السعودية: الاستقرار يعود إلى سوق الحديد بعد تدخل مؤشر العرض والطلب

متعاملون ومستثمرون: رفع أسعار حديد سابك ساهم في توقف الاضطرابات

تحرير السوق هو أبرز مطالب المتعاملين في سوق الحديد وذلك لإخضاع الأسعار وفق ذلك المؤشر العادل على حد تعبيرهم (تصوير: خالد الخميس)
TT

عاشت سوق الحديد السعودية على مدى العشر سنوات الماضية اضطرابات متعددة تارة بالارتفاع، وتارة أخرى بالانخفاض، وكانت لأسباب مختلفة، حيث التضخم وارتفاع المواد الخام العالمية، بالإضافة إلى دخول الصين والهند ودول الخليج في الطلب على مادة الحديد، في وقت باتت تصنف بأنها ثروة وطنية عند بعض الدول.

وتسعى السعودية في كل مرة من الاضطرابات إلى إيجاد التوازن في سوق الحديد، وذلك بهدف استمرار التوافق بين العرض والطلب، وكانت القرارات التي يتخذها أصحاب القرار تهدف إلى تنمية هذا القطاع الحيوي الذي تصل استثماراته بشكل سنوي إلى نحو 186 مليار ريال (46.6 مليار دولار) وفق الكميات المطلوبة والمرشحة للزيادة المستقبلية.

بعد موجة من الاضطرابات عاشتها سوق الحديد في السعودية نتيجة اختفاء المعروض، وبروز سوق سوداء مع طلب عال من قبل الشركات والأفراد، عطفا على المشاريع الضخمة التي تنفذ في المملكة، سادت السوق حاليا حالة من الاستقرار بعد تعديل أسعار المعروض، وانخفاض أسعار مواد الخام العالمية.

وأشار متعاملون في سوق الحديد السعودية إلى أن العائق والمخاوف في تأثر سوق الحديد تندرج نحو عاملين، الأول يتمثل في ارتفاع أسعار المواد الخام العالمية، التي تخضع لعوامل عدة من تحركات في اقتصاديات العالم، في حين يتمثل العامل الآخر في تحديد سعر بيع طن الحديد عبر مؤشرات لا تعكس واقع أسعار العرض والطلب داخل الأسواق.

وكانت تحركات رسمية على مستوى عال تحركت لإيقاف تلك الاضطرابات التي تعاني منها سوق الحديد، حيث ناقش وزراء المالية الخليجيون فكرة إلغاء الرسوم على الحديد، وتمت الموافقة على ذلك، إلا أنه تم تأجيل تلك الموافقة لاطلاع لجان أكثر على إبعاد ذلك القرار.

وأكد مصطفى جاسم الشمالي، بعد الاجتماع مع وزير المالية الكويتي رئيس الجلسة في اجتماع وزراء المالية في دول الخليج العربي الذي عقد أخيرا في العاصمة الرياض، أن وزراء المالية وافقوا من حيث المبدأ على إعفاء الحديد والإسمنت لكنهم طلبوا مزيدا من التفاصيل المتعلقة، حيث تمت إحالة الملف إلى لجنة التعاون التجاري والصناعي في المجلس للنظر فيه وإبداء المزيد من التفاصيل الفنية المتعلقة ليبت فيه نهائيا.

وكانت سوق الحديد في المملكة تمر بأزمة في العرض والطلب خلال الفترة الماضية، وذلك وسط تأكيدات من متعاملين أن الأزمة تسبب فيها فرق السعر ما بين أسعار الحديد المنتج من قبل الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، والحديد المنتج من قبل المصانع الأخرى.

وبلغ الفرق بين أسعار «سابك» والموزعين 800 ريال (213 دولارا)، مما دفع الطلب إلى حديد «سابك» الذي كان لا يمثل سوى 50 في المائة من حاجة السوق، مما تسبب في إيجاد فجوة بين العرض والطلب.

وكانت أسعار حديد «سابك» تفرق بما لا يقل عن 50 إلى 100 ريال عن أي منتجات أخرى، في الوقت الذي أشار متعاملون أن شركة «سابك» كانت تتصرف بموجب قانون العرض والطلب برفع أو خفض أسعارها اعتمادا على متغيرات الأسعار العالمية، وكانت تواكب المتغيرات وفق أساسيات الاقتصاد الحر، وكانت المصانع الأخرى تحذو حذوها فتتصرف بالطريقة نفسها، وكان هذا الوضع يخلق دوما توازنا تاريخيا مشهودا في السوق السعودية.

وقال أحمد الراجحي عضو مجلس الغرفة التجارية الصناعية أن وصف سوق الحديد حاليا يتمحور في كلمة «استقرار» خصوصا بعد رفع سعر طن حديد «سابك»، مشيرا إلى أن الحديد مر بمراحل متعددة خلال الفترة الماضية تسببت في ارتفاع أسعاره.

ولفت الراجحي الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ترك سعر الحديد لميزان العرض والطلب هو أفضل حل لمنع أي اضطرابات في السوق، خصوصا أن «سابك» لا تتأثر بما يحدث بارتفاع المواد الخام عالميا، كونها تصنع مادتها الخام، الأمر الذي يساهم في التحكم بالسعر النهائي، موضحا أنه عندما حررت السوق نزلت الأسعار وأصبحت السوق مستقرة.

وكان المجلس الاقتصادي الأعلى في السعودية قد اجتمع خلال أبريل (نيسان) الماضي لمناقشة ملف تصاعد أسعار الحديد، وما تعيشه من تطورات وتداعيات، حيث أشارت المصادر إلى أن المجلس ناقش وضع سعر الحديد ودعا إلى ترك الأسعار إلى مؤشر العرض والطلب.

