«حي المال» في لندن يتنفس الصعداء بعد تشكيل الحكومة

مقياس نجاح الحكومة في قدرتها على خفض العجز المالي

حي المال في العاصمة البريطانية لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

اتفق غالبية الاقتصاديين في بريطانيا على أن مقياس نجاح الحكومة الائتلافية الجديدة سيعتمد على مدى قدرتها على خفض العجز المالي عبر خفض الإنفاق الحكومي بهدف تحفيز الإنعاش الاقتصادي. كما أن حي المال والشركات الكبرى عبرت عن ارتياحها لتشكيل حكومة تتمتع بأغلبية بعد أن كان واردا أن يشكل حزب المحافظين حكومة أقلية منفردة أو أن يتحالف حزب العمال مع الديمقراطيين الأحرار لتشكيل حكومة أقلية ضعيفة.

وأعلن ريتشارد لامبرت، رئيس اتحاد الصناعات البريطانية، ذو التأثير الكبير في الاقتصاد البريطاني، أنه يرحب بالائتلاف بين الحزبين، لأن الأسواق المالية لا تنتعش إلا في ظل حكومة قوية ذات تفويض واضح من البرلمان لتمرير التشريعات المالية والموازنات العامة. كما قال ديفيد فروست، رئيس اتحاد الغرف التجارية البريطانية، إنهم سيحكمون على الحكومة الجديدة وفق أدائها الاقتصادي وليس برامجها المُعلنة إبان الحملات الانتخابية. وأضاف أنهم يتوقعون أن تتقدم الحكومة خلال التسعين يوما الأولى بخطة مفصلة وواضحة لكيفية دعم الشركات والصادرات البريطانية، وكذلك خفض الإنفاق الحكومي والضرائب على الشركات.

وكانت الأسواق المالية تتخوف من بعض البرامج الاقتصادية لحزب الديمقراطيين الأحرار مثل سعيهم لزيادة ضريبة الأرباح ومعارضتهم التوسع في الطاقة النووية.

أما الأسواق، فقد استجابت أيضا بإيجابية، إذ ارتفع مؤشر «فوتسي» لقياس أداء أكبر 100 شركة في بورصة لندن، صباح أمس، في أعقاب إعلان الحكومة الجديدة الليلة السابقة. كما ارتفع سعر الجنيه الإسترليني أيضا، وبلغ 1.54 مقابل الدولار بزيادة 2%، بينما ارتفع مؤشر «فوتسي» في التعاملات الصباحية بنسبة 1%، وهي المرة الأولى التي يرتفع فيها المؤشر منذ اليوم الذي أجريت فيه الانتخابات، 6 مايو (أيار)، لكنه عاد وتراجع قليلا في الجلسات المسائية. أما السندات البريطانية، فقد فاق أداؤها السندات الألمانية، التي تعتبر سندات القياس للأسواق الأوروبية، إذ اعتُبر ذلك مؤشرا إضافيا على ارتياح حي المال في لندن بعد أن شهدت السوق طلبا عاليا على شراء سندات «مكتب إدارة الديون» البريطاني، الذي باع أمس ما قيمته 2.25 مليار جنيه إسترليني (نحو 3.34 مليار دولار) من سندات يستحق سدادها في عام 2027، وبلغ حجم الطلب عليها ضعف حجم الاكتتاب.

