مخاوف وغضب من إغلاق «البنك العربي» فرعين من أصل 3 في قطاع غزة.. وسلطة النقد تغرمه

إغلاق فرعين للبنك العربي في غزة يقلق أبناء القطاع

البنك العربي وقد أغلق فرعين من فروعه في غزة (أ.ب)
TT

بدت خطوة البنك العربي بإغلاق فرعين من أصل 3 في قطاع غزة «مقلقة» بالنسبة لعدد من الفلسطينيين وحذر محللون اقتصاديون من تداعيات «سلبية» لهذه الخطوة.

ومنذ ساعة مبكرة من صباح أمس اصطف مئات الفلسطينيين غالبيتهم من موظفي القطاع الحكومي في السلطة الفلسطينية أمام شبابيك البنك والصراف الآلي الوحيد الذي يعمل للبنك العربي لتلقي رواتبهم.

وفي عمان أعلن البنك العربي أنه وفي ضوء الظروف الصعبة التي ترتب على البنك العمل في ظلها في قطاع غزة، وبعد أن قام مؤخرا بتخفيض عدد موظفيه في القطاع، فقد قرر البنك إغلاق فرعين من فروعه الثلاثة العاملة هناك.

وقال مازن أبو حمدان مدير منطقة فلسطين في البنك العربي «نحن نأسف لهذه القرارات إلا أنه أصبح من الصعب على البنك العربي المحافظة على تقديم مستوى عال من الخدمات في ظل الظروف السائدة».

وأضاف أبو حمدان «أسف البنك العربي على ما سيترتب على هذا الإجراء من آثار سيئة على المجتمع المحلي وعلى قطاع الأعمال في غزة اللذين عانا من ظروف مالية سيئة. كما يأسف البنك العربي على ما سيسببه هذا الإجراء من معاناة لموظفيه المخلصين إلا أن البنك سيقوم بتعويض هؤلاء الموظفين تقديرا منه لخدماتهم والتزامهم خلال سني خدمتهم».

وأعرب البنك العربي عن أمله بأن تتحسن الظروف السيئة التي يمر بها قطاع غزة في القريب العاجل حتى يتمكن من العودة للممارسة نشاطه فيه.

وفي تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من غزة ذكر ناجي أبو نصر الضابط في الأمن الوطني في السلطة الفلسطينية أنه انتظر 6 ساعات أمام الصراف الآلي للبنك العربي في فرعه المتبقي في حي الرمال حتى حصل على نصف راتبه.

وقال أبو نصر وهو من سكان خان يونس إن إغلاق فرعي البنك «سيزيد من معاناتنا».

وكانت إدارة البنك العربي قد أغلقت فرعين أحدهما في غزة والآخر في خان يونس بعدما استغنت إدارة البنك عن خدمات العشرات من العاملين لديها في فروع غزة، بعد دفع تعويضات لهم.

وذكر موظف في البنك العربي طلب عدم ذكر اسمه «نشعر بالخوف.. المستقبل مقلق جدا».

ودفعت هذه الخطوة سلطة النقد الفلسطينية لفرض غرامة مالية لم تذكرها على البنك العريق.

وقالت سلطة النقد في بيان إن الغرامة المالية «هي الأكبر منذ تأسيس سلطة النقد بسبب قيامه بإغلاق فرعين (..) دون الحصول على الموافقة المسبقة من سلطة النقد».

ورأى عمر شعبان المحلل الاقتصادي أن خطوة البنك العربي «مقلقة على الصعيد السياسي»، واستدرك أن البنك «لا يأخذ خطوة كهذه دون أن يملك تقديرات غير إيجابية للمستقبل».

واعتبر أن هذه الخطوة تحدث إرباكا «يؤثر على ثقة الزبائن الذين قد ينقلون حساباتهم من البنك».

لكن سلطة النقد حاولت طمأنة المواطنين وأكدت «استقرار الجهاز المصرفي الفلسطيني».

وقال مدير البنك العربي في بيانه إن «البنك يأسف لأي نتائج سلبية قد تصيب المجتمع المحلي أو قطاع الأعمال في غزة كنتيجة لهذا القرار الذي يعاني أصلا من ظروف اقتصادية صعبة».

وقال عمر شعبان إنه لا يعتقد أن «أزمة مالية» دفعت البنك لاتخاذ خطوته هذه، ويضيف «البنك كانت لديك أرباح سابقة.. طريقة طرد الموظفين مقلقة».