من جهته أوضح فوزان الفوزان مدير المنطقة الوسطى لشركة «الفوزان لمواد البناء» أن فرق سعر بين حديد «سابك» وسعر الموزعين لا يتجاوز حاليا 100 ريال، وهو ما لا يمثل فرقا واضحا، مشيرا إلى أن الأسواق الحالية تعيش نوعا من الهدوء، والابتعاد عن وجود سوق سوداء، خصوصا بعد رفع سعر «سابك».

ودعا الفوزان في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى ضرورة عدم تحديد سعر الحديد لمؤشر العرض والطلب، وهو ما قد يتسبب في حدوث فجوة بين سعر «سابك» وأسعار مصانع الحديد الأخرى، مبينا أن العرض والطلب هو الحل الأمثل لتحديد أسعار منتجات الحديد المختلفة.

وبالعودة إلى الراجحي عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض فإن الحديد يعتبر من السلع الحيوية العالمية، كأي سلعة أخرى كالسكر وغيرها، وهي تتحرك وفقا لتحرك الطلب عليها وعرضها من قبل الأسواق العالمية، موضحا أن أي تحرك عالمي عليها فإن أسعارها ترتفع، وأن أي انخفاض في الطلب عليها فإنها تنخفض.

وتوقع أن تتحرك سلعة الحديد مع تحرك الاقتصاد الأوروبي الذي أعلن عن خطة تحفيز لاقتصاديات عدد من الدول، مشيرا إلى أن التنبؤات حول مستقبل الحديد من الصعب تحديدها في سلعة حيوية كالحديد.

وأضاف إلى أن أسعار الحديد بحاجة إلى أن تواكب الأسعار العالمية، حيث إن الأسعار كانت مرتبطة بقرار يوقفها عند سقف معين، إلا أن إعادة النظر بها خلال الفترة الماضية ساهم في إيجاد توازن بين العرض والطلب مما أوجد هدوءا واستقرارا. وعاد الفوزان ليؤكد أن الطاقات الإنتاجية التصميمية للمصانع المحلية لمنتج حديد التسليح تبلغ 7.25 مليون طن للعام الحالي 2010، في حين يبلغ حجم الاستهلاك المتوقع لهذا العام في حدود 6.25 مليون طن.

ولفت مدير المنطقة الوسطى لشركة «الفوزان» إلى أن الطاقات الإنتاجية الفعلية لا تقل عن 85 في المائة من الطاقات التصميمية، الأمر الذي يفيد بأن الإنتاج الفعلي يعادل حاجة السوق بالحد الأدنى، وأفاد بأن ما أطلق عليها «أزمة الحديد» خلال الفترة الماضية تبدو في ظاهرها نقصا في الحديد بينما هي عكس ذلك.

في حين ذكر مالك مصنع – فضل عدم ذكر اسمه - لـ«الشرق الأوسط» أن الحديد في الغالب يمر بدورات اقتصادية متعددة، مبينا أن ما حدث في ارتفاع الأسعار خلال الفترة الماضية كان نتيجة عاملين، هما ارتفاع أسعار مواد الخام، وتحديد السعر.

وقال «إن العوامل التي تؤثر في أسعار الحديد العالمية تكمن في تقليل التصدير منه وذلك للمحافظة عليه من قبل دول المنشأ، أو في حال وجود تنمية عالية في تلك البلاد، والتي منها تركيا وأوكرانيا»، وأضاف أن من الطبيعي أن يرجع الحديد لسعره الطبيعي عطفا على ما حدث من دورات سابقة.

ويشيد حاليا في السعودية مشاريع ضخمة تتطلب أطنانا كبيرة من الحديد، حيث تعكف على إنشاء مركز الملك عبد الله المالي، بالإضافة إلى بناء وتوسيع جامعات متعددة، كما يعمل القطاع الخاص على بناء مشاريع تجارية وسكنية متنوعة ساهمت في ازدياد الطلب على الحديد، حيث تقدر مصادر حجم السوق بنحو 186 مليار ريال (46.6 مليار دولار) وفقا لكمية الطلب التي تستهلكها السعودية خلال العام الجاري.

وعاد مالك المصنع ليوضح أن الوقت كفيل بإعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعي، مشيرا إلى أن السيناريو تكرر عام 2006 عندما شهدت المملكة تضخما وارتفاع الأسعار بشكل كبير، وبعد الأزمة المالية العالمية عادت الأسعار مرة أخرى إلى طبيعتها.

وأضاف أن «الفرق الموجود ما بين سعر (سابك) وسعر الموزعين هو هامش الربح الذي يحصل عليه الموزع»، إلا أنه وصف الحال في الوقت الحالي إلى الأفضل مما كان عليه في فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين، مبينا إلى أن التوازن سيرجع للسوق خلال النصف الثاني من العام الجاري.

وكانت السوق السعودية سوقا سوداء لبيع حديد التسليح، خصوصا بعد الارتفاع الذي شهدته أسعار الحديد المسلح من قبل الموزعين، في ظل سحب كميات كبيرة من الحديد من قبل شركات المقاولات الضخمة، مما دفع البعض إلى تخزين كميات، وبيعها بأسعار ترتفع بقيمة 300 ريال (80 دولارا) إلى 500 ريال (133 دولارا) للطن الواحد، بالإضافة إلى التحكم في كميات متفاوتة وبيعها إلى المقاولين المحتاجين بتلك الأسعار.