لبنان: أصول المصارف المحلية تزيد 4.6 مليار دولار في الفصل الأول

إجراءات وقائية لمجابهة تداعيات الأزمة اليونانية

مصرف لبنان المركزي («الشرق الأوسط»)
TT

تتجه أغلب المصارف اللبنانية إلى اتخاذ إجراءات وقائية تهدف إلى تمتين حصانتها في مجابهة أزمات طارئة عامة أو خاصة بالمهنة، وذلك بعد انفجار الأزمة المالية اليونانية وتداعياتها في أسواق المال والأسهم والتقلب الحاد في أسعار «اليورو». بالترافق مع تصاعد المخاوف في المنطقة خلال الأسابيع الماضية من احتمالات عدوان إسرائيلي جديد على خلفية الإثارة الملتبسة بقضية صواريخ «سكود». وتشمل الإجراءات، وفق مصادر مصرفية، ضبط العمليات في الأسواق المحلية والخارجية وإعادة هيكلة محافظ الأوراق المالية والأسهم المحمولة والاحتفاظ بهامش مرتفع من السيولة. بما يؤمن جهوزية لاحتواء أي تداعيات محتملة لتفاقم الأزمة اليونانية وتمدد آثارها إلى الأسواق الأوروبية الكبرى التي تستضيف جاليات لبنانية كبيرة عاملة ومقيمة تمثل، مع الجاليات المماثلة في مناطق الخليج وأفريقيا وأميركا، أحد الروافد المهمة لتحويلات اللبنانيين العاملين والمغتربين في الخارج، والتي تربو على 7 مليارات دولار سنويا وفقا لآخر الإحصاءات الصادرة عن البنك الدولي. فضلا عن العلاقات التجارية التاريخية التي تربط لبنان بالقارة الأوروبية استيرادا وتصديرا.

ورغم تراجع المخاوف جزئيا، فإن إدارات المصارف لا تسقط من حساباتها احتمال تحول التصعيد الإسرائيلي من صيغة التهديد بالعدوان إلى مرحلة الأعمال العسكرية المباشرة. مما يتطلب اعتماد سياسات خاصة للسيولة وتلبية طلبات المودعين خصوصا لجهة السيولة الورقية، على غرار تجربة حرب صيف عام 2006. حيث نشأت أزمة في توفر أوراق الدولار، تلافاها البنك المركزي والفروع الخارجية للمصارف في توريد دفعات متتالية لملايين الدولارات من النقد الورقي، كانت كافية لسد الطلب فيما لم تظهر أي مشكلة في الأوراق النقدية بالليرة.

أما على الصعيد المهني فيشدد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على «أهمية الأنظمة التوجيهية والرقابة التي ساعدت القطاع المصرفي اللبناني، ليس على تفادي الانغماس في عمليات مالية مرتفعة المخاطر فحسب، بل على نمو مطّرد سمح للقطاع بأن يكون موجودا في أكثر من 27 دولة في العالم، واستمراره في تحقيق أرباح متزايدة تمكنه من زيادة رأسماله مما يعزّز متانة المصارف ويساعدها على المزيد من النمو والانتشار». ويؤكد، في مداخلة له أمام رؤساء الوفود الرقابية الفرنكوفونية وأعضائها من أكثر من 18 دولة اجتمعوا في بيروت، «أن ما جنّب لبنان الوقوع في مطبات الأزمة المالية العالمية هو حرصه على تطبيق كل المعايير الدولية، وتعاون الأفرقاء الأساسيين الأربعة في قطاعه المالي وهم: مصرف لبنان المنظم للقطاع المصرفي، ولجنة الرقابة على المصارف، التي تراقب نشاطات هذا القطاع، والإدارات الحكيمة للمصارف، ومفوضي المراقبة». ويلفت إلى أن كل الهيئات الدولية تشدّد ليس على تطبيق الركيزة الأولى لاتفاق بازل 2 التي تخضع حاليا لتعديلات جوهرية فحسب، بل كذلك على تطبيق الركيزتين الثانية والثالثة لهذا الاتفاق، وخصوصا فيما يتعلق بالإدارة الرشيدة والشفافية. وذلك وفق محاور رئيسة تكمن في تحسين نوعية الأموال الخاصة للمصارف، عبر اعتماد شفافية أكبر في شأن خصائص هذه الأموال الخاصة والتحوّط بالاحتفاظ بنسبة من الأموال الخاصة تفوق النسب القانونية، واعتماد نسب جديدة غير نسبة الملاءة، مثل نسبة الاستدانة والسيولة (على المديين القصير والطويل)، والسبل الكفيلة بتجنب المخاطر التي تهدد القطاع المالي، وضرورة الفصل بين حجم الأموال الخاصة وتطور الدورة الاقتصادية، سواء في حال الازدهار أو الانكماش، علما أن الربط بين حجم الأموال الخاصة والدورة الاقتصادية ناجم عن القيمة الحقيقية. ويبدو وفق المعطيات المتوفرة، أن اعتماد سياسات التحوط سيؤثر نسبيا على وتيرة النمو القياسي التي سجلها القطاع المصرفي خلال السنتين الأخيرتين بمتوسط زاد عن 20 في المائة للمؤشرات الأساسية، أي نمو الأصول والودائع والرساميل والائتمان والربحية، تزامنا مع نمو اقتصادي بلغ 9 في المائة في كلا العامين رغم انفجار الأزمة المالية الدولية منتصف عام 2008، وما أفرزته من تداعيات في الأسواق لجهة الخسائر الهائلة، وفي الاقتصادات لجهة تراجع متوسطات النمو في العالم قريبا من الصفر في المائة ودونه في العديد من الاقتصادات الكبرى.