وعلى الرغم من الاستحسان الذي ساد حي المال، فإن كثيرا من المستثمرين يترقبون بحذر ما تسرب عبر الإعلام عن أن الحكومة الائتلافية الجديدة قد تشكل هيئة مستقلة للنظر في إعادة هيكلة القطاع المصرفي بغرض تقسيم البنوك الكبيرة وتوزيع طريقة وأدوات الاستثمار المالي، وذلك ضمن السياسة الهادفة إلى الإصلاح المصرفي في أعقاب أزمة الائتمان التي يرى الكثيرون أن المصارف هي التي تسببت فيها. كما أن ارتفاع أرقام البطالة التي أعلنت أمس قللت من تفاؤل الأسواق المبدئي بتشكيل الحكومة الجديدة. وقد بينت أرقام مكتب الإحصاء المركزي ارتفاعا قدره 53 ألف شخص في أرقام العاطلين عن العمل ليصل عددهم إلى أكثر من 2.5 مليون شخص. والمعروف أن معدل البطالة يعتبر من المؤشرات الأساسية التي تحدد ثقة المستهلك بالأسواق الغربية. ومن جانبه، قال بنك إنجلترا المركزي إن معدل التضخم قد يتعدى نسبة الـ2% المستهدفة رغم بقاء سعر الفائدة الأساسي عند 0.5%. وأضاف البنك في تقريره الدوري أن هذا يعني الاحتفاظ بسعر الفائدة عند هذا المستوى المتدني القياسي لفترة أطول من الفترة التي كانت تتوقعها الأسواق المالية.

وعلى الرغم من أن غوردن براون، رئيس الوزراء السابق، يرى أنه نجح في تفادي وقوع انهيار مصرفي عبر المليارات التي ضختها حكومته في البنوك، فقد أصبحت الآن هذه المليارات عبئا على الخزينة العامة بحيث تحولت قضية تقليل العجز المالي إلى القضية المحورية الأولى بالنسبة إلى الأسواق المالية. وفي هذا الصدد، عبر عددٌ من المستثمرين في البورصة عن ثقتهم بأن حزب المحافظين هو الأكثر تعبيرا عن التزامه بخفض هذا العجز الذي سيؤثر في المستقبل القريب على حياة الأجيال القادمة. وقد تعهد المحافظون بإجراء تخفيضات في الإنفاق الحكومي بمقدار 6 مليارات جنيه إسترليني.

من جهة أخرى، قال أندرو غريفس، من «بنك أوف أميركا وميريل لينش» لـ«الشرق الأوسط» إنه على الرغم من التخوف من أن حكومة ائتلافية قد لا تتمتع بالقوة اللازمة في بريطانيا، فإن الأزمة المالية التي سببتها اليونان لليورو في أوروبا، والتي من المتوقع أن تؤثر في دول أخرى، جعلت بريطانيا نسبيا ملاذا آمنا للاستثمار في الوقت الحالي. لكنه أشار إلى أن خوف المستثمرين الأساسي سينصب الآن على عمر الائتلاف بين الحزبين الحاكمين، وما إذا كان سيصمد طويلا حتى يرى الإصلاحات الاقتصادية اللازمة.

كما قال مايكل سوندرز، الخبير الاقتصادي في مجموعة «سيتي غروب» المالية، إن المشكلة هي أن الحزبين المتحالفين لا يعتبران حليفين طبيعيين وثمة خلافات كبرى بينهما في مختلف السياسات، وبالتالي فإن مسألة استمرار هذه الحكومة ستبقى موضع شك بين المستثمرين والمتداولين في البورصة. غير أن هاورد ويلدون من مجموعة «بي جاي سي بارتنرز» كان أكثر ثقة بالمستقبل، إذ قال مبديا ارتياحه إن الائتلاف تم التفاوض بشأنه بشكل معمق ويفترض أن يكون قويا.

من جانبه، حذر البنك المركزي البريطاني من أن «المخاطر التي تحدق بالنمو على المدى القريب ازدادت بعض الشيء»، ولم يستبعد ضخ مليارات إضافية في الاقتصاد، في إجراء غالبا ما ينعكس سلبا على قيمة الجنيه الإسترليني. وقال حاكم البنك المركزي، ميرفن كينغ، في مؤتمر صحافي إن مشاريع الحكومة الجديدة تكشف عن «توافق قوي جدا وراسخ على معالجة العجز البريطاني»، مبديا ارتياحه لهذا الائتلاف.