موجة اضطرابات جديدة تجتاح أسواق أوروبا وهبوط حاد في الأسهم والعملات

العدوى تنتقل إلى الولايات المتحدة والدول الآسيوية.. والدولار المستفيد الأكبر

متعامل يتابع تحركات الاسعار في سوق الأوراق المالية في نيويورك أمس (رويترز)
TT

أدت عدة عوامل أمس إلى هبوط حاد في أسواق الأسهم والعملات الأوروبية والآسيوية، تلخصت في ازدياد مخاوف السوق من تأثير الأزمات المالية في اليونان ودول أخرى في جنوب أوروبا على الوضع الاقتصادي لمنطقة اليورو برمتها. كما أقلق السوق أيضا استمرار ضعف العملة الأوروبية اليورو التي بلغت أدنى مستوى لها مقابل الدولار (1.2218) منذ 9 أشهر، و0.856 مقابل الجنيه الإسترليني، وراح المستثمرون يتخلصون من أرصدتهم من اليورو خوفا من تراكم «الديون الهالكة»، وهي الديون التي يفشل أصحابها في سدادها. وقال مستثمرون في السوق إن هناك مؤشرات واضحة على أن عددا من البنوك في الدول الأوروبية الضعيفة اقتصاديا يعاني من تراكم في هذه الديون. وبالطبع استفاد الدولار من هذا الوضع لأن المستثمرين ينظرون إليه في الوقت الحالي كملاذ آمن من الاضطرابات التي تمر بها منطقة اليورو، وارتفعت العملة الأميركية 1% أمام كل من اليورو والإسترليني.

وفي التعاملات المسائية في أسواق الأسهم أمس انخفض مؤشر بوصة لندن «فاينانشيال تايمز 100» بأكثر من 2.6% ليصل إلى أدنى مستوياته منذ 8 أشهر، بينما انخفض مؤشر «داكس» الألماني 2.7%، وتراجع مؤشر «كاك 40» الفرنسي بنحو 3.2%. كما انخفضت الأسواق في إيطاليا وإسبانيا بأكثر من 5%. يذكر أن مؤشر «فاينانشيال تايمز» انخفض بنسبة تجاوزت 10% خلال فترة تزيد قليلا على الشهر، بعد أن حقق في أبريل (نيسان) الماضي أعلى معدل له خلال 22 شهرا. وهبط أيضا مؤشر «يوروفرست 300» لقياس أسهم الشركات الأوروبية الكبرى بنسبة 2.8%، وهو أدنى مستوى له منذ مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي.

وانتقلت العدوى إلى سوق وول ستريت حيث فقد مؤشر «داو جونز» في التعاملات الصباحية بتوقيت نيويورك 2.02% من قيمته، بينما تراجع مؤشر «إس أند بي 500» بنسبة 2.04%. وكانت الأسواق دائما تعتقد أنه كلما «عطست أميركا، أُصيب بقية العالم بالرشح»، ولكن يبدو أن الآية قد انعكست في هذه الحالة.

وتأثرت الأسواق الآسيوية هي الأخرى بأحداث أوروبا واتساع الأزمة المالية في منطقة اليورو. وبالإضافة إلى ذلك عانت الأسهم الآسيوية، خصوصا في بورصتي طوكيو وسيول، اشتداد التوتر العسكري بين الكوريتين الشمالية والجنوبية وبدء الولايات المتحدة مناورات مشتركة مع كوريا الجنوبية. وانخفض مؤشر «نيكاي» الرئيسي للأسهم اليابانية 3% مسجلا أدنى مستوى لهذا العام، مما جعل خسائره خلال الشهرين الماضيين فقط نحو 17%. وهبطت الأسهم في بقية منطقة آسيا والمحيط الهادي بمتوسط بلغ 3.6%.

ويعتقد البعض أن القشة التي أججت مخاوف الأسواق (التي تعاني أصلا القلق منذ فترة) هي التعليقات العنيفة التي أطلقها أول من أمس صندوق النقد الدولي محذرا فيها من أن الاقتصاد الإسباني أيضا يحتاج إلى إصلاحات عميقة وشاملة لا تقلّ عن تلك التي تحتاج إليها اليونان. وبالطبع عززت هذه التصريحات مخاوف الأسواق بشأن اضطرار البنك المركزي في إسبانيا إلى التدخل قبل يومين لإنقاذ بنك «كاخاسور» من الإفلاس، وهي المرة الثانية التي يضطر فيها بنك مركزي في المنطقة إلى إنقاذ أحد بنوكها. كما اضطرت 4 مصارف إسبانية إلى الاندماج معا لإنقاذ أوضاعها المالية المتأزمة عبر إدماج أصولها وتقليل نفقاتها، كما لو أن التاريخ يعيد نفسه من دول شمال أوروبا إلى دول جنوبها، فإن أزمة السيولة والديون الهالكة في إسبانيا تعود إلى سوق العقارات التي ظل الكثيرون يحذرون من أن قيمتها غير واقعية ومتضخمة. فليس غريبا إذن أن يكون قطاع المصارف هو الأكثر تضررا من حيث هبوط أسعار أسهمه. ومن المرجح أن تكون عملية إنقاذ بنك «كاخاسور» الإسباني بداية لعدة عمليات إنقاذ لبنوك صغيرة أخرى. غير أن الأسواق قلقة من أن يؤدي مزيد من المتاعب في دول جنوب أوروبا إلى تداعيات سلبية على البنوك الأكبر حجما في دول الاتحاد الأوروبي.