وقد ظهرت أول مؤشرات بطء النمو في تراجع وتيرة نمو الودائع المصرفية خلال شهر أبريل (نيسان). وتسجيل أول نمو سلبي جزئي لاحتياط البنك المركزي من العملات الصعبة خلال الشهر ذاته، مما يؤشر إلى خروج جزئي لبعض التوظيفات تحت ضغط العوامل ذاتها المرتبطة بالأزمة المفتعلة لصواريخ سكود. لكن تأثير هذا التراجع سيكون محدودا على الحصيلة المجمعة للسنة المالية، وفق مصادر مصرفية متابعة، في حال تبدد المخاوف القائمة، خصوصا أن لبنان يتوقع موسما سياحيا مزدهرا، خلال الصيف المقبل، يدعم النمو القياسي، للمليوني سائح في العام الماضي، بنسبة لا تقل عن 20 في المائة. وفق توقعات وزير السياحة فادي عبود. ووفق إحصاءات ومعطيات حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن التقدم المحقق في البيانات المصرفية، خلال الفصل الأول من العام الحالي، كفيل باستيعاب انكفاءات جزئية ناجمة عن مخاطر يغلب عليها الطابع النفسي الذي يدفع بعض المودعين وأصحاب التوظيفات إلى تحركات وقائية وحذرة. لكن الأمور تختلف في مقاربة الأزمة اليونانية، إذ من شأن تفاقمها أكثر وتمددها إلى أسواق إضافية أن يحدث تقلبات وتداعيات واسعة في معظم أسواق العالم ذات الارتباط المباشر وغير المباشر، وسينعكس حكما على ثقة المستثمرين بعد ما ذاقوا الأمرين في الأزمة المالية الدولية حيث لا تزال معظم الأسواق تسعى للخروج منها وسلوك طريق التعافي.

فقد حققت الميزانية المجمعة المحلية للمصارف (دون احتساب ميزانيات الفروع الخارجية)، زيادة قيمتها نحو 4.67 مليار دولار ونسبتها 4 في المائة، لتصل إلى نحو 120.11 مليار دولار في نهاية مارس (آذار) الماضي، مقابل 115.44 مليار دولار في نهاية العام الماضي. فيما بلغ حجم الزيادة نحو 22 مليار دولار وما نسبته 22.43 في المائة على أساس سنوي (مقارنة بنهاية الفصل الأول من العام 2009). لكن الزيادة الفصلية الموازية تقل حجما بنحو 100 مليون دولار ونسبة بنحو 0.4 في المائة عن تلك المحققة في الفترة ذاتها من العام الماضي.