على الرغم من التريليون دولار.. الشكوك تحاصر خطة الإنقاذ الأوروبية

حزمة الإنقاذ المالي ربما تمنح مبررا لدول مثل إسبانيا للتراجع عن الإجراءات الصارمة > السؤال الأكثر تداولا: هل ستنجح الخطة على المدى البعيد؟

تتحمل ألمانيا والدول الأوروبية الأكثر ثراء الآن مسؤولية الجدارة الائتمانية لليونان والبرتغال والدول الأخرى المتأخرة في تسديد ديونها (أ ب)
TT

مثلما الحال مع الإعانة المالية الضخمة التي أعلنتها الولايات المتحدة عام 2008، نجحت حزمة الإنقاذ المالي الهائلة التي أعلنت عنها أوروبا في تخفيف حدة المخاوف من انهيار السوق الأوروبية، لكنها تركت تساؤلا قائما: هل سينجح هذا الحل على المدى البعيد؟

بعد شعوره بألم شديد من الانتقادات التي تعرض لها والتي وصفته بالبطء والضعف، فاق الاتحاد الأوروبي جميع التوقعات بنجاحه خلال عطلة نهاية الأسبوع في تدبير تعهدات بتوفير حزمة مساعدات مالية بقيمة تقارب تريليون دولار موجهة إلى الاقتصاديات المتداعية من دوله الأعضاء، وتمهيد الطريق أمام المصرف الأوروبي المركزي للشروع في إجراءات شراء كبرى للديون الأوروبية، الاثنين.

وبالفعل، استجمعت الأسواق المالية قواها بمختلف أرجاء العالم استجابة للجهود المتناغمة لحماية اليورو التي تشكل في مجملها حزمة تجاوزت الإعانة المالية التي وفرتها الولايات المتحدة منذ عامين.

وعليه، ارتفعت مؤشرات أسواق الأسهم الكبرى في الولايات المتحدة، الاثنين، بنسبة قاربت 4%، بينما ارتفع مؤشر بارز يعنى بالأسهم الممتازة بنسبة جاوزت 10%. في الوقت ذاته، تراجعت قيمة علاوة المخاطر التي كان يطالب بها المستثمرون لشراء السندات اليونانية. إلا أن هذا النشاط بدأ في الانحسار على ما يبدو الثلاثاء مع حدوث تراجع طفيف في الأسواق الآسيوية.

مع اتضاح معالم المكون الرئيسي لحزمة المساعدات الجديدة - وهو تعهد من جانب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمساندة تقديم 440 مليار يورو، ما يعادل 560 مليار دولار، في صورة قروض جديدة لإنقاذ الاقتصاديات الأوروبية - بدأ بعض المحللين يشككون في جدوى تسوية أزمة ديون عبر تراكم مزيد منها.

من بين هؤلاء كارل وينبرغ، الخبير لاقتصادي الأول لدى «هاي فريكونسي إكونوميكس» في فالهالا بنيويورك، الذي أعرب عن اعتقاده بأن «إقراض حكومات تعاني من الاقتراض المفرط بالفعل لا يحل مشكلاتها. لو كنا نملك أي سندات يونانية في محفظتنا، لم نكن لنشعر هذا الصباح بأننا نجونا».

ربما تمثل مثل هذه المخاوف أحد الأسباب وراء تراجع اليورو مع بدء الأسواق الأميركية نشاطها، بعد ارتفاعه خلال التعاملات في الأسواق الآسيوية والأوروبية، لينهي اليوم عند مستوى 1.28 دولار تقريبا.

من بين القضايا الكبرى الأخرى المطروحة على الساحة ما إذا كان إنقاذ الاقتصاديات المتداعية يخلق خطورة أخلاقية، ذلك أن دولا أخرى ربما تستمر في تجاهل أنماط الإجراءات التي من شأنها تقليص عجوزات ميزانياتها وأعبائها من الديون - وهي خطوات مؤلمة للجماهير العامة وخطيرة بالنسبة للسياسيين، نظرا لأنها ربما تتوقع هي الأخرى تحرك آخرين لإنقاذها.

من الواضح أن الصندوق المقترح إنشاؤه في أوروبا يتطلب دعما مستمرا من قبل الدول الـ27 الأعضاء بالاتحاد الأوروبي - ناهيك عن أكثر الأعضاء ثراء، ألمانيا، التي عارضت بشدة حتى الآن تقديم إعانات مالية.

في الواقع، رغم كل مشاعر الإثارة التي تحيط حجم هذه الجهود، من المهم أن نتذكر أن الصندوق ليس قائما بعد. ومن المقرر أن يتولى هذا الصندوق، الذي تجري الإشارة إليه باعتباره آلية ترمي لخدمة غرض محدد، جمع أموال عبر إصدار ديون وتقديم قروض لدعم الاقتصاديات المتداعية. وستتولى الدول الأوروبية ضمان هذا الصندوق.

وبذلك يتضح أن حزمة المساعدات لا تعدو كونها تعهدا بأن يتولى الصندوق الجديد اقتراض أموال حال طلب اقتصاد ضخم مثل إسبانيا التي تمثل 12% من إجمالي ناتج منطقة اليورو، المساعدة. من جهته، تعهد صندوق النقد الدولي بتوفير 250 مليار يورو لمساندة هذه الجهود. إضافة إلى ذلك، تتوافر 6 مليارات يورو في ظل برنامج إقراض قائم بالفعل، مما يدفع إجمالي حزمة المساعدات إلى ما يقارب تريليون دولار. وعليه يتضح أن هذا الصندوق يعد هيكلا يحمل طابعا نظريا أكبر عن «برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة» الذي أنشأته الولايات المتحدة، وهنا تحديدا تكمن الخطورة.

نظريا، إذا بلغت إسبانيا نقطة عجزت عندها عن تمويل نفسها، ستتحرك معدلات الفائدة نحو الارتفاع. وعليه، فإن مليارات اليورو التي سيقدمها الصندوق لن تأتي بتكلفة ضخمة فحسب، وإنما ستثير مزيدا من المشكلات أمام الدول المدينة بالفعل مثل البرتغال وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، وهي دول تؤيد بناء الصندوق. وبذلك، تتفاقم مشكلات الديون الإقليمية. بالنسبة لدومينيك ستراوس كاهن، المدير الإداري الطموح لصندوق النقد الدولي، يعد هذا البرنامج بمثابة نصر تحقق بصعوبة يسمح للصندوق بالاضطلاع بدور محوري في دفع عجلة الإصلاح الاقتصادي في أوروبا. تجدر الإشارة إلى أن مجلس الوزراء اليوناني وافق، الاثنين، على تغييرات كبرى في نظام المعاشات، بينها رفع سن التقاعد المبكر إلى 60 عاما ورفع سن التقاعد إلى 65 عاما، وذلك كجزء من حزمة من الإجراءات الإصلاحية تستمر 3 سنوات فرضها الصندوق والاتحاد الأوروبي.

إلا أن بعض المسؤولين في الصندوق أوضحوا أن حزمة الإنقاذ المالي وتعهد صندوق النقد الدولي بتوفير دعم مالي ربما يمنحان مبررا لدول مثل إسبانيا للتراجع قليلا عن الإجراءات الصارمة التي ميزت جهود التقشف في آيسلندا واليونان.

في هذا الصدد، قال مصرفي له صلات وثيقة بالصندوق لكن غير مخول له بالحديث علانية عن الأمر: «يكشف ذلك أن أوروبا قادرة على توحيد صفوفها». وأضاف أنه رغم أن الجهود الراهنة تخفف حدة الضغوط على عاتق إسبانيا، «فإنها لا تتناول الضغوط الهيكلية على أوروبا».

على الصعيد الفعلي، تتحمل ألمانيا والدول الأوروبية الأكثر ثراء الآن مسؤولية الجدارة الائتمانية لليونان والبرتغال والدول الأخرى المتأخرة في تسديد ديونها.

من ناحيته، أعرب جورج كرامر، الخبير الاقتصادي البارز لدى «كومرزبانك»، الاثنين، عن اعتقاده بأن «أزمة الديون ستغير طبيعة الاتحاد النقدي الأوروبي. لقد تحركت منطقة اليورو بعيدا عن كونها اتحادا نقديا نحو كونها اتحاد نقل». وحذر كرامر من أن هذا التحول «سيقوض الدعم السياسي لمنطقة اليورو على المدى البعيد. ومن غير المحتمل أن تسمح الدول المتلقية للدعم لجهات أخرى بإملاء سياساتها الاقتصادية عليها إلى الأبد. إضافة إلى ذلك، فإن الناخبين في الدول المانحة للدعم لن يرحبوا بتقديم دعم مالي إلى الأبد لدول أخرى».

من جهته، حذر جان كلود تريشيه، رئيس المصرف الأوروبي المركزي، الاثنين، الحكومات الأوروبية، التي من المحتمل أن تعجز جميعها عن تحقيق أهدافها المرتبطة بتقليص عجوزات الميزانية التي اتفقوا عليها عند استحداث اليورو، من أنه يتحتم عليها الاستمرار في خفض الإنفاق الحكومي. في وقت تناضل الاقتصاديات المختلفة من رومانيا والمجر إلى بريطانيا وإسبانيا لتحقيق أهدافها المتعلقة بالحد من العجز بالميزانية، يترك تحذير تريشيه أصداء أكبر.

المعروف أن رومانيا والمجر تعملان في ظل برامج تتبع صندوق النقد الدولي، بينما تحاول بريطانيا وإسبانيا جاهدتين إقناع الأسواق بأنهما لن تجابها مشكلات مالية على غرار تلك التي أجبرت الكثير من الدول الأوروبية على طلب المساعدة. وقال تريشيه أمام مراسلين خلال مؤتمر صحافي في بازل بسويسرا: «بالنسبة لنا، يتمثل العنصر الأكثر حسما في التزام حكومات منطقة اليورو باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتحقيق أهدافها المالية هذا العام والسنوات المقبلة».

بعد 10 سنوات من الفشل في الالتزام بالإرشادات المالية خلال فترة ازدهار اقتصادي عالمي، تبقى الشكوك محيطة بما إذا كان مزيد من التحذيرات من جانب تريشيه والصندوق الجديد المدعوم من صندوق النقد الدولي كافيا لاستعادة العافية المالية للدول الأوروبية في وقت تعاني اقتصادياتها من الجمود وتتفاقم الضغوط الاجتماعية بها.

- شارك في إعداد التقرير جيمس كانتر وديفيد جولي وسيويل تشان.

* خدمة «نيويورك تايمز»