تقرير يتوقع انتعاش الإقراض ونمو الاقتصاد وفائضا في ميزانية السعودية نهاية العام

«جدوى للاستثمار»: تأثيرات انخفاض اليورو السلبية ضئيلة على المملكة وتوقع تراجع التضخم.. وصعود مؤشر سوق الأسهم

يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر الشركاء التجاريين للمملكة («الشرق الأوسط»)
TT

أكد تقرير استثماري سعودي صدر حديثا أن القطاع المصرفي السعودي لم يتأثر كثيرا بالأحداث العالمية بل يتوقع حدوث انتعاش في الإقراض من البنوك المحلية خلال الفترة المتبقية من العام الحالي 2010.

ويرى التقرير من إعداد دائرة الاقتصاد والبحوث في شركة «جدوى للاستثمار» - مرخصة من هيئة السوق المالية - بأن إشكالية التمويل ستكمن عند الحصول عليها من البنوك الأجنبية سيصبح على الأرجح أكثر صعوبة.

ويعتبر التقرير التأثير المباشر لتباطؤ النمو في منطقة اليورو على صادرات المملكة ضئيلا، مشيرا إلى أن ضعف اليورو سيساعد على خفض معدلات التضخم، في وقت نال تدهور أسعار النفط والأسهم من ثقة المستثمر، ومن شأن استمرار تدهور تلك الأسعار إعاقة النمو، وقد يحدو بنا ذلك في النهاية إلى خفض توقعاتنا.

ولا يرى التقرير الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، بأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي لاحقا هذا العام عندما تلجأ الحكومات لسحب الدعم بالأمر الجديد، متوقعا أن يرتفع النمو الاقتصادي في السعودية وأن تعود ميزانية الدولة لتحقيق فوائض وأن يسجل مؤشر الأسهم السعودية قيمة عادلة تبلغ 7,400 نقطة بنهاية العام.

منطقة اليورو وأشار التقرير إلى أن الأحداث الأخيرة في الحالة الأوروبية كشفت الكثير من أوجه الضعف في هياكل المؤسسات وفي الإرادة السياسية، وهما عنصران مهمان لدعم العملة الموحدة. وشملت أوجه الضعف تواضع مستوى هياكل المؤسسات وضعف تطبيق القوانين الاقتصادية والمالية وتباين السياسات المتبعة حتى وسط أكبر دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى انعدام هيئة مالية مركزية وكذلك عدم وجود نظام تحويلات مالية عبر الدول.

وأفصحت التطورات السلبية في أزمة الديون الأوروبية عن غياب المؤسسات المركزية التي تتمتع بصلاحيات كافية وبالأخص انعدام السلطة المالية المركزية. ويُعزى نجاح الدولار الأميركي في خدمة الاقتصاد الأميركي على الرغم من ضخامته وتنوعه إلى وجود نظام يتيح تحويل الأموال بين مختلف الولايات من خلال الإنفاق الفيدرالي وهو نظام يفتقده الاتحاد الأوروبي.

ويقدر التقرير على المدى القصير أن يتغلب على حركة اليورو طابع التذبذب وسوف تتحكم فيها الحالة المزاجية للمستثمرين. وعلى الرغم من جميع المشكلات الحالية في منطقة اليورو، فقد تعززت قيمة العملة الموحدة الأسبوع الماضي. ونتوقع في ضوء المخاطر التي تواجه العملة الأوروبية الموحدة أن يشهد اليورو اتجاها تنازليا متذبذبا خلال الأشهر القليلة المقبلة. أما على المدى الطويل – وفقا للتقرير - فهناك عوامل كثيرة تشير إلى تراجع في قيمة اليورو، حيث إن الاتحاد الأوروبي هو المنطقة الوحيدة في العالم التي ربما تشهد ركودا مزدوجا حيث كانت عودته إلى النمو ضعيفة (ارتفع الناتج الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 0.5 في المائة فقط على أساس سنوي في الربع الأول) فضلا عن أن من شأن إجراءات التقشف أن تضعف الأداء الاقتصادي.