وبعد أن شدد على أن خطوة البنك «لا تمهد لإغلاق بنوك أخرى في غزة»، حذر شعبان من أن لهذه الخطوة «تداعيات سلبية وسيئة جدا على حماس» التي تسيطر على قطاع غزة منذ منتصف 2007 «لأنها تترك انطباعا أن غزة غير مستقرة وأن وضعها غير سليم».

ويعزز هذا الرأي فرض حكومة حماس ضرائب على السجائر والوقود المهرب عبر الأنفاق من مصر حيث تعاني الحركة الإسلامية من عدم إدخال الأموال لغزة.

وبدت سمية أبو العبد الله وهي زوجة موظف متقاعد في الأمن الفلسطيني متعبة وهي تنتظر على رصيف أمام مقر البنك المكتظ بالزبائن.

وقالت المرأة (58 عاما): «أنا حزينة، هذا الوضع الصعب.. يبدو أن المستقبل أسوأ».

وكانت إباء قديح (43 عاما) محظوظة لحصولها على الراتب بعد انتظار أربع ساعات فقط، وقالت المرأة التي تعمل في الخدمات الطبية وهي تبتسم «أليس يكفينا الحصار.. البنك العربي مؤسسة وطنية كان ينبغي أن تتروى في قرارها الذي يقلق آلاف الموظفين».

ويتقاضى آلاف الموظفين في السلطة الفلسطينية رواتبهم الشهرية عن طريق البنك العربي.

وشكا محمد سرحان (53 عاما) من عدم تمكنه من الوقوف في طابور طويل أمام الصراف الآلي، وقال «هل يتوجب علي الانتظار لأيام لأخذ أموالي..الأطفال في البيت لا ينتظرون ولا علاقة لهم بكل هذا، المهم أن تلبى لهم مطالبهم الحياتية».

وحاولت أماني أبو عويضة (34 عاما) وهي من مخيم المغازي تهدئة الرجل وهي تتمنى أن تحل الأزمة قريبا.

واعتبر عمر عبد الرازق الذي شغل منصب وزير المالية في حكومة حماس السابقة، قرار البنك العربي «تساوقا» مع السياسات الأميركية.

وقال عبد الرازق لوكالة «فرانس برس»: «قد أتفهم مسألة الاستغناء عن عدد من العاملين، لكن لا يوجد ما يبرر إغلاق فرعين للبنك، سوى أنه تساوق مع السياسات الأميركية في تشديد الحصار على قطاع غزة».

وأضاف «هناك قضية مرفوعة ضد البنك العربي في الولايات المتحدة الأميركية، وهذا القرار الذي اتخذه البنك يأتي للدفاع عن نفسه».

وقال عبد الرازق «جميع البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية، وحتى الأجنبية، أعلنت في حساباتها الختامية أنها حققت أرباحا سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة رغم الحصار، وبدل أن يكون البنك العربي، رغم أنه ليس أجنبيا، جزءا من التخفيف يمارس عملا لزيادة التضييق».

وكان قرار «البنك العربي»، ومقره الرئيسي عمان، إغلاق فرعين من فروعه الثلاثة في قطاع غزة، قد أثار مخاوف من انهيار النظام المصرفي في القطاع المحاصر. وفاجأ «البنك العربي» عملاءه، أمس، بإغلاق فرعي غزة وخان يونس في القطاع بعد أسابيع من إجبار نحو 100 موظف من القطاع على تقديم استقالاتهم.

وقال الخبير الاقتصادي عمر شعبان لـ«الشرق الأوسط»: «هذا سيئ للغاية، ويحمل معاني سياسية»، وأضاف: «البنك أراد أن يقول للغرب إنه ملكي أكثر من الملك».

وحمل شعبان بشدة على «البنك العربي»، الذي قال إنه استفاد كثيرا من القطاع على مدار السنوات السابقة، «ومص دم البلد». وتساءل ساخرا: «اليوم يغادر القطاع من دون أدنى احترام حتى لحقوق موظفيه، وغدا هل سيعود للعمل عندما تأتي أموال إعمار القطاع؟».

وجاء موقف «البنك العربي»، من دون التنسيق مع سلطة النقد الفلسطينية التي قالت إنها فوجئت من قرار البنك. وأعلنت سلطة النقد، أمس، أنها قامت بفرض غرامة مالية على «البنك العربي» هي الأكبر منذ تأسيس السلطة.

