انفتاح اليونان على العالم العربي لمواجهة أزمتها المالية

5 دول عربية تعلن تضامنها معها

TT

في أقل من أسبوع توافد على العاصمة اليونانية أثينا الكثير من الوفود العربية رفيعة المستوى، في إعلان تضامني مع اليونان لمواجهة أزمتها المالية الحالية. وفي مقدمة الوفود زيارة الرئيس المصري حسني مبارك برفقة 5 وزراء مؤكدا على التضامن المصري مع اليونان، حيث طلب من الجهات المسؤولة دعم وزيادة التبادل التجاري والاستثماري مع أثينا. كما وصل أيضا إلى هنا (إلى أثينا) البغدادي المحمودي رئيس الوزراء الليبي الذي قال: «لدينا الإرادة السياسية في دعم اليونان ومساعدتها في الخروج من الفترة الصعبة التي تمر بها».

كما زار اليونان أيضا رئيس وزراء وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، ووقع على 5 اتفاقيات تجارية واستثمارية. وصرح بأن بلاده رصدت 5 مليارات يورو للاستثمار في اليونان، كما سبقه أيضا زيارة وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان الذي أعرب عن أهمية تعزيز العلاقات بين البلدين، خاصة في المجالات السياحية والثقافية والطاقة المتجددة.

وكان رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو قد شارك في المنتدى الاقتصادي الثامن عشر الذي عقد في العاصمة اللبنانية بيروت. ودعا من هناك رجال الأعمال العرب للقدوم إلى أثينا والاستثمار في بلاده التي تمر بأزمة اقتصادية حادة، مؤكدا أن حكومته تتخذ تدابير جذرية من أجل تحسين شروط الاستثمار والأعمال. وقال باباندريو في المنتدى: «إن اليونان تتغير بشكل سريع ونحن مصممون (على المضي في هذا التغيير) وندعوكم إلى زيارة اليونان والاستثمار فيها والعمل معها في مشاريع مشتركة في المنطقة من أجل مستقبل أفضل لبلادنا كلها»، وجاءت زيارة باباندريو إلى لبنان في أول زيارة خارجية له إلى العالم العربي منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ورحب رئيس الوزراء اليوناني باباندريو بالاستثمارات العربية في اليونان، ودعا إلى المشاركة في المنتدى الاقتصادي العربي - اليوناني الثالث الذي سيعقد في أثينا خلال شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. مشيرا إلى أنه يهدف إلى تفعيل وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين العالم العربي واليونان، كما يهدف إلى دراسة الواقع الحالي والآفاق المستقبلية في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، والتعرف على الفرص التجارية والاستثمارية والسياحية المتاحة للطرفين.

وعن التضامن العربي مع اليونان، فقد أعربت ليبيا، تحديدا، عن استعدادها لمساعدة اليونان في الخروج من الأزمة المالية التي تمر بها وفي تعزيز التعاون الثنائي في مجال الطاقة والطاقة الخضراء وإنتاج الكهرباء والسياحة، إضافة إلى زيادة الاستثمارات الليبية في اليونان، وقال البغدادي إثر اجتماعه مع رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو إن بلاده تشهد نموا اقتصاديا كبيرا وإنها على استعداد للتعاون مع اليونان. وأكد باباندريو من جهته أن المباحثات مع نظيره الليبي تطرقت إلى آفاق جديدة للتعاون بين البلدين.

وعقدت جلسة مباحثات ليبية - يونانية حضرها أمين اللجنة الشعبية العامة للتخطيط والمالية، وأمين الشؤون الأوروبية باللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي، ورئيس ونائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للاستثمار، ونظراؤهم من الجانب اليوناني، وقد ركزت هذه الجلسة على التعاون بين الجانبين في مختلف المجالات.

أما زيارة الرئيس المصري حسني مبارك لليونان، التي تعتبر أول زيارة لرئيس عربي إلى أثينا منذ إعلان اليونان أزمتها المالية التي كادت تطيح بها، فهذه الزيارة اكتسبت أهمية كبرى، نظرا إلى العلاقات التاريخية التي تربط الشعبين المصري واليوناني. كما تعكس الزيارة حرص مصر والرئيس مبارك على إعلان التضامن مع اليونان التي تعاني من أزمة حادة في الآونة الأخيرة، وطلب مبارك أثناء الزيارة من المسؤولين ورجال الأعمال زيادة ودعم الاستثمار وحجم التبادل التجاري مع اليونان.

‏ وعلى صعيد التعاون الاقتصادي، فإن هناك رغبة لدى البلدين في مضاعفة حجم التبادل التجاري وزيادة تدفقات الاستثمارات اليونانية، خصوصا في مجالات الشحن والتفريغ وإنشاء خط ملاحي منتظم بين الإسكندرية وأحد موانئ اليونان، مع العلم أن هناك أكثر من‏ 60 شركة يونانية تستثمر في مصر حاليا، منها‏ نحو 30 ‏شركة تعمل في مجالات الخدمات، خاصة المالية، إلى جانب الصناعة والاتصالات والزراعة والسياحة والتمويل العقاري.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» ذكر وزير مفوض تجاري أنور السهرجتي، رئيس مكتب التمثيل التجاري المصري باليونان، أن العلاقات التجارية بين مصر واليونان تنظمها اتفاقية المشاركة المصرية - الأوروبية التي تم توقيعها في شهر يونيو (حزيران) 2001 وبدأ العمل بالشق التجاري منها اعتبارا من أول يناير (كانون الثاني) 2004، وترتبط الدولتان بعدة اتفاقيات ثنائية، أهمها: اتفاق للتعاون في مجال النقل البحري، واتفاق التعاون الاقتصادي والفني، واتفاق للتعاون في مجال التأمينات، واتفاق تشجيع وحماية الاستثمارات الاجتماعية، ومذكرة تفاهم للتعاون بين هيئتي تنشيط السياحة في كلا البلدين، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال النقل البحري، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الاستشعار عن بعد للأغراض الزراعية، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال التأمين وإعادة التأمين بين اتحاد التأمين المصري والجمعية اليونانية لشركات التأمين، بالإضافة إلى الكثير من الاتفاقيات الأخرى.

وذكر السهرجتي أن حجم التبادل التجاري بين مصر واليونان خلال عام 2009 وصل إلى 406 ملايين يورو، وجاءت قيمة الصادرات المصرية إلى اليونان 247 مليون يورو، والواردات المصرية من اليونان 159 مليون يورو، بينما بلغت قيمة الصادرات البترولية 110.8 مليون يورو وتمثل نسبة 44.8 في المائة من إجمالي الصادرات المصرية إلى اليونان خلال عام 2009.

وكانت اليونان قد وقعت مع قطر مطلع الشهر الحالي على 5 اتفاقيات في مجال الطاقة والطاقة المتجددة والسياحة والنقل الجوي والإعلام، وفي مؤتمر صحافي مشترك عقده رئيس الوزراء اليوناني مع نظيره القطري في قصر ماكسيمو (مقر رئاسة الوزراء) وسط أثينا، أشاد كل من باباندريو وآل ثاني بالعلاقات بين الجانبين وأعربا عن رغبتيهما في توسيع مجالات التعاون في القطاع التعليمي والثقافي، إلى جانب مجالات التجارة والاستثمار. وصرح الشيخ حمد بن جاسم أن بلاده رصدت 5 مليارات يورو للاستثمار في اليونان، وأن هذا يحتاج إلى مثابرة من الجانبين، وحسم للقرارات والبعد عن البيروقراطية.

كما وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة واليونان في العاصمة اليونانية أثينا، مذكرة تفاهم بشأن المشاورات السياسية. ووقع الاتفاقية من الجانب الإماراتي وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ومن الجانب اليوناني وزير الخارجية بالإنابة ديمتريس دروتساس. وعن المساعدات التي يمكن أن تقدمها الإمارات لليونان، ذكر الشيخ عبد الله أن الأزمة المالية لا تعاني منها اليونان فقط، بل هي أزمة يعاني منها العالم أجمع، ولذا فإن أزمة اليونان تحتاج إلى تضافر الجهود الدولية لمواجهتها، وأشار الشيخ عبد الله بن زايد إلى أن بلاده ستساعد بقدر الإمكان في زيادة الاستثمارات الإماراتية في اليونان.

يذكر أن اليونان تعاني من أزمة ديون كبيرة، حيث وصلت ديونها إلى أكثر من 300 مليار يورو (400 مليار دولار)، كما بلغ العجز في موازنتها العامة 12.7 في المائة من الناتج المحلي سنة 2009، وتلقت اليونان الموافقة على حزمة إنقاذ بلغت 110 مليارات يورو (145 مليار دولار) في شكل قروض من أوروبا وصندوق النقد الدولي، مقابل تدابير تقشف جديدة أدت إلى سلسلة من الاحتجاجات الشعبية والإضرابات.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» ذكر محمد عز الدين الخازمي، الأمين العام للغرفة العربية اليونانية، أن العلاقات التاريخية القوية بين اليونان والبلاد العربية لا ترتقي إلى حجم التبادل التجاري والاقتصادي بينهما، وعلى الرغم من أن ميزان التبادل التجاري يميل إلى الجانب العربي، فإن في حجم التبادل التجاري تراجعا بنسبة 41 في المائة في عام 2009 عن عام 2008، كما أن الصادرات اليونانية للدول العربية تراجعت بنسبة 1 في المائة في عام 2009 مقارنة بعام 2008، مشيرا إلى أن الأزمة التي تعاني منها اليونان حاليا تدفع الكثير من المستثمرين اليونانيين إلى الاتجاه نحو جنوب وشرق المتوسط في العالم العربي للاستثمار هناك.