التضامن الأوروبي، ويجعل من الاتحاد مجرد سوق مالية للمضاربات، تفرض من خلاله بعض الدول قروضا موجعة على دول أخرى.

وتقول فرنسا رسميا إنها ستكسب زهاء نصف مليار يورو من خلال إقرضاها 6 مليارات يورو لليونان، وينطبق الأمر نفسه على ألمانيا. كما أن اعتماد الاتحاد الأوروبي على صندوق النقد الدولي في إدارة شؤون منطقة اليورو، سيستمر من دون شك لعدة سنوات، ولكن من دون ضمانات أكيدة لصحة خيارات الصندوق الذي أظهر سوء تصرف واضح في إدارة أزمات سابقة مثل أزمة الأسواق الآسيوية والديون الروسية ومع الأرجنتين عام 2002.