ارتفاع معدل التضخم يثير شجون البريطانيين نحو ماضيهم الاقتصادي العتيد

سجل 3.7% بينما النسبة المستهدفة من قبل الحكومة هي 2% فقط

TT

أظهرت بيانات رسمية أمس، أن معدل التضخم في بريطانيا سجل ارتفاعا خلال الشهر الماضي أبريل (نيسان) بدرجة أكبر من المتوقع ليسجل أعلى مستوياته خلال 17 شهرا. فقد سجل المعدل 3.7% بينما النسبة المستهدفة من قبل الحكومة هي 2% فقط. حيث يعتبر الارتفاع الأخير مزعجا للحد الذي اضطر محافظ بنك إنجلترا المركزي، ميرفين كينغ، أن يرسل رسالة إلى وزير الخزانة الجديد جورج أوزبورن ينبهه فيها للأمر ويشرح أسباب الارتفاع.

ومنذ أن أصبح بنك إنجلترا المركزي مستقلا عن وزارة الخزانة عام 1997 اضطر محافظ البنك مخاطبة وزير الخزانة بشأن التضخم 6 مرات فقط، وهذه هي المرة السابعة خلال 13 عاما. غير أن السنوات العشر الأولى كانت خالية من هذه الخطابات عندما كان الاقتصاد البريطاني يشهد فترة طويلة من الانتعاش المتواصل إبان تولي غوردن براون (رئيس الوزراء الذي استقال الأسبوع الماضي) وزارة الخزانة. وفي آخر عهده كوزير، وقبل أن يصبح رئيسا للوزراء، بلغ معدل التضخم 3.1% عام 2007 مما جعل محافظ البنك المركزي يرسل رسالته الأولى للوزير براون شارحا خطورة الوضع. وبعد أن تولى براون رئاسة الوزراء أرسل كينغ 5 رسائل للوزير الذي خلف براون لمدة عامين، أليستر دارلينغ. ويقضي القانون البريطاني بأن يخاطب محافظ البنك المركزي الوزير كتابة كلما ارتفع معدل التضخم بنسبة أكثر من 1% عن المعدل المستهدف من قبل الحكومة. ويحسب الاقتصاديين فإن معدل التضخم في بريطانيا عبر واحدٍ من مقياسين: مؤشر أسعار المستهلك الذي تفضله الحكومة، أو مؤشر أسعار التجزئة. ويتضمن الأول أسعار السلع الأساسية والكهرباء والإسكان والغذاء والمواصلات، بينما يشمل الأخير عددا أكبر من السلع بالإضافة إلى أقساط القروض العقارية ويعتبره البعض مقياسا أشمل لمعدل التضخم، وهو أيضا ما تستخدمه نقابات العاملين في التفاوض حول زيادة الأجور لمواكبة نسبة التضخم. غير أن هذا المؤشر نفسه أيضا ارتفع في الشهر الماضي إلى 5.3% ليسجل أعلى معدل له منذ 18 عاما.

وفي رسالته لوزير الخزانة عزا محافظ البنك المركزي الارتفاع في معدل التضخم إلى الزيادة في أسعار البترول وضعف سعر صرف الجنيه الإسترليني وزيادة ضريبة القيمة المضافة من 15% إلى 17.5%. وتوقع أن تستمر نفس هذه العوامل في ارتفاع التضخم لبقية العام الحالي، لكنه يتوقع أن يبدأ المعدل في الانخفاض بدءا من عام 2011. وفي رده على الرسالة طلب وزير الخزانة الجديد جورج أوزبورن من البنك المركزي مساعدته في محاولة تضمين أسعار العقارات في مؤشر أسعار المستهلك (CPI) الذي تعتمده الحكومة في حساباتها.

أما المستثمرون في البورصة فقد عبروا عن صدمتهم بالأرقام الجديدة، إذ قال ستيفن لويس من شركة «مونيومنت سكيورتيز» المالية إن «معدلات التضخم بحساب المؤشرين، المستهلك أو التجزئة، قد صدمت الأسواق المالية لأنها جاءت مرتفعة أكثر كثيرا من التوقعات». وأضاف «يبدو أن الشركات رفعت أسعارها لكي تحصل من المستهلكين على ما لم تستطع أن تحصل عليه من البنوك». وظل معدل التضخم منذ بداية العام الحالي أعلى من المعدل المستهدف، إذ سجل في يناير (كانون الثاني) 3.5%، ثم 3% في فبراير (شباط)، و3.4 في مارس (آذار)، وأخيرا 3.7% في الشهر الماضي.

ويراقب البريطانيون ما يحدث في اليونان من أزمة اقتصادية حادة ويشيرون إلى أن هذه الأزمة قد تلحق بهم إذا استمر الوضع السيئ لاقتصادهم.

ورغم أن الحقائق والأرقام تضع بريطانيا في مرتبة بعيدة عن اليونان، فإن البريطانيين يتطلعون إلى ماضيهم عندما كانت إمبراطوريتهم تسيطر على الاقتصاد العالمي ويقارنون ذلك بوضعهم الحالي.

لكن ما حدث خلال الـ25 سنة الماضية أعاد لبريطانيا الحديثة كثيرا من قوتها الاقتصادية القديمة. وحسب بعض المقاييس (أي حسب قيمة الصادرات كنسبة مئوية من إجمالي الناتج القومي) فإن بريطانيا اليوم، رغم أنها الاقتصاد الرابع في العالم، فإن إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد أعلى من مثيلاتها في كل من ألمانيا وفرنسا، فضلا عن أن نسبة البطالة تعتبر ثاني أقل نسبة بين دول الاتحاد الأوروبي رغم الزيادة التي أعلنت الشهر الماضي. وتمتاز بريطانيا تاريخيا بانفتاح اقتصادها على العالم. فقد كان المستثمرون البريطانيون من أكثر المغامرين في الأسواق الأجنبية. واليوم يعود المستثمرون الأجانب إلى بريطانيا لتصبح ثاني أكبر قبلة للاستثمار الأجنبي المباشر، بعد الولايات المتحدة. كما أن بريطانيا كانت من أنجح الدول الغربية في إعادة هيكلة اقتصادها وتخليها عن الصناعات الثقيلة التقليدية (التي تتولاها الآن الدول الناشئة صناعيا كالصين والهند والبرازيل) من أجل الصناعات الحديثة مثل الإلكترونيات والعقاقير والمعارف الطبية والبحوث، وبالطبع الخدمات المصرفية وتحرير الأسواق المالية. ومن أجل هذا الهدف فقد نجحت في إعادة تأهيل قواها العاملة بحيث تفوقت على ألمانيا وفرنسا في هذا المجال.