أسعار الحديد تمنع ذوي الدخل المحدود من تشييد مساكنهم الخاصة

عقاريون لـ «الشرق الأوسط» توقف البناء يخفض أسعار الأراضي 5% في جدة

TT

أجبرت الارتفاعات الواضحة في أسعار الحديد الكثير من أصحاب الدخل المحدود على إيقاف مشاريع بناء مساكنهم الخاصة، وذلك في انتظار تغير الظروف، بالإضافة إلى خشية الدخول في معترك بناء يصعب الخروج منه في ظل عدم استقرار أسعار الحديد.

«تحول حلم بناء منزل صغير لأصحاب الدخل المحدود من السعوديين إلى ما يشبه المستحيل»، بهذه الكلمات شكا طلال فهد العبدلي من منسوبي مطار الملك عبد العزيز، معاناته في بناء منزل العمر.

فبعد 10 سنوات من العناء لشراء أرض مناسبة وتوقف المطاف به في منطقة تبعد عن جدة نحو 40 كيلومترا، على أمل وصول العمران إليها خلال السنوات المقبلة، اصطدم طلال بارتفاع أسعار البناء.

يقول العبدلي «توقعت أن تنتهي قصة المعاناة في هذا المكان لأجد نفسي داخلا في نفق آخر أشد ظلمة يتمثل في غلاء أسعار مواد البناء بداية من الحديد، وهو الأمر الذي رفع أسعار مواد أخرى كالخشب والطوب».

ويضيف طلال العبدلي بصوت مرتفع «إلى متى سيسير بنا كبار التجار»، مشيرا إلى أنه قام بتسوير أرضه وبناء غرفة صغيرة بمرفقاتها ليتحول الحلم من منزل إلى استراحة عائليه يقضي فيها نهاية الأسبوع مع عائلته لحين انتهاء أزمة الحديد التي وجد نفسه متورطا فيها على حسب قوله، وذلك كونه فكر في بيعها، ليصدمه أحد العقاريين بالقول «إن أسعار الأراضي انخفضت بسبب ارتفاع أسعار الحديد وتوقف عمليات البناء وتأثير ذلك على سوق العقار».

ولم يكن العبدلي الوحيد في هذا الجانب، حيث يوضح محمد النفيعي «للأسف اتفق ملاك العقارات وتجار الحديد وحطموا كل قواعد السوق أمام المستهلكين الصغار من أصحاب الدخل المحدود، فأصبح حلم البناء أمرا يصعب تحقيقه بسبب الارتفاع المستمر في أسعار الأراضي ومواد البناء»، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة الأخرى، والتي تجعل أمر بناء المسكن مؤجلا إلى ما لا نهاية مع محدودية الراتب والمصروفات اليومية.

وبين النفيعي أنه يعيش مع أسرته على الإيجار منذ 25 عاما، وأضاف «في كل مرة أشعر فيها بأنني اقتربت من حلم بناء المنزل أجد نفسي أمام واقع مرير، أجمع الأموال، وأقتصد في الكثير من الأمور في سبيل تحقيق هذا الحلم، وعندما أبدأ رحلة البناء أجد نفسي تارة مع ارتفاع الأراضي وتارة أخرى مع ارتفاع أسعار البناء ومنها الحديد من دون وجود أي رقيب».

فيما يشير بدر سهيل إلى أن ارتفاع أسعار الحديد ومواد البناء غير خطته في بناء منزل إلى شراء منزل جاهز أو شقة تمليك، وبيع قطعة الأرض التي يملكها ليريح عقله من التفكير في هم البناء، على حد وصفه.

من جهتهم، يفند العقاريون تلك التهم، ويقول عبد الله الأحمري، الخبير العقاري ونائب رئيس اللجنة العقارية السابق في غرفة جدة، إن «تجار الحديد هم المتسببون الحقيقيون في ارتفاع أسعاره في الوقت الحالي، وهو الأمر الذي دفع إلى انخفاض أسعار الأراضي إلى ما يبلغ نحو 5 في المائة وهو أمر طبيعي في مثل هذه الظروف».