وأضاف «لن تكون الفروقات في أسعار الفائدة في صالح العملة الأوروبية الموحدة حيث يبدو الآن أن البنك المركزي الأوروبي لن يلجأ على الأرجح إلى رفع الأسعار لبعض الوقت. وقد ظل البنك المركزي الأوروبي باعتباره الجهة المنوط بها ضبط التضخم مثابرا على إبقاء أسعار الفائدة أعلى من نظيرتها في أميركا حيث يناط بالاحتياطي الفيدرالي ضبط التضخم ودعم النمو في الاقتصاد».

وستظل – وفقا لـ«جدوى للاستثمار» - «المشكلات المؤسساتية والسياسية تثقل كاهل اليورو خاصة أن تشديد السياسات المالية قد يؤدي إلى بعض الاضطرابات الاجتماعية، علاوة على أن تقوض المشكلات الحالية من تنامي دور اليورو كعملة احتياطية مما يجعل البنوك المركزية حول العالم أقل رغبة في رفع احتياطياتها منه.

وأبان التقرير في محتوياته التوقعات ألا تقتصر المخاوف من احتمال حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي على أوروبا وحدها، حيث تثار الشكوك في مختلف أنحاء العالم حول سلامة التعافي الاقتصادي وقدرته على الاستمرار، فيما من شأن تجدد الركود في الاتحاد الأوروبي أن ينعكس على بقية دول العالم لأن المنطقة تمثل سوقا ضخمة للواردات.

ولن تتمكن الأسواق الناشئة الأخرى من تفادي آثار التباطؤ في الاقتصادات المتقدمة في النصف الثاني هذا العام، وسوف يتمثل أوضح أثر لتجدد التباطؤ في تناقص الطلب على صادرات دول الأسواق الناشئة وكذلك انخفاض أسعار السلع.

ونعتقد أن أداء الاقتصادات الناشئة سيظل متفوقا على الاقتصادات المتقدمة طيلة العامين الحالي والمقبل، لكن من الواضح أن نموها سيأتي أقوى في حال كانت الأحوال أفضل مما هي عليه في الاقتصادات العالمية الكبيرة.

الأسواق المالية أيد التقرير توقعات تباطؤ الاقتصاد العالمي خلال النصف الثاني هذا العام وبقائه منكمشا خلال عام 2011 مفيدا بأن الانتشار السريع للمشكلات والمعالجات الحكومية أدى بآثارها إلى الإضرار بالأسواق، مشيرا إلى أن الكثير من الأسواق قد تخطت المستوى الذي يجب أن تكون عليه في ظل هشاشة التعافي الاقتصاد العالمي.

وقال التقرير «يبدو أن الحالة المزاجية في الأسواق استبقت الأحداث على أرض الواقع، حيث لجأ الكثير من المستثمرين وبسرعة بمجرد تأكدهم من انتهاء المرحلة الأسوأ من الركود برفع أسعار الكثير من الموجودات إلى مستويات أعلى مما تبرره المعطيات الأساسية للانتعاش. والآن فقد أدت الأحداث في منطقة اليورو إلى تذكير المستثمرين بضعف المعطيات الأساسية من خلال موجة عمليات التصحيح الحادة في الأسواق».

من المرجح - بحسب التقرير - أن تظل أسواق الأسهم العالمية وأسعار الصرف وكذلك أسعار السلع معرضة للضغوط خلال الأشهر القليلة المقبلة حيث يراقب المستثمرون الأحداث في منطقة اليورو والبيانات الاقتصادية حتى تتضح الصورة حول النمو في الاقتصاد العالمي.

