«النقد الدولي» يسعى لإشاعة الطمأنينة ويؤكد أن تخلف اليونان عن تسديد ديونها غير وارد

«جبال الديون» تغمر قمة زعماء منطقة اليورو اليوم > «داو جونز» يفقد 1000 نقطة أمس

متعاملان في البورصة الألمانية يتابعان عبر التلفزيون تطورات الأزمة اليونانية (أ.ف.ب)
TT

وافق البرلمان اليوناني كما كان متوقعا أمس على خطة التقشف التي قدمتها الحكومة الاشتراكية اليونانية للحصول على مساعدة بقيمة 110 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

إلى ذلك أعلنت متحدثة باسم صندوق النقد الدولي أمس أن تخلف اليونان عن تسديد ديونها «ليس خيارا (واردا)»، في وقت تشهد فيه أسواق المال بلبلة في كافة أرجاء العالم خشية أن تكون خطة الدعم المالية (لليونان) غير كافية. وقالت كارولاين اتكينسون مديرة العلاقات الخارجية في صندوق النقد الدولي في بيانها الصحافي الأسبوعي «إن تخلف (اليونان) عن التسديد لا يشكل خيارا، ولم يكن يوما خيارا». وأضافت أن «السلطات اليونانية قالت ذلك، ورئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه كرره (الخميس)». واعتبر تريشيه في مؤتمر صحافي أن تخلف اليونان عن التسديد «غير وارد». وحاولت البورصات الأوروبية وبورصة وول ستريت النهوض أمس بعد تراجعها في الجلستين السابقتين بسبب المخاوف المرتبطة بالديون اليونانية وباحتمال انتقال عدوى الأزمة إلى دول أخرى في منطقة اليورو. ويجتمع قادة دول منطقة اليورو اليوم الجمعة في بروكسل في قمة تعقد وسط ضغوط قوية في حين يتعرض الاتحاد النقدي لهجوم من كل الجهات في غمرة الأزمة اليونانية مع توقع المتشائمين اختفاءه من دون إصلاح عميق. ويلتقي رؤساء دول وحكومات الدول الـ16 التي تتقاسم العملة الموحدة، اعتبارا من الساعة 19.00 (17.00 ت غ) في اجتماع استثنائي. وأوضح وزير الدولة الإسباني للشؤون الاقتصادية دييغو لوبيز غاريدو الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي أن «الهدف هو وضع الصيغة النهائية لاتفاق القروض لليونان (...). وهو أيضا التفكير في الدروس التي يمكن استخلاصها وبحث مستقبل منطقة اليورو». وسيصادق البرلمان الألماني وعدد آخر من الدول على خطة إنقاذ غير مسبوقة لليونان بقيمة 110 مليارات يورو على مدى ثلاثة أعوام يشارك فيها صندوق النقد الدولي. وبحسب وكالة الأنباء الألمانية فقد أبدت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل تشاؤمها هذا الأسبوع حيال الوضع وقالت إن الأزمة «تنال من مستقبل أوروبا». والرهان كبير الحجم: فمنطقة اليورو تتعرض لهجوم في الأسواق، وتدهور معدل صرف عملتها الموحدة الخميس إلى 1.2737 دولار، وهو أدنى مستوى له منذ مارس (آذار) 2009. أمس قرر البنك المركزي الأوروبي من جهة أخرى في فرانكفورت، ترك معدلات فوائده دون تغيير عند 1%، كما أعلن أحد المتحدثين باسمه، وهو قرار كان متوقعا. وقد تم تحديد معدل الفائدة هذا الذي يعتبر مقياسا للدول الـ16 أعضاء منطقة اليورو، منذ عام. وتخشى الأسواق من عدم توصل اليونان التي تقع ضحية توترات اجتماعية حادة، إلى النهوض بماليتها العامة. وتخشى أيضا أن تنتشر الأزمة اليونانية إلى دول أخرى في منطقة اليورو مثل إسبانيا والبرتغال. وتتساءل أخيرا عما إذا كان الاتحاد النقدي يملك وسائل حل هذه الأزمة غير المسبوقة منذ إنشائه في 1999. وقد كشفت الأزمة اليونانية بقوة الثغرات التي شابت اعتماده.واليوم، أعلن رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو أمام البرلمان أن «مستقبل اليونان على المحك. إنه الاقتصاد والديمقراطية والتماسك الاجتماعي أمام الاختبار». وقال أيضا: «العنف ليس حلا»، مؤكدا أن أعمال العنف أمس شوهت «صورة البلاد واليونانيين». ويريد مسؤولو الدول الـ16 التركيز على وسائل تعزيز السلوك المالي في المستقبل.

وقد دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية انغيلا ميركل الخميس إلى سلوك هذا الطريق. وكتبا في رسالة أن رؤساء الدول والحكومات ينبغي «أن يوجهوا الإشارة القائلة إنهم على استعداد للتفكير بتعزيز الرقابة على المالية من أجل منطقة اليورو». وقالا إن هذا الأمر سيمر عبر «عقوبات أكثر فعالية»، وإنما أيضا عبر تعزيز «التماسك بين الإجراءات المالية الوطنية ومعاهدة الاستقرار» التي تحكم الرقابة على عجز الموازنات في الاتحاد الأوروبي. وبتعبير آخر، تناغم أفضل للموازنات الوطنية. وتشدد ألمانيا خصوصا على أن يكون بالإمكان حرمان الدول المتساهلة من بعض المساعدات الأوروبية ومن حقوق التصويت في الاتحاد الأوروبي، وأن يتم وضع آلية لإعلان إفلاس دول. إلا أن فرنسا لم تحسم موقفها علنا بعد من هذا الأمر. وأعرب ساركوزي وميركل عن الأمل أيضا في أن تستمر آلية إنقاذ اليونان في شكل أو في آخر. وقالا إنه يتعين وضع «إطار متين لحل الأزمات» في المستقبل. وتتجه كل هذه العناصر في اتجاه تشكيل «حكومة اقتصادية أوروبية» يجري النقاش حولها منذ أشهر عدة، ولو أن الآراء تختلف بين الدول حول ما يمكن أن تتفق عليه. وستقوم المفوضية الأوروبية بتقديم مقترحات حول أفضل طريقة لإدارة هذه الملفات الأربعاء المقبل. لكن لا يبدو أن الدول على استعداد للمضي في خطوة تأسيس اتحاد نقدي يعتبر عدد كبير من الاقتصاديين أن غيابه يشكل أحد أسباب الأزمة الحالية في منطقة اليورو.

وتبقى كل دولة غيورة على سيادتها في هذا المجال الحساس. ويريد المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية أولي رين تعزيز الرقابة على مشاريع الموازنات عبر إخضاعها لرأي أوروبي قبل أن تحال أمام البرلمانات الوطنية. لكنه اصطدم حتى الآن بتحفظات ألمانيا. وقد طالب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزى والمستشارة الألمانية انغيلا ميركل بتطبيق مزيد من الرقابة الاقتصادية على منطقة اليورو في أعقاب أزمة الديون اليونانية.

وقال زعيما أكبر اقتصادين في منطقة اليورو في خطاب مشترك نشر أمس «لكي يبقى الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي على نجاحه لن يكفيه التعامل مع هذه الأزمة فقط».

وكان الخطاب موجها لرئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فإن رومبوي ورئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو ونشر ليلة انعقاد قمة منطقة اليورو التي ستبدأ في وقت لاحق من غد الجمعة في بروكسل.

وطلب ساركوزى وميركل من القادة الذين سوف يجتمعون في بروكسل دراسة عدة اقتراحات مثل «تعزيز المراقبة النقدية في منطقة اليورو عن طريق فرض مزيد من العقوبات الفعالة» للدول الأعضاء التي تعانى من عجز كبير في الموازنة.

كما اقترحا «توسيع المراقبة لتشمل القضايا المتعلقة بالهيكل والتنافسية والاختلالات (الاقتصادية)».

وكرر ساركوزى وميركل مطالبهما السابقة بزيادة القيود على الأسواق المالية.

وانتهز الزعيمان الفرصة لانتقاد وكالة «ستاندرد أند بورز» بسبب تخفيضها التصنيف الائتماني للسندات اليونانية إلى مستوى العالي المخاطر.

وكتب ساركوزى وميركل أن هذه الخطوة، التي تم اتخاذها قبل خطة اليونان التقشفية والكشف عن برنامج الإنقاذ الذي تم منحه لأثينا وقيمته 110 مليارات يورو (140 مليار دولار)، «يتعين أن تدفعنا لدراسة الدور الذي تلعبه وكالات التصنيف في تعميق الأزمة».

وخلص الاثنان إلى أن الحفاظ على المكاسب التي تحققت بسبب إنشاء اليورو «يشير إلى (ضرورة) أن نعزز التنسيق لسياساتنا الاقتصادية ونعزز آلية المراقبة الداخلية لمنطقة اليورو حتى تتحمل كل دولة مسؤولية استقرار اليورو». وقرر البنك المركزي الأوروبي في اجتماعه أمس الإبقاء على سعر الفائدة الأوروبية عند مستواه القياسي المنخفض، 1%.

جاء القرار متوافقا مع توقعات المحللين.

كان مجلس محافظي البنك عقد اسم اجتماعه الشهري بالعاصمة البرتغالية لشبونة في ظل تزايد المخاوف من احتمالات تكرار الأزمة المالية اليونانية مع دول أخرى في منطقة اليورو، مثل إسبانيا والبرتغال.

يأتي اجتماع مجلس محافظي البنك (22 عضوا) في ظل مخاوف من احتياج دول أخرى إلى خطة إنقاذ مالي مثل خطة اليونان التي تصل تكلفتها إلى 110 مليارات يورو (144 مليار دولار) على مدى 3 سنوات.

وبحسب «رويترز» كان «المركزي الأوروبي» أعلن الاثنين الماضي قبول سندات الديون اليونانية، ضمانة للقروض التي ستمنح للدولة بمعزل عن تصنيفها الائتماني، في إجراء غير مسبوق يهدف إلى تخفيف الضغط عن اليونان ومصارف منطقة اليورو.

وأعلن البنك في بيان أنه رفع «حتى إشعار آخر» أي شروط مرتبطة بالتصنيف الائتماني المتراجع لسندات الديون اليونانية.

يسمح الإجراء الأول من نوعه في تاريخ المؤسسة، التي تتخذ من فرانكفورت مقرا لها، للبنوك التي تملك سندات يونانية بالاستمرار في الحصول على قروض من البنك المركزي الأوروبي بضمان تلك السندات.

إلى ذلك، فقد مؤشر داو جونز الصناعي الرئيسي ببورصة وول ستريت في نيويورك نحو 1000 نقطة في تعاملات ظهر أمس الخميس مع اتجاه المستثمرين الأميركيين إلى بيع أسهمهم كرد فعل على أزمة الديون في اليونان.

تذبذب المؤشر القياسي بمقدار 500 نقطة خلال أقل من 30 دقيقة في ظل حالة من الفزع الجماعي التي ضربت المستثمرين، بحسب وكالة الأنباء الألمانية. وجاءت عمليات البيع الكثيف للأسهم مع نزول آلاف المتظاهرين إلى شوارع العاصمة اليونانية أثينا احتجاجا على خطة التقشف الصارمة التي تبنتها الحكومة.

ويخشى المستثمرون أن تضطر حكومة اليونان في النهاية إلى إعلان عجزها عن سداد ديونها رغم خطة الإنقاذ الضخمة التي أقرتها مجموعة اليورو وصندوق النقد الدولي.

كما تدهورت أسعار النفط للجلسة الثالثة على التوالي أمس، في نيويورك؛ ذلك أن المتعاملين لا يزالون قلقين من الصعوبات المالية في منطقة اليورو.

وفي سوق نيويورك، أنهى سعر برميل النفط المرجعي الخفيف، تسليم يونيو (حزيران)، جلسة التداول على 77.11 دولار، بتراجع 2.86 دولار مقارنة بسعر الأمس. وفي الجلسات الثلاث الأخيرة، تراكم التدهور ليصل إلى 8.9 دولار، أي بنسبة 10.5%.

واعتبر ايليس ايكلاند المحلل المستقل أن التدهور «ناجم بالكامل عن مخاوف تتعلق بالقطاعات الاقتصادية الشاملة». وأضاف أن «أزمة الديون في أوروبا قد تكون سلبية جدا على النهوض الاقتصادي في العالم، ولا سيما في أوروبا»، كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عنه.