ودعا الأحمري إلى أهمية تدخل وزارة التجارة والصناعة لكبح جماح ارتفاع الأسعار وجشع التجار، لعودة السوق إلى ما كانت عليه. وأضاف أن التضخم الحاصل يعد أمرا مهولا، ويؤثر بالدرجة الأولى على محدودي الدخل، وأثر في انخفاض معدل حركة البناء بنحو 30 في المائة.

فيما يؤكد من جانبه عبد الله رضوان، خبير المقاولات رئيس لجنة المقاولين، أن الارتفاع الحاصل في أسعار الحديد في الوقت الحالي في طريقه إلى الانخفاض خلال الشهرين المقبلين، بسبب الإجراءات التي قامت بها الدولة في الوقت الحالي والتي قال عنها إنها ستجبر التجار على إخراج المخزن لديهم.

وأشار رضوان إلى أن سعر الحديد الحالي يبلغ 3 آلاف ريال (800 دولار)، وكان سعره قبل عام 2003 نحو قرابة 950 ريالا (253 دولارا)، وأن المعدل الطبيعي تقريبا يبلغ 1900 ريال (507 دولارات) في الوقت الحالي.

وفيما يخص المواطنين من أصحاب الدخل المحدود، أكد رضوان أن الحل في التعاقد مع المقاولين والاستشاريين المتخصصين، مبينا في هذا الصدد أن الكثير من المقاولين يلجأون إلى البناء بزيادة كمية الحديد والخرسانة أو ما يطلق عليه الهالك بنحو 35 في المائة من المطلوب، لتجاوز الأخطاء في التصميم، وبإمكان المقاولين الاستغناء عن تلك الكميات وهي كمية ليست بالبسيطة وستخفض عليهم الكثير من التكاليف خصوصا للمنازل ذات الدور الواحد.

* محطات في أزمة الحديد

* 2002: سجلت أسعار الحديد في السوق السعودية ارتفاعات متعددة، وكانت الأسباب ترجع إلى ارتفاع أسعار الحديد العالمي.

2003: نقص حديد التسليح في السوق السعودية يتسبب في ارتفاع أسعار الحديد نتيجة زيادة الطلب المفاجئ بنسبة تتراوح بين 6 و7 في المائة، وتوجه بعض المصانع الأخرى لخفض إنتاجها، أو تحويل خطوط الإنتاج إلى صناعات بديلة بالإضافة إلى ارتفاع أسعار حديد التسليح في الأسواق المجاورة.

2004: ارتفاع الأسعار في السوق السعودية، وذلك بعد تحول صناعة الحديد من الصناعات العالمية الاستهلاكية، حيث تتحدد أسعارها بالطلب العالمي، وسجل الطلب ارتفاعا في أسواق الصين وأوروبا انعكس على دول الخليج.

2005: أسعار الحديد تنخفض نتيجة الانخفاض العالمي للطلب على الحديد مع ترقب طويل خلال العام.

2006: ارتفاع تكاليف الشحن البحري بنسب وصلت إلى نحو 27 في المائة، وزيادة حجم الطلب على الحديد في عدد من الدول، أسهما في ارتفاع الأسعار.

2007: ارتفاع أسعار الحديد بسبب ضعف سعر صرف الدولار مقابل عملات الدول المنتجة وعلى رأسها الصين، وارتفاع تكلفة الشحن البحري دوليا، بجانب زيادة الطلب العالمي.

2008: السعودية تعلق تصدير الحديد لإعادة ترتيب وضع صناعة الحديد بحسب ما ذكرته وزارة التجارة، وموجة الصعود إلى سياسة احتكارية تمارسها بعض المصانع دفعت إلى ارتفاع الأسعار المحلية في معدن الحديد.

2009: وزارة التجارة تعيد تصدير الحديد وفق ضوابط محددة، والطلبات الكبيرة التي سجلت منذ بداية العام لشراء الحديد، متواكبة مع المشاريع الحكومية التنموية ومشاريع القطاع الخاص رفعت أسعار الحديد.

2010: وزارة التجارة السعودية تهدد المتلاعبين في أسعار الحديد بالعقوبات، و«سابك» ترفع أسعار الحديد لتتوازن مع الأسعار العالمية وتعيد تحرير السوق إلى العرض والطلب.