مخاوف عالمية من إعادة هيكلة ديون دول من منطقة اليورو تعرض الاقتصادات الأوروبية لضغوط تعيق تقدمها

العملة الأوروبية تتراجع إلى أدنى مستوياتها في 4 أعوام

فشلت حزمة إنقاذ اليونان في تهدئة مخاوف أسواق المال الأوروبية والأميركية حتى الآن
TT

بعد الإعلان الأسبوع الماضي عن مساعدات إنقاذ تبلغ قيمتها قرابة تريليون دولار لأوروبا، تتبدى مخاوف مجددة داخل الأسواق المالية، وهذه المرة بسبب الخشية من أن تواجه المصارف الأكبر داخل القارة الأوروبية ضغوطا تعيق الاقتصادات الأوروبية.

وفي إشارة إلى مستوى الشعور بالقلق، تراجع اليورو يوم الجمعة إلى أقل مستوى له منذ عمق الأزمة المالية، حيث ينأى المستثمرون بأنفسهم عن العملة والأسهم ويتحولون إلى الذهب وأصول أخرى يرون أنها أكثر أمنا.

وخلال عمليات التداول مطلع يوم الاثنين، تراجع اليورو مرة أخرى، ليصل إلى أقل مستوى خلال 4 أعوام في مقابل الدولار.

وخلال مقابلة أجريت معه ونشرت يوم السبت، حذر رئيس المصرف المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه من أن أوروبا تواجه «ضغوطا خطيرة».

وبالنسبة للمصارف الأوروبية، فإن المشكلات مضاعفة، حيث ترتفع تكلفة الاقتراض القصير الأجل. ويمكن أن يدفع ذلك المؤسسات إلى الحد من القروض الجديدة والمطالبة بسداد القروض القديمة، الأمر الذي سيعيق نمو الاقتصاد. وفي نفس الوقت، تحوز مؤسسات تبدو آمنة باقتصادات أكثر قوة، مثل فرنسا وألمانيا، كميات كبيرة من السندات الخاصة بجيرانهم الأضعف، مثل إسبانيا والبرتغال واليونان.

ويخشى مستثمرون من أنه مع معاناة الكثير من الحكومات تحت وطأة عجز كبير، سيتعين إعادة هيكلة ديون الدول الأضعف التي تستخدم عملة اليورو، وسيقلل ذلك من قيمة سنداتهم بدرجة كبيرة. وسيلحق هذا ضررا كبيرا بالمؤسسات المالية الأوروبية، وربما يؤثر ذلك على النظام المصرفي العالمي.

وقد تراجعت البورصات وأسهم المصارف داخل أوروبا يوم الجمعة على ضوء هذه المخاوف، وحدث نفس الأمر داخل «وول ستريت». وتراجعت الأسهم أيضا في طوكيو وأستراليا خلال عمليات التداول المبكرة يوم الاثنين.

ويقول نيال فيرغسون، وهو مؤرخ اقتصادي في جامعة هارفارد: «لا تهدف حزم الإنقاذ إلى مساعدة اليونانيين، ولكنها تهدف إلى مساعدة المصارف الفرنسية والألمانية. إنهم يضعون بعض الماء على النار، ولكن لم تُطفئ النار حتى الآن».

وتهدف خطة الإنقاذ الأوروبية، التي تبلغ قيمتها في المجمل 750 مليار يورو، إلى تجنب مخاطر التخلف عن السداد، ولكنها ستؤدي إلى زيادة الاقتراض بدرجة كبيرة. وربما يعيق ذلك الانتعاشة الاقتصادية داخل أوروبا.

وفي الواقع، فإن السبب الرئيسي الذي يقف وراء المشكلة هو الديون الكبيرة بصورة مبالغ فيها. ويحذّر تقرير جديد لصندوق النقد الدولي من أن «المعدلات المرتفعة من المديونية العامة يمكن أن تؤثر على النمو الاقتصادي لأعوام».

ويبلغ عجز الميزانية في العالم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي حاليا 6 في المائة، بالمقارنة مع 0.3 في المائة فقط قبل الأزمة المالية. وإذا لم يتم تخفيض الدين العام إلى المستويات التي كان عليها قبل الأزمة، يقول يمكن أن يتراجع النمو في الاقتصادات المتقدمة بنسبة نصف نقطة مئوية سنويا، حسب ما يوضحه تقرير صندوق النقد الدولي.

ومما لا شك فيه، فإن كافة الاتجاهات ليست سلبية. وسوف تؤدي القيمة الأقل لليورو في الواقع إلى جعل الصادرات الأوروبية – سواء كانت سيارات ألمانية أو جلدا إيطاليا – تتمتع بقدرة تنافسية بمختلف أنحاء العالم لأن أسعارها ستكون في المتناول بمقدار أكبر. واتخذت اليونان وإسبانيا والبرتغال الخطوات الأولى الأسبوع الماضي صوب تطبيق إجراءات تقشفية تؤدي إلى تقليل العجز في الميزانية.

ولم تكن هذه الإجراءات كافية لمنع فورة في صناديق سوق المال، التي تمثل ركيزة حيوية داخل النظام المالي ولكنها لا تحظى باهتمام كبير، حيث يقدم المستثمرون الأميركيون أكثر من 500 مليار دولار في صورة قروض قصيرة الأجل لمساعدة المصارف الأوروبية على تمويل عملياتها اليومية.

وتأتي الأموال من صناديق محافظة تحوز مدخرات المؤسسات الأميركية الكبرى والمستهلكين الأميركيين الأفراد.

وحتى الوقت الحالي، فشلت حزمة الإنقاذ المقترحة في تقليل المخاوف داخل هذه الصناديق، التي حدت من القروض إلى المصارف الأوروبية وتطالب بمعدلات أعلى وسداد في وقت أقرب.

ويقول لوو كراندال، الاقتصادي الرئيسي في شركة «ريتسون إي سي إيه بي» لأبحاث سوق المال: «يتخذ الكثير من الناس قرارات بخصوص الانسحاب من السوق والحفاظ على الأموال».

وفي البداية، لم يهتم المقرضون الأميركيون بالمصارف اليونانية والبرتغالية، ولكن خلال الأسبوعين الماضيين سعت مصارف كبرى داخل إسبانيا وأيرلندا وإيطاليا لضمان الحصول على تمويل قصير الأجل من الولايات المتحدة بينما كانت حالة القلق تستشري.

وبحلول يوم الجمعة، كانت بنوك داخل اقتصادات أوروبية قوية مثل فرنسا وألمانيا وهولندا تعاني هي الأخرى، حسب ما أشار إليه محللون ومتداولون في السوق. ويقول ألكس روفر، وهو محلل دخل ثابت قصير الأجل لدى «جي بي مورغان للأوراق المالية»: «ينتظر المستثمرون ليروا هل يمكن تطبيق حزمة الاستقرار. وسنبقى في مأزق إلى أن يشعر المستثمرون بأن الوضع أفضل».

وبسبب تراجع المقرضين الأميركيين، كان المعدل الذي تفرضه البنوك بعضها على بعض في قروض الليلة الواحدة، المعرف «الليبور» (سعر الفائدة السائد بين المصارف في لندن)، يزيد بصورة مستمرة. ويتجاوز أهمية الليبور أوروبا، فهو مؤشر يساعد على تحديد معدلات الفائدة على الكثير من الرهون العقارية وكروت ائتمان يحوزها مستثمرون أميركيون.

ولا تزال معدلات الاقتراض المصرفي أقل من المعدلات التي كانت عليها في ذروة الأزمة. وقد دفعت المخاوف من أن المشكلات داخل أوروبا يمكن أن يكون لها صدى داخل الولايات المتحدة «الاحتياطي الفيدرالي» (المصرفي المركزي الأميركي) إلى إعادة استئناف خطوط ائتمان للمصرف المركزي الأوروبي ومصارف مركزية أخرى بالتزامن مع حزمة الإنقاذ الأوروبية التي أعلن عنها قبل أسبوع.

وضمنت الخطوة أن المؤسسات الأوروبية ستكون قادرة على اقتراض الدولارات لإقراض عملائها، ولكن هذا أكثر تكلفة من الاعتماد على مستثمرين من القطاع الخاص.

وقال نارايانا كوتشرلاكوتا، رئيس المصرف الاحتياطي الفيدرالي في مينابوليس، إلى مجموعة من أصحاب الشركات الصغيرة داخل ويسكنسن يوم الخميس: «لا نفعل ذلك بسبب حب أوروبا، فنحن صناع سياسات داخل أميركا ونتخذ قرارات من أجل المحافظة على الاقتصاد الأميركي قويا»، ولكنه قال: «تظهر مشكلات السيولة داخل الأسواق الأوروبية مشكلات سيولة خطيرة داخل الأسواق المالية ببلدنا».

وليس هذا هو الدومينو الوحيد الذي يمكن أن يقع.

وعلى الرغم من أن عرضة المصارف الأميركية مباشرة لليونان ضعيفة، فإن المؤسسات المالية الأميركية متشابكة مع الكثير من المصارف الأوروبية الضخمة، التي لديها استثمارات كبرى داخل دول أوروبية أضعف.

وعلى سبيل المثال، تدين مصارف برتغالية بـ86 مليار دولار إلى مصارف مناظرة داخل إسبانيا، التي تدين لمؤسسات ألمانية بـ238 مليار دولار ولمصارف فرنسية بـ220 مليار دولار. كما أن بعض المصارف الأميركية تمتلك ديونا مصرفية في إسبانيا، وتحوز على قرابة 200 مليار دولار، حسب ما أفاد به بنك التسويات الدولية، وهو منظمة عالمية تخدم المصارف المركزية.

وعلاوة على ذلك، يجد صناع السياسات المالية أنفسهم يستهلكون الأدوات المتاحة لهم. فبعد اقتراض تريليونات من أجل تحفيز اقتصاداتها وتقليل المخاوف المرتبطة بالائتمان خلال الموجة الأخيرة من الخوف في نهاية 2008 ومطلع 2009، لا يمكن للحكومات أن تقترض تريليونات إضافية من دون المخاطر بتضخم أكبر. ولا يمكن تقليل أسعار الفائدة القصيرة الأجل، التي تقترب من الصفر بالفعل داخل الولايات المتحدة، لمعدلات أقل. ويمكن أن تقضي إجراءات حيوية مثل رفع الضرائب أو تقليل الزيادات في الإنفاق على انتعاش اقتصادي ناشئ داخل أوروبا الشمالية، لتزيد المشكلات داخل اقتصادات تعاني من الركود مثل إسبانيا، التي تجاوزت معدلات البطالة فيها 20 في المائة.

وكتب ويليم بويتر، الاقتصادي البارز في «سيتي غروب»، في تقرير صدر مؤخرا، إنه باستثناء وقت الحرب فإن «التمويل العام بمعظم الدول الصناعية المتقدمة يشهد أسوأ وضع منذ الثورة الصناعية». وأضاف: «ستكون استعادة التوازن المالي عبئا على النمو خلال الأعوام المقبلة».

* خدمة «نيويورك تايمز»