الاقتصاد السعودي في الوقت الراهن، يلفت التقرير إلى أن الاقتصاد السعودي ينبغي أن يصمد أمام ما يحدث في الاقتصاد العالمي، لكنه لا يعني ذلك أن المملكة لن تتأثر بما يحدث في الاقتصاد والأسواق العالميين، حيث إن تراجع أسعار النفط وأسعار الأسهم قوضا من ثقة المستهلك ومن شأن استمرارهما عرقلة عملية النمو، موضحا أن الأثر المباشر على صادرات المملكة من تراجع النمو في منطقة اليورو فيمكن للتعامل معه كما أن اليورو الأضعف يساعد من خلال خفض معدلات التضخم.

وقال التقرير «يأتي الأثر المباشر والأكثر وضوحا على الاقتصاد وسوق الأسهم السعوديين من أسعار النفط، فقد هبطت أسعار النفط (خام غرب تكساس) من مستوى 86,2 دولار للبرميل في 3 مايو (أيار) إلى 65,2 دولار للبرميل في 26 مايو، أي ما يعادل 24 في المائة. وقد نتجت هذه الضغوط التنازلية على أسعار النفط من عوامل عدة تشمل المشكلات في منطقة اليورو وجهود الصين لإبطاء اقتصادها وارتفاع المخزونات النفطية حول العالم وارتفاع قيمة الدولار وانهيار أسواق الأسهم».

ولفت التقرير إلى الزيادة المستمرة في المخزونات في وقت قد يتراجع فيه الطلب يمثل مصدر قلق آخر للأسواق، حيث ارتفعت المخزونات التجارية من النفط الخام على مدى الأشهر القليلة الماضية في عدد من الدول المستهلكة الرئيسية خصوصا الولايات المتحدة، مما أدى لزيادة احتمال أن تتراجع أسعار مادة الجازولين خلال موسم العطلات الصيفية في الولايات المتحدة بدلا عن ارتفاعها كما هو معهود.

وبين التقرير أن السياسة النفطية المعلنة للمملكة تنص على الاحتفاظ بفائض إنتاج قدره 2 مليون برميل في اليوم للتحوط ضد صدمات تناقص العرض التي تحدث من وقت لآخر، مبينا أنه لكي تتمكن الطاقة الفائضة من دعم الأسعار يتطلب الأمر تراجعها إلى ما دون مستوى 3 ملايين برميل في اليوم، مستبعدا ترجيح حدوث ذلك خلال فترة وجيزة في ضوء النمو الضعيف في الطلب.

وزاد التقرير في تحليله «رغم حدة التراجع فإن أسعار النفط عند مستوى 65 دولارا للبرميل حاليا تظل أقرب إلى المستوى الذي وصفه وزير النفط علي النعيمي (بالسعر المثالي) البالغ 75 دولارا للبرميل مقارنة بمستواها في أوائل الشهر» ، مشددا على أن السعودية ستظل عند مستوى الأسعار وحجم الإنتاج اليومي البالغ 8 ملايين برميل، متقدمة كثيرا عن مستوى 53 دولارا للبرميل المطلوبة لاستيفاء ميزانية الدولة لهذا العام، لذا لا نتوقع التراجع عن مستويات الإنفاق التحفيزي القوي الجاري حاليا.

وبحسب «جدوى للاستثمار» فإن الأثر النفسي لانهيارات أسواق الأسهم العالمية انعكس على مزاج المستثمر المحلي وأعاد للذاكرة التجربة القاسية للأزمة المالية العالمية في أواخر عام 2008 عندما اختفى تماما أي أثر لمعطيات السوق المحلية على حركة مؤشر سوق الأسهم، لكن في ضوء المعطيات الأساسية لا تزال القيمة العادلة المستهدفة بنهاية العام هي 7,400 نقطة، بارتفاع قدره 28 في المائة فوق المستوى الحالي للمؤشر.