وذكرت سلطة النقد في بيان أن الغرامة التي لم تفصح عن قيمتها، فرضت بسبب «قيام البنك بإغلاق فرعين (غزة وخان يونس)، من فروعه الثلاثة العاملة في قطاع غزة، من دون الحصول على الموافقة المسبقة من سلطة النقد، وذلك بموجب متطلبات المادة (49) من قانون سلطة النقد، والمادة (10) من قانون المصارف والتعليمات رقم (3/2008)، التي تستوجب مجموعة من الإجراءات التي يجب على المصارف الالتزام بها في مثل هذه الحالة».

وأوضحت سلطة النقد أنه تم قيد الغرامة على حسابات المصرف لدى سلطة النقد وإشعاره بذلك، علما بأن سلطة النقد ما زالت تتابع الموضوع مع إدارة «البنك العربي» والجهات ذات العلاقة.

وطمأنت سلطة النقد المودعين والمتعاملين كافة مع المصارف العاملة في فلسطين على سلامة واستقرار الجهاز المصرفي الفلسطيني وحقوق المتعاملين معه كافة.

ووصف شعبان قرار سلطة النقد بأنه غير كاف وضعيف، متهما السلطة بمحاباة البنوك، وقال: «سلطة النقد لا تستطيع مواجهة (البنك العربي)، ربما لو كان بنكا صغيرا.. يمكن».

أما «البنك العربي» نفسه، فاكتفى ببيان مقتضب، قال فيه مازن أبو حمدان مدير منطقة فلسطين: «إننا نأسف لهذه القرارات، ولكن البيئة المحيطة لا تمكننا من تقديم الخدمات بالصورة اللائقة».

وأضاف أبو حمدان: «البنك يأسف لأي نتائج سلبية قد تصيب المجتمع المحلي أو قطاع الأعمال في غزة كنتيجة لهذا القرار، الذي يعاني أصلا من ظروف اقتصادية صعبة».

وتابع: «ويأسف البنك كذلك للصعوبات التي أصابت فريق عمل البنك الملتزم نتيجة لهذا الإغلاق. وبعدالة، سيقوم بتعويضهم اعترافا منه بجهودهم والتزامهم خلال سنوات عملهم في البنك».

وزاد «البنك العربي» بقوله إنه يأمل في تحسن الظروف في غزة في القريب العاجل، ليتمكن من العودة للعمل بشكل فاعل هناك.

وتجمهر أمس مئات المواطنين من مراجعي «البنك العربي» أمام فرعه المتبقي المفتوح في حي الرمال وسط مدينة غزة، من أجل استرجاع ودائعهم كافة في البنك، وسط اعتقادات من أن البنك سينهي أعماله كافة في القطاع.

وقالت مصادر فلسطينية مطلعة بأن قرار «البنك العربي» تصفية أعماله في قطاع غزة يحمل أبعادا سياسية واقتصادية خطيرة. وحسب المصادر التي تحدثت إلى موقع «سما الإخباري»، فإن «الأمر يتعلق بصفقة شاملة تتضمن إغلاق البنك لفروعه في قطاع غزة مقابل إغلاق ملفات البنك أمام المحافل الدولية والمحاكم الأميركية، التي اتهم فيها البنك سابقا بتمويل ما وصفته بمنظمات متطرفة في قطاع غزة عبر تحويلات نقدية متواصلة».

وقالت المصادر: «إن البنك اتخذ قرار تصفية أعماله بعد يومين فقط من قرار محكمة أميركية بإقفال ملف القضية نهائيا، فيما تعهد البنك بفرض رقابة ذاتية صارمة على أي تحويلات تصل إليه سواء إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة».

وأوضحت المصادر أن تفاصيل الصفقة معروفة تماما للأوساط النقدية العربية، لكن شعبان استبعد وجود صفقة، وقال: «حتى المؤسسات الأميركية تعمل في قطاع غزة، وتعرف أن جزءا من أموالها يذهب بطريقة أو بأخرى إلى حماس». وأضاف شعبان: «لكن في هذي البلد كل من إيدو إلو».

و«البنك العربي»، ومقره عمان، يعتبر أول مؤسسة مالية تابعة للقطاع الخاص في العالم العربي. وصنف من ضمن كبرى المؤسسات المالية العالمية. وبنهاية يونيو (حزيران) 2009، بلغت أرباح مجموعة البنك العربي قبل الضرائب وبعد المخصصات 452 مليون دولار أميركي، بينما يبلغ إجمالي الموجودات 48.4 مليار دولار، وبلغت قاعدة رأس مال «البنك العربي» 7.7 مليار دولار أميركي. وتبلغ فروعه 500 فرع، موزعة في 30 دولة، في 5 قارات.