على الرغم من الضغط الأميركي.. بكين ليست مستعدة لإعادة تقييم عملتها

أزمة اليونان تجعل السلع الصينية أعلى سعرا داخل الأسواق الأجنبية

كلينتون مع رئيس وزراء الصين قبل بداية مباحثاتهما أمس (رويترز)
TT

بدأت الصين والولايات المتحدة، أمس، سلسلة اجتماعات رفيعة المستوى تستمر على مدار ثلاثة أيام ترمي إلى توسيع وتعميق الروابط بين أكبر اقتصاديين؛ نام ومتقدم على مستوى العالم. إلا أن الجلسة الافتتاحية للمحادثات شهدت عرضا جديدا لسيناريو متكرر بين البلدين، حيث قدمت الولايات المتحدة حاملة قائمة طويلة من الأمنيات المتعلقة بالصين على صعيدي القضايا الاقتصادية والأمنية، بينما اقتصرت رغبة الصين في الجزء الأكبر منها على تركها وشأنها، بحيث تتبع السياسات الخاصة بها التي تدفعها حاليا بالفعل نحو التحول إلى قوة اقتصادية عظمى من دون المخاطرة باستقرارها على الصعيد الجيوسياسي.

خلال ترحيبه بالوفد الأميركي المؤلف من 200 فرد داخل «القاعة الشعبية الكبرى»، أثنى الرئيس هو جنتاو على نمط «التعاون العائد بالنفع والمكاسب على الجانبين» القائم بين الولايات المتحدة والصين. واستطرد أن هذا النمط من التنسيق ساعد في الإسراع من وتيرة استعادة الاقتصاد عافيته في أعقاب الأزمة المالية عام 2008.

إلا أنه فيما يخص القضية الحيوية المتعلقة بإعادة تقييم الصين لعملتها - الأمر الذي تضغط من أجل تنفيذه إدارة أوباما - قال جنتاو إن بلاده ستتحرك في هذا الشأن «اعتمادا على مبدأ استقلالية صنع القرار ومدى توافر القدرة على السيطرة والتقدم التدريجي»، أي عندما تصبح بكين مستعدة.

من ناحيتهم، أعرب خبراء اقتصاديون عن اعتقادهم بأن تعمق أزمة الديون في اليونان، التي طرحت فور انعقاد المحادثات (الاثنين) سيزيد من التردد الصيني حيال السماح بزيادة قيمة عملتها.

الملاحظ أن وزير الخزانة تيموثي إف. غيتنر، لم يشر إلى العملة الصينية خلال تعليقه الافتتاحي، ولم تطرح واشنطن القضية خلال جلسة العمل الأولى. وفسر مسؤولون ذلك بأن الإدارة الأميركية قررت عدم الضغط على بكين خلال ذلك الاجتماع، بناء على نتيجة خلصت إليها بأن الأخيرة سترفض الإذعان إلى ضغوط خارجية.

من ناحية أخرى، تواجه واشنطن عقبات مشابهة فيما يخص القضايا الأمنية، حيث ضغطت هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية، على الصين كي تعلن تأييدها لاتخاذ إجراءات ضد كوريا الشمالية في أعقاب ظهور أدلة قوية تشير إلى قصفها سفينة حربية تابعة لكوريا الجنوبية في مارس (آذار) الماضي. لكن الصين أبدت تشككها حيال حقيقة تورط كوريا الشمالية في الحادث، وتبدو مترددة إزاء معاقبة بيونغ يانغ التي تربطها بها علاقات وثيقة.

في الوقت الذي وافقت الصين على قرار صادر عن الأمم المتحدة جرى التخفيف من حدته بخصوص البرنامج النووي الإيراني، لم توقع على ملاحق تستهدف أفرادا وشركات إيرانية محددة. ومع توافر فرص استثمارية كبرى في قطاعي النفط والغاز الطبيعي بإيران، ربما تشارك الصين في مشروعات تجارية مع بعض من هذه الأسماء.

خلال كلمتها في الجلسة الافتتاحية، أشارت كلينتون إلى إيران وكوريا الشمالية كقضيتين يتحتم على بكين وواشنطن التوصل إلى أرضية مشتركة بشأنهما. وقالت: «اليوم، نواجه تحديا آخر خطيرا أثارته سفينة كوريا الجنوبية الغارقة. لذا، يتعين علينا العمل معا مجددا لتناول هذا التحدي وتعزيز أهدافنا المشتركة المتمثلة في السلام والاستقرار».

في المقابل، جاء رد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية، ما تشاوشيوي، مبهما، حيث قال عن الأزمة الكورية: «نأمل أن تمارس جميع الأطراف المعنية ضبط النفس وتبقى محافظة على رباطة جأشها».

المؤكد أن الثقافة أحد العوامل وراء هذا الموقف الصيني، حيث يميل المسؤولون الصينيون عادة إلى الحديث على نحو يحمل طابعا مباشرا أدنى بكثير من نظرائهم الأميركيين. على سبيل المثال، لم يذكر جنتاو إيران وكوريا الشمالية مطلقا، وإنما اكتفى بالحديث عن «مناطق قلاقل» إقليمية. في الواقع، جاء حديثه الصريح عن معدل صرف العملة الصينية (رينمينبي) مثيرا لدهشة بعض المراقبين، وأثار تفسيرات متنوعة.

ومن وجهة نظر بعض الخبراء، يعد تعهد جنتاو بـ«العمل باستمرار على تعزيز إصلاح معدل صرف (رينمينبي)» من دون تكرار إشاراته السابقة إلى كون المعدل «مستقرا بصورة أساسية»، مشيرا إلى الرغبة في التوصل إلى تسوية بهذا الشأن. في هذا الإطار، قال بين سيمبفندورفر، الخبير الاقتصادي بشؤون الصين لدى «رويال بانك أوف سكتلاند»: «إن مسألة عدم إشارتهم إلى هذه النقطة تحمل أهمية كبيرة».

لكن آخرين فسروا هذا الأمر باعتباره خطوة استباقية لدفع هذه القضية بعيدا عن طاولة المحادثات. من جهته، أعرب إسوار براساد، العالم الاقتصادي بجامعة كورنيل، عن اعتقاده بأن الأزمة اليونانية أثارت توتر الصينيين على مستويين؛ أولهما: أنها من المحتمل أن تقلص صادراتهم إلى أوروبا. وثانيهما: أنها عززت «رينمينبي» أمام اليورو المتراجع، الأمر الذي يجعل السلع الصينية أعلى سعرا داخل الأسواق الأجنبية.

وأضاف براساد: «هذه الضربة المزدوجة للصادرات الصينية تجعل في حكم المؤكد عدم مضي الصينيين قدما إلا حال ظهور مؤشرات على حدوث استقرار في اليورو واستقرار لاستعادة أوروبا عافيتها الاقتصادية».

وقال مسؤول صيني رفيع المستوى، إن بكين «ستبقى متيقظة ومنتبهة تجاه أزمة الديون السيادية في منطقة دول اليورو»، مشيرا إلى أن هذه الأزمة بمقدورها التأثير ليس على استعادة أوروبا لعافيتها الاقتصادية فحسب، وإنما أيضا على الصادرات الصينية. جدير بالذكر أن صادرات بكين إلى الاتحاد الأوروبي تفوق في حجمها صادراتها إلى الولايات المتحدة.

يذكر أن الولايات المتحدة احتاجت إلى 48 سيارة لنقل وفدها لحضور الجولة الثانية مما يطلق عليه الحوار الاستراتيجي والاقتصادي بين البلدين. من بين الأسماء البارزة التي ضمها الوفد: بين إيه. بيرنانكي، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي، وأدميرال روبرت إف. ويلارد، قائد قيادة المحيط الهادي داخل المؤسسة العسكرية، وكاثلين سيبيليس، وزيرة شؤون الصحة والخدمات الإنسانية.

الملاحظ أن بعض القضايا التي جرى تناولها انحرفت بعيدا عن الاقتصاد والأمن. يذكر أن كلينتون اصطحبت معها ميلاني فيرفير، السفيرة المتجولة لشؤون المرأة التي تلتقي منظمات نسائية صينية لمناقشة مدى التقدم الذي جرى إحرازه على صعيد حقوق المرأة.

وأكد غيتنر أن «الابتكار يزدهر بأقصى صورة عندما تكون الأسواق مفتوحة، والمنافسة عادلة، وتتوافر حماية قوية للأفكار والاختراعات».

من ناحية أخرى، هناك قضايا تثير ضيق الصينيين أيضا، حيث تضغط بكين على واشنطن من أجل التخفيف من حدة القيود التي تفرضها الأخيرة على صادراتها من المعدات عالية التقنية ذات التطبيقات العسكرية المحتملة. وتوحي مجموعة الأسئلة التي طرحها ممثلو منظمات إعلامية تابعة للدولة في هذا الشأن عن وجود حملة منسقة. وإذا بدا من المحتمل أن تترك الولايات المتحدة الكثير من الأمنيات الصينية من دون تحقيقها، فإن اختلافا واحدا يبقى واضحا هذا العام مقارنة بالاجتماعات التي شهدتها واشنطن العام الماضي.

* خدمة «نيويوك تايمز»