وعبّر ريتشارد هنتر، من شركة الوساطة المالية «هارغريفز بروكرز»، عن مجمل الوضع بقوله: «الخليط السامّ لا يزال يسمّم الأسواق، فاستمرار القلق حول الديون الأوروبية، وتعثر الانتعاش الاقتصادي، وأخيرا أزمة التوتر بين الكوريتين، كلها أسباب تدعو إلى التشاؤم، لذا فإن غالبية المستثمرين يبتعدون عن السوق خلال هذه الفترة».

وتتجه أنظار الأسواق الآن نحو إيطاليا، المثقلة بديون كبيرة هي الأخرى، باعتبارها أحدث بلد في منطقة اليورو يعلن عن خطة للتقشف لمدة ثلاث سنوات قيمتها 24 مليار يورو، الأمر الذي تسبب في تراجع ثقة المستهلكين الإيطاليين، خلال شهر مايو (أيار) الحالي إلى أدنى مستوى له منذ عام. وتعليقا على الوضع قال وزير المالية الياباني، ناوتو كان، إن «مشكلة عملة اليورو متجذرة جدا لأن الدول الأعضاء في منطقة اليورو تشترك في عملة واحدة، بينما السياسات المالية متروكة لكل بلد على حده». ومن جانبه قال المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان، إن أزمة الديون الأوروبية هي خطر رئيسي على التعافي الاقتصادي العالمي، مضيفا أنه من غير الواضح تماما ما إذا كانت الولايات المتحدة قد خرجت من الأزمة. كما حذر أوليفييه بلانشار، كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، من أن «تقوم بعض الدول، تحت ضغط السوق، بالمبالغة في إجراءات التقشف، لأن هذا سيكون خطأ». وأضاف بلانشار أن الأسواق ستظل قلقة حتى تنقشع الشكوك حول دفع الاتحاد الأوروبي للقروض التي وعد بها الحكومة اليونانية، وأيضا حول سجل اليونان في سداد ديونها. وأشار إلى أن قلق المستثمرين بشأن مصير البنوك في منطقة اليورو وتأثير إجراءات التقشف على النمو الاقتصادي أدى إلى عزوفهم عن المخاطرة والاستثمار. وقال إن تراجع الأسهم في أوروبا وآسيا تفجر بسبب المخاوف من أن تؤدي إجراءات التقشف التي تعلنها بعض الحكومات الأوروبية إلى إعاقة الانتعاش الاقتصادي العالمي.

على صعيد آخر، أظهرت بيانات صدرت أمس أن الطلبيات الصناعية الجديدة في منطقة اليورو زادت في مارس (آذار) بأسرع معدل منذ 10سنوات، في إشارة جديدة إلى أن من المرجح أن ينتعش النشاط الاقتصادي بقوة في الربع الثاني من العام الحالي. وقال مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات) إن الطلبيات الصناعية الجديدة في دول منطقة اليورو الـ16 ارتفعت بنسبة 5.2% على أساس شهري و19.8% على أساس سنوي. وهذه الزيادة الشهرية هي الأعلى منذ يونيو (حزيران) 2007، أما الزيادة السنوية فهي الأعلى خلال 10 سنوات. وكان اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم توقعوا زيادة بنسبة 2% على أساس شهري و14.6% على أساس سنوي. وباستبعاد الطلبيات المتقلبة للسفن والطائرات والقطارات تكون الزيادة الشهرية 4.5% والسنوية 20.2%. وتشير الطلبيات الصناعية الجديدة إلى توجهات النشاط الاقتصادي إذ ستترجم إلى إنتاج خلال الأشهر القادمة.

وارتفعت الطلبيات الصناعية في ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، بنسبة 5.7% شهريا بينما سجلت زيادة سنوية بلغت 31%. وسجل اقتصاد منطقة اليورو نموا متواضعا في الربع الأول من العام الحالي، بعد جمود في الربع الأخير من العام الماضي. لكن إنتاجا صناعيا أقوى من المتوقع في مارس أوحى أيضا بأن النشاط الاقتصادي آخذ في الانتعاش. وقال اقتصاديون إن من المرجح أن تتسارع وتيرة نمو إجمالي الناتج المحلي في منطقة اليورو إلى 0.5% في الربع الثاني بعد نمو بنسبة 0.2% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام مقارنة بعدم تسجيل نمو على الإطلاق في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي.