مع ازدياد وتيرة السقوط.. اليورو لم يعد التجربة الأكثر طموحا في العالم

محللون: الانخفاض المستمر للعملة الأوروبية خلال الأشهر المقبلة أمر لا مفر منه

TT

قد يكون من المقدر لليورو، الذي كان في يوم من الأيام عملة قوية وانخفض إلى أدنى مستوى له في أربعة أعوام مقابل الدولار يوم الاثنين الماضي، مواصلة الانخفاض سواء استطاع القادة الأوروبيون احتواء أزمة الديون المثيرة للقلق أم لا.

وتعافى اليورو من انخفاض عميق في قيمته في التداول الآسيوي يوم الاثنين، حيث أقفل بانخفاض 0.2 في المائة لتبلغ قيمته 1.239 مقابل الدولار. لكن بعد انخفاض قيمته بمقدار 4 في المائة تقريبا مقابل الدولار على مدار الأسبوع الماضي، يقول محللون إن الانخفاض المستمر لليورو على مدار الأشهر المقبلة قد يكون أمرا لا مفر منه نظرا للاضطرابات الاقتصادية التي تجتاح المنطقة.

وبافتراض عدم وجود نشاط كامل، قد لا يكون هذا الانخفاض بهذه الدرجة من السوء بالنسبة لأوروبا، فقد تجعل العملة، وهي أكثر ضعفا، السيارات الألمانية «بي إم دبليو» والمنتجات الإسبانية أرخص في الأسواق الخارجية، مما يعزز الطلب. وعلى نفس المنوال قد تجعل القيمة المرتفعة للدولار المنتجات الأميركية أقل قدرة على المنافسة.

وبالنسبة إلى أوروبا فإن الخطر الحقيقي لم يأتِ بعد. فإذا ازدادت وتيرة سقوط اليورو فقد يبدأ المستثمرون التشكيك في جدوى ما كان يُنظر إليه على أنه التجربة النقدية الأكثر طموحا في العالم، عندما تم تطبيقها قبل 11 عاما. وقد يكون هناك ضغوط من أجل إخراج أعضاء من منطقة اليورو، التي تشمل 16 دولة، ما لم يستطيعوا استعادة النظام إلى أوضاعهم المالية، على الرغم من أنه لا توجد آلية في الفترة الراهنة لفعل ذلك.

وقال جان فولي، مدير الأبحاث في موقع «فوريكس» (Forex.com) في لندن: «حتى الآن لا توجد أية ضمانات على أن اليورو يستطيع الخروج بنجاح من هذه الأزمة. وبغض النظر عن الكيفية التي تسير بها الأمور، فإن اليورو من المحتمل أن يعاني في المستقبل».

وكان السبب وراء سقوط اليورو هو المخاوف من أن المشكلات التي تواجهها اليونان في الفترة الحالية، في ظل ديونها المتزايدة، ستنتقل إلى بلدان أخرى في المنطقة، تشمل إسبانيا والبرتغال. ولتهدئة هذه المخاوف ودعم اليورو أنشأ الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي صندوقا بقيمة تريليون دولار لمساعدة الحكومات على مواجهة العجز الهائل في الميزانيات لديها وتجنب التعثر في سداد الالتزامات للمستثمرين.

وبالإضافة إلى ذلك، وافق البنك المركزي الأوروبي على شراء ديون الدول التي تعاني من الأزمة؛ وقال يوم الاثنين إنه كفل بالفعل 20 مليار دولار من الديون منذ الأسبوع الماضي.

ومع ذلك تتوقف خطة الإنقاذ على اليونان وغيرها من الدول التي تخفض من الإنفاق الحكومي. وقد يساعد ذلك هذه الدول على سد الثغرات في ميزانياتها، لكن من المحتمل أن يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي ويزيد معدلات البطالة.

وفي ظل التوقعات بأن أوروبا لن تشهد سوى نمو منخفض العام الحالي، يخشى بعض المحللين من أن التخفيضات الجديدة قد تدفع المنطقة مرة أخرى إلى حالة من الركود، مما يتسبب في تراجع متواصل في قيمة اليورو.

وبالعكس، إذا عجزت الدول خلال الأزمات عن تقديم تخفيضات مؤلمة - مستسلمة لضغوط شعبية ولاتحادات العمال - فيمكن أن يتراجع اليورو بمقدار أكبر. وستضطر دول مثل اليونان إلى التخلف عن سداد المستثمرين، وهو ما سيضغط على صناديق المعاشات والمصارف المتعثرة، ولا سيما داخل ألمانيا وفرنسا، التي تحوز مقدارا كبيرا من ديونها. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى أزمة مصرفية أخرى مثل تلك التي ظهرت عقب انهيار «ليمان براذرز» في نهاية 2008، ولكن سيتركز الأمر هذه المرة داخل أوروبا.

ويقول هوارد أرتشر، الاقتصادي البارز المختص بالشؤون الأوروبية لدى «آي إتش إس غلوبال إنسيت» في لندن: «اليورو في الوقت الحالي محصور بين صخرة ومكان صلب، ومن الصعب التعرف على وسيلة يستطيع من خلالها إخراج نفسه من هذا الوضع غير المريح، على المدى القريب على الأقل». وتعكس قوة العملة مدى قوة الدولة وإلى أي مدى يمكن الاعتماد عليها. وفي حالة اليورو يرتبط الأمر بالكثير من الدول التي تستخدمه كعملة. ومن بين المشكلات الكبرى المرتبطة بالعملة العجز الكبير داخل منطقة اليورو، التي توجد بها اقتصادات كبرى مثل ألمانيا واقتصادات بسيطة مثل اليونان. ويوم الأحد أقرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن التريليون دولار ستعطي المنطقة مجرد مساحة من الوقت للتوفيق بين هذه الاختلافات، ولا سيما عندما يرتبط الأمر بالعجز لدى الحكومات. وتضغط ألمانيا على جيرانها من أجل تبني ميزانية متوازنة على غرار ميزانية العام الماضي، ووضعت قيدا صارما على عجزها القومي.

ومع ذلك فإنه لن يكون من السهل التقريب بين الاختلافات التي تتعلق بأكثر من دولة، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أنه يوجد خلاف واسع حول قدرة الاتحاد الأوروبي تنفيذ قيود مالية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»