«خيار الصدمة والرعب» لإنقاذ اقتصادات منطقة اليورو

تحرك جريء قد يتجاوز قدرات أوروبا >إنقاذ إسبانيا سيتكلف 600 مليار دولار

TT

قد تكون أوروبا في حاجة إلى معالجة واسعة النطاق لأزمة الديون التي تعانيها، لكن التزاوج المربك على نحو متزايد بين الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي يجعل مثل هذا الإجراء غير محتمل.

بعد ثلاثة أيام فقط من تقديم خطة الإنقاذ في اليونان، التي بلغت قيمتها 110 مليارات يورو (أو ما يعادل 134 مليار دولار)، باعتبارها الخطوة الأحدث لتحقيق الاستقرار في الأسواق الأوروبية، حدث ما هو عكس ذلك. حيث انتشرت المخاوف في أنحاء الأسواق المالية بأن مشكلة أكبر حجما ستصيب إسبانيا والبرتغال وربما الدول الأخرى المثقلة بالديون خارج منطقة اليورو، مثل بريطانيا والولايات المتحدة.

وردا على ذلك، ينادي محللون بخيار الصدمة والرعب، وهو إحدى وسائل الإنقاذ لأكبر الاقتصادات في منطقة اليورو التي تعاني من الكساد ومستويات عالية من الديون، ولا تختلف هذه الوسائل عن برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة الذي تم وضعه لاستعادة الثقة في النظام المالي الأميركي.

ويقترح هؤلاء المحللون أن يشتري البنك المركزي الأوروبي مليارات اليوروات من الديون اليونانية والبرتغالية والإسبانية غير المرغوب فيها وأن يعرض صندوق النقد الدولي خطة إنقاذ كبرى لإسبانيا.

وسيتكلف هذا التحرك الواسع بكل تأكيد أكثر من الـ700 مليار دولار التي تعهدت الولايات المتحدة بأنها ستستعيد بها الاستقرار في البنوك المتعثرة في نهاية عام 2008. وهنا تكمن المشكلة: فلا يعد ذلك مبلغا ضخما فحسب، لكنه يتطلب كذلك درجة من المرونة والشجاعة السياسية وروح الفريق التي لم يظهرها بعد الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

«إن الأمر في الواقع ليس متعلقا بالأموال»، هكذا قال تيموثي كونغدون، الخبير الاقتصادي الذي تنبأ بهجرة المدخرات من البنوك في المحيط الأوروبي إلى ألمانيا في الوقت الذي تتزايد فيه الشكوك بشأن قوة بقاء هذه الدول في منطقة اليورو. وأضاف: «إن الأمر متعلق بمقدار الألم الذي تستطيع الشعوب في المحيط الأوروبي تحمله للمحافظة على استمرارية ذلك. وبمجرد ذهاب الثقة، ونقل اليونانيين والإسبانيين ودائعهم إلى فرانكفورت، فسيصبح ذلك نبوءة تتحقق، وسينهار الأمر برمته».

ويواصل المسؤولون في جميع أنحاء أوروبا القول بأن خطة اليونان كافية ولا توجد هناك حاجة لاقتراح أوسع نطاقا لتقديم المساعدة أو إعادة جدولة الديون في أي دولة متأثرة بالأزمة. وعلى الرغم من ذلك، يواصل المستثمرون خفض قيمة اليورو، الذي انخفض إلى 1.28 دولار يوم الأربعاء، وهو علامة مهمة على تآكل الثقة.

والطريقة التقليدية لمكافحة البطالة في وقت الركود هي التوسع في المعروض النقدي. وهذه الخطوة من شأنها أن تخفض أسعار الفائدة وتجعل رأس المال أكثر وفرة بالنسبة للشركات والمستهلكين على حد سواء، مما يحفز النمو الاقتصادي.

وقال كونغدون إن الأرقام الأخيرة تشير إلى أنه حتى بعد الضغوط الانكماشية في إسبانيا وأيرلندا، والتأثير الأكبر للأزمة اليونانية على البنوك التي أرهقها الائتمان في أوروبا، لم يكن هناك أي نمو في المعروض النقدي لدى البنك المركزي الأوروبي.

وقال إن ذلك دليل كاف على أن البنك المركزي لا يزال تحت نفوذ ألمانيا، التي تعارض بشدة هذا النوع من سك العملة من أجل تسديد الديون، وهو الأمر الذي تم استخدامه بتوسع في الولايات المتحدة وبريطانيا لمكافحة الركود.

وبالنسبة لصندوق النقد الدولي، فقد كان المدير العام الطموح دومينيك ستراوس متحمسا لأن يقدم الصندوق كمنقذ محتمل لأوروبا. ويأتي ذلك على الرغم من أن سجل فترة ما بعد الحرب في تقديم حلول خاصة تتضمن تقشفا ماليا وتخفيض قيمة العملة عندما يطلب منه ذلك فقط. وحتى الوقت الحالي، لم يظهر الصندوق الحل المرن الذي يشمل عدة دول، ويرى المستثمرون حاليا أنه ضروري.

