صندوق النقد الدولي يسعى إلى دور جديد وسلطات أوسع

بعد فشله في توقع أكبر أزمة مالية في التاريخ

TT

في أعقاب فشله في توقع أكبر أزمة مالية في تاريخه، يرغب صندوق النقد الدولي في نيل سلطات أكبر لتفحص الشركات الفردية لكشف ما إذا كانت تشكل نمطا من المخاطر واسعة النطاق على غرار تلك التي أصابت الاقتصاد العالمي بالشلل عام 2008، أم لا.

وستمثل السلطات الجديدة التي يطالب بها مسؤولو صندوق النقد الدولي تحولا مهما من الدور التقليدي للصندوق الدائر حول تحليل ومساعدة الاقتصاديات الوطنية نحو العمل كجهة إشرافية عالمية، خاصة فيما يتعلق بالشركات التي يعتقد أنها مترابطة بدرجة بالغة في مختلف أرجاء العالم بحيث يمكن لانهيارها تقويض الاقتصاد.

كانت الأحداث التي شهدها العامان الماضيان - وتسببت في إطارها مشكلات سوق العقارات الأميركية في أعمق حالة انكماش اقتصادي منذ «الكساد العظيم» - قد أقنعت مسؤولي صندوق النقد الدولي بأن قدرتهم على مراقبة مثل هذه المؤسسات قد تراجعت.

في هذا الصدد، صرح دومينيك ستراوس كان، المدير الإداري للصندوق، خلال مقابلة أجريت معه هذا الأسبوع «نحن بحاجة لمعرفة المزيد عن هذا الأمر، ومن أجل تحقيق هذا نحتاج إلى مزيد من البيانات، بما في ذلك تلك المرتبطة بعدد قليل نسبيا من المؤسسات المالية الضخمة المنظمة. تدور مسؤولية الصندوق حول مراقبة الدول، لكن هناك مؤسسات اليوم في حجم، أو ربما أكبر من، الكثير من الدول. كيف يمكن أن نمارس رقابة عالمية من دون توافر بيانات حول ما يدور في مثل هذه المؤسسات المالية الضخمة؟».

وتشكل هذه الفكرة جزءا من مناقشة دائرة حول دور صندوق النقد الدولي فيما بعد الأزمة المالية العالمي، وهو نقاش أدى بالفعل إلى توسع تاريخي في الأموال المتوافرة لدى الصندوق، إضافة إلى عقد نقاش حول سبل إمداد الدول المتعثرة بقدرة أسرع على الحصول على العون، وتجدد الاهتمام بدور الوكالة في التحذير المبكر من الأزمات.

حاليا، يعكف مسؤولو الصندوق على مراقبة الرسوم البيانية التي جرى جمعها بخصوص دول بمختلف أرجاء العالم لأغراض عدة منها محاولة التعرف على الدول التي تتحرك نحو «منطقة الخطر»، مثلما حدث مع اليونان مؤخرا.

بيد أن التوسع المقترح في الدور الرقابي للصندوق ربما يثير جدلا كبيرا، مع إعراب ممثلي الصناعة المالية عن قلقهم حيال انتهاك خصوصية البيانات والإفراط في القيود التنظيمية، حتى في الوقت الذي يعتقد فيه خبراء اقتصاديون وغيرهم أن توجيه اهتمام أكبر «للمخاطر المنظمة» يعد واحدا من أهم الخطوات اللازمة في أعقاب الأزمة المالية العالمية الأخيرة. الملاحظ أن التقارير الصادرة عن الصندوق مؤخرا لم تحدد أنماط الشركات التي يبغي الصندوق فرض رقابة أوثق عليها. إلا أن مصارف كبرى مثل «سيتي بنك»، ومؤسسات أخرى على صلة بالرهن العقاري، مثل «فاني ماي»، وشركات تأمين ضخمة مثل «إيه آي جي» جرى وصفها باعتبارها «أكبر من أن يسمح بانهيارها» - وهي فكرة يفضل مسؤولو الصندوق وصفها بعبارة «أكثر تداخلا من أن يسمح بانهيارها».

من ناحيته، قال واين أبرناثي، النائب التنفيذي لرئيس سياسات المؤسسات المالية في اتحاد الصيارفة الأميركيين «نواجه مشكلات خطيرة في هذا الشأن. من حين لآخر، سعى صندوق النقد الدولي للتوسع إلى ما وراء حدود مسؤولياته المرتبطة بالتعامل مع قضايا اقتصادية معينة على مستوى العلاقات بين دولة وأخرى، وعادة لم يكن يتحرك لمسافة بعيدة لأن هذا غير منصوص عليه في ميثاقه أو يقع داخل نطاق اختصاصه».

الواضح أن المقترح الجديد نابع من جهود بحث عن الذات أجراها صندوق النقد الدولي بعد فشله في التحذير من أخطر تراجع اقتصادي منذ إنشائه. وحدد مسؤولو الصندوق الكثير من العوامل الديناميكية التي أسهمت في الأزمة، بما فيها معدلات العجز عن سداد الديون بين أصحاب الرهون العقارية مرتفعة المخاطر، والتداعيات المركبة التي أعقبت ذلك. لكن المخاطر جرت الإشارة إليها على نحو واهن.

في «تقرير الاستقرار المالي العالمي» لعام 2007، خلص الصندوق إلى أنه «جرى قصر الضعف على قطاعات معينة من سوق الرهون مرتفعة المخاطر.. ومن غير المحتمل أن يشكل تهديدا منظما خطيرا».

في إعلانه عن المخاطر، قال ستراوس كان «لم نكن صريحين بما يكفي»، مشيرا إلى أن توسيع سلطة الصندوق لإتاحة مزيد من المعلومات عن الشركات أمامه سيسمح لمسؤوليه بتفهم كيفية ترابط الشركات على نحو أفضل والنقاط التي تظهر عندها المخاطر.

وقال ستراوس كان «إذا كنا جادين بشأن عملية المراقبة، فينبغي أن نحظى بالأدوات التي تمكنا من التكيف مع حقيقة أن العالم المتعولم القائم اليوم مختلف عن عالم (بريتون وودز) عام 1944»، في إشارة إلى اتفاق إنشاء صندوق النقد الدولي.

جدير بالذكر أن صندوق النقد الدولي يتلقى بيانات ومعلومات اقتصادية حول الشؤون المالية الحكومية من دول مختلفة، ويحصل على معلومات أخرى كجزء من «برنامج تقييم القطاع المالي» التابع له، وهو برنامج تطوعي يرمي لمساعدة الدول على مراقبة مدى سلامة ومتانة مؤسساتها المالية. إلا أنه في ظل قواعد صندوق النقد الدولي الراهنة، فإن «الدول الأعضاء غير ملزمة بتقديم معلومات مفصلة على نحو يكشف شؤون الأفراد أو الشركات المالية»، حسبما أوضح تقرير صدر مؤخرا عن الصندوق حول فكرة أهمية إتاحة مزيد من المعلومات أمام الصندوق.

وسيكون من الضروري الموافقة على مثل هذا التغيير من جانب مجلس الإدارة التنفيذية للصندوق المؤلف من دول تتولى تمويل الصندوق وتشارك في برامجه. بيد أن الجزء الأكبر من المقترح يتوافق مع واحد من الدروس الرئيسية التي انطوت عليها الأزمة المالية الأخيرة، وهو أن ترابط الشركات وشبكات استثماراتها يمكن أن يحمل القدر نفسه من الأهمية مثل المعلومات الواردة بميزانياتها أو التي تقدم إلى الجهات التنظيمية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»