وأفصح التقرير أنه لم يعدُ نصيب اليونان من إجمالي صادرات المملكة 0,7 في المائة عام 2008 وفقط 0,2 في المائة من الصادرات غير النفطية عام 2009، أما اليونان والبرتغال وإسبانيا وأيرلندا مجتمعون فلم تعدُ حصتهم 3 في المائة من إجمالي صادرات المملكة وأقل من واحد في المائة من الصادرات غير النفطية في نفس الأعوام.

وأضاف «يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر الشركاء التجاريين للمملكة، لكن على النقيض من العلاقة مع بقية الشركاء التجاريين الرئيسين فقد سجلت المملكة عجزا تجاريا معه (حسب آخر البيانات) نتيجة المستوى المرتفع لوارداتها. ويتلقى الاتحاد الأوروبي 11 في المائة من صادرات المملكة (نحو 33 مليار دولار عام 2008) و9 في المائة من الصادرات غير النفطية (نحو 2,7 مليار دولار عام 2009)، في وقت ربما يعاني مصدرو السلع غير النفطية إلى دول الاتحاد الأوروبي من تراجع الطلب والأسعار ومن شأن اليورو الأضعف أن يعمل على خفض أرباح الشركات بالريال مقابل مبيعات الشركات في الاتحاد الأوروبي.

وزاد التقرير «على الرغم مما تقدم وبالنظر إلى الحجم الكبير من الواردات التي تأتي من دول المجموعة الأوروبية فإن من شأن اليورو الأضعف أن يأتي في صالح المملكة التي تستورد نحو 25 في المائة من وارداتها من المجموعة الأوروبية. ويعني ضعف اليورو أن تكلفة المنتجات الأوروبية سوف تكون أقل بالنسبة للمستوردين وربما إلى المستهلك النهائي عند تحويلها إلى الريال السعودي مما يخفض من مستوى التضخم».

وأبان التقرير أن من شأن انخفاض أسعار السلع أن يعمل على التخفيف من آثار التضخم لكن ليس بنفس المستوى بالنسبة لأسعار المواد الغذائية التي تشكل النسبة الأكبر من مكونات مؤشر تكلفة المعيشة، مفيدا بأنه في أغلب الأحوال فإن الواردات من المجموعة الأوروبية لا تتنافس بصورة مباشرة مع المنتجات المحلية لذا لا نتوقع أن تتضرر الشركات المحلية من الواردات الأرخص.

التمويل في السعودية لم يتوقع التقرير أن تتأثر عمليات الإقراض بواسطة المصارف المحلية، رغم أن التباطؤ في عمليات الإقراض أحد الأسباب الرئيسية التي حدت من الأداء الاقتصادي على مدى 18 شهرا الماضية، مفيدا بأنه ليس للبنوك السعودية تعرض في اليونان والدول الأخرى التي تتوقع الأسواق تعثرها في السداد إلا في أضيق الحدود.

وأبانت «جدوى للاستثمار» أن أسعار الفائدة بين البنوك تعكس درجة الارتياح السائدة في القطاع المصرفي المحلي، مرجحة أن تزداد صعوبة الحصول على التمويل من البنوك الأجنبية، خصوصا أن الكثير من البنوك الأوروبية ستصبح أكثر قلقا من انكشافها أمام دول مجموعة اليورو ولن تتحمس كثيرا في التوسع في عمليات التمويل.

وأفاد التقرير بأن الإقراض بواسطة البنوك الأجنبية إلى المملكة شهد تراجعا خلال الأعوام القليلة الماضية نسبة لانخفاض قابليتها لتحمل المخاطر وبسبب المشكلات التي تعرضت لها بعض شركات القطاع الخاص وبسبب أزمة دبي، مشددا على أن أوضاع السوق ستفرض على المستثمرين المطالبة بعائد أعلى على إصدارات الصكوك والسندات مما قد يضطر الشركات التي بصدد إصدار أدوات دين أو إجراء طرح أولي إلى التأني ريثما تتحسن الأوضاع.