وحتى إذ طُلب من صندوق النقد الدولي معالجة أزمة الديون الأوسع داخل أوروبا، فلا تزال ثمة شكوك حول امتلاكه مالا يكفي القيام بهذه المهمة بالصورة المناسبة.

ويقدّر عضو مجلس النواب الأميركي مارك ستيفين كيرك، الجمهوري من إلينوي وعضو لجنة المخصصات بمجلس النواب التي تشرف على التمويل لصندوق النقد الدولي، أن إنقاذ إسبانيا سيتكلف ما يصل إلى 600 مليار دولار. وقال، مستشهدا ببحث لخدمة الأبحاث بالكونغرس، إن الصندوق لديه 268 مليار دولار، فقط، يستطيع تقديمها في صورة قروض.

يذكر أن حصة الولايات المتحدة داخل صندوق النقد الدولي تبلغ 17 في المائة، ولذا الولايات المتحدة أكبر مساهم مالي. وعلى ضوء حالات الإحباط بعد إنقاذ مؤسساتها المالية وأرباحها الكبيرة التي تلت، يبدو أنه ستوجد رغبة ضعيفة داخل الولايات المتحدة لزيادة دعمها.

ولكن، ربما توجد مشكلة أكبر. وقد لا يمكن تطبيق الطريقة الكلاسيكية التي يستخدمها الصندوق في هذه المواقف - من خلال فرض تقشف قاس مع تخفيض قيمة العملة - بالصورة الكاملة في هذه الحالة، حيث لا تتحكم اليونان وحدها في اليورو، وكذا الحال بالنسبة للبرتغال وإسبانيا.

ويقول ديزموند لاتشمان، وهو خبير اقتصاد وعضو سابق في قسم مراجعة السياسية بالصندوق، إن هذه المشكلة تجعل عمل صندوق النقد الدولي في أوروبا مستحيلا تقريبا، ولا سيما على ضوء تريليوني يورو ديون مستحقة في الاقتصادات المتعثرة الأخرى الأقل أهمية.

ويقول لاتشمان إن تقليل قيمة العملة يمثل عنصر توازن هاما في أي برنامج تقشف قاس لأنه يساعد على بدء الصادرات والنمو، ومن ثم يقلل من آلام تقليل النفقات العامة.

ولكن، على ضوء العملة الثابتة التي لدى اليونان واقتصادات منطقة اليورو، فإن هذا الخيار غير متاح، وهو ما يجبر الصندوق على الاستعاضة بإجراءات تقشفية أشد تطيل أمد الركود الاقتصادي وتثير غضبا اجتماعيا كان سمة تميّز برامج الصندوق المثيرة للجدل داخل جنوب شرقي آسيا في نهاية التسعينات.

وبالنسبة لليونان، فإنه للوفاء بمستهدف الصندوق لعجز ميزانية نسبته ما بين 4 - 6 في المائة من الناتج الاقتصادي في 2014، ستحتاج الحكومة إلى البحث عن مدخرات نسبتها 13.4 في المائة من الناتج الإجمالي، حسب ما أشار إليه تحليل لـ«باركليز كابيتال». ولا توجد سابقة لمثل هذا التحول في جهود إعادة الهيكلة السابقة داخل غرب أوروبا، وسيكون الأمر أكثر صعوبة على ضوء شدة الركود الاقتصادي وعجز اليونان عن تقليل قيمة العملة.

ويتساءل بعض المحللين عما إذا كان يورو تقل قيمته باستمرار قد يعطي اليونان وأوروبا القيمة المنخفضة والدفعة التنافسية التي تحتاجها بشدة.

ولا تعد اليونان الدولة الوحيدة التي يتعين عليها تحمل خصومات كبيرة في النفقات مع المحافظ على عملة ثابتة. وقد تراجعت اقتصادات لاتفيا، في إطار برنامج تابع لصندوق النقد الدولي، وليتوانيا بنسبة تبلغ أكثر من 10 في المائة نتيجة لتقليل النفقات الحكومية بدرجة كبيرة.

ويقول لاتشمان إنه عندما سعى صندوق النقد الدولي لإنقاذ لاتفيا، التي لديها عملة ثابتة أيضا، أوصى طاقمه بأن يسمح بتعويم عملة لاتفيا (اللاتس) لتقليل آثار الخصومات في الميزانية.

ويقول لاتشمان: «أعرف أن العاملين لم يكونوا سعداء جدا بالبرنامج، وكانوا يعتقدون أنه سيكون من المستحيل إجراء تصحيح في لاتفيا من دون تحريك سعر العملة. ولكن شعرت المفوضية الأوروبية أنه إذا حركت لاتفيا سعر العملة، فستنتقل عدوى داخل أوروبا، ولذا مارست ضغوطا». وحتى الآن، لم تظهر في لاتفيا أو ليتوانيا الاحتجاجات التي تظهر بصورة مستمرة داخل أثنيا.

وبالنسبة إلى اليونان، التي توجد في اتحادات عمالية قوية ومستعدة لمعارضة الحكومة، فإن عدم تقليل قيمة العملة داخل اليونان سيضع صعوبات أكبر أمام برنامج الصندوق.

* خدمة «نيويورك تايمز»