مستقبل النفط في السودان بين الوحدة والانفصال

اقتصاد الجنوب يعتمد على عائدات النفط بنسبة 98% والشمال بنسبة 95% في الميزانية العامة

كان العبء الثقيل الذي يشكله استيراد المواد البترولية من الأسباب التي جعلت الاهتمام بتشجيع الاستثمار في مجال النفط (الشرق الأوسط)
TT

توقعت وزارة الطاقة والتعدين السودانية أن تشهد الأعوام القليلة المقبلة دخول المزيد من حقول النفط الجديدة في الإنتاج، وكشفت عن جهود مبذولة للتوسع في عمليات الاستكشاف في النفط، إلى جانب توسعة في مصفاة الخرطوم لزيادة طاقتها الإنتاجية.

وقال وزير الطاقة والتعدين السوداني الزبير أحمد الحسن خلال احتفال بمناسبة مرور عشرة أعوام على مصفاة الخرطوم، إن الأعوام القليلة المقبلة ستشهد تطورا في عمليات الاستكشاف وزيادة في إنتاج البترول والعمل على سودنة الوظائف وتوسعة مصفاة الخرطوم إلى الضعف، مشيرا إلى أن المصفاة بدأت بإنتاج (60) ألف برميل في اليوم، ثم إلى (100) ألف برميل حاليا، وقال إن وزارته تعمل على إضافة 100 ألف برميل أخرى إلى الطاقة الإنتاجية لتصل إلى (200) ألف برميل في اليوم.

وبدأت عمليات التنقيب فعليا بعد توقيع اتفاقية مع شركة «شيفرون» الأميركية عام 1974، وبناءً على النتائج الجيدة في أواسط السودان تم التوقيع على اتفاقية أخرى ثنائية مع شيفرون نفسها عام 1979. ثم عقبتها اتفاقيات مع شركتي «توتال» الفرنسية، و«صن أويل» الأميركية عامي 80/1982م، وبعد إجراء المسوحات الجيولوجية والجيوفيزيائية في مناطق مختلفة من البلاد تم حفر 95 بئرا استكشافية منها 46 منتجاً مثل حقول سواكن، أبوجابرة، شارف (الشمال) الوحدة، طلح، هجليج الأكبر، عدارييل وحقل كايكانق، و49 جافة (في الجنوب)، غير أن الشركات الأميركية توقفت عن العمل بسبب الحرب الأهلية التي شهدها جنوب السودان والتي اندلعت في السادس عشر من مايو (أيار) من العام 1983 بقيادة الزعيم والمؤسس للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان الراحل الدكتور جون قرنق.

وقد بدأ الإنتاج النفطي في السودان في حقول أبي جابرة وشارف، ثم لحق بذلك الإنتاج من حقول عدارييل وهجليج. وكان مجمل إنتاج النفط في السودان حتى يوليو (تموز) 1998م في حدود ما يفوق الثلاثة ملايين برميل بواقع (471629) برميلا من أبوجابرة وشارف، (196347) من حقل عدارييل و2517705 برميلا من هجليج. ووصل حجم الإنتاج الفعلي بنهاية يونيو (حزيران) 1999 إلى 150 ألف برميل من حقلي هجليج والوحدة. غير أن المنتج حاليا من كل الحقول قرابة الـ (500) ألف برميل.

غير أن هذه الاستكشافات لم يتبعها أي نشاط إنتاجي، بعد انقلاب الرئيس الحالي عمر البشير باشتراكه مع الزعيم الإسلامي حسن الترابي - المعتقل حاليا بعد انشقاقه عنه في عام 1999- ففي عام 89/1999م وقعت الحكومة السودانية اتفاقيات مع شركات نفطية مختلفة شملت الشركتين الكنديتين (IPC، SPC) عامي 91 /1993م، وشركة الخليج(GPL)عام 1995م، والشركة الوطنية الصينية للبترول CNP عام 1995م، وشركة الكونستريوم في فبراير (شباط) عام 1997م، وتكونت الشركة العالمية (GNPOC) عام 1997، ونتج عن هذه المحصلة تشكيل عدد من شركات التنقيب في مناطق مختلفة من البلاد. وكان العبء الثقيل الذي يشكله استيراد المواد البترولية على ميزان المدفوعات السوداني الذي استمر طويلا، من الأسباب الرئيسية التي جعلت الاهتمام بتشجيع الاستثمار في مجال النفط يبلغ ذروته خلال السنوات العشر الأخيرة حيث وضعت الحكومة النفط ضمن المرتكزات الأساسية في استراتيجيتها الاقتصادية وفتحت المجال للاستثمار مع عدد من الشركات الدولية العاملة في مجال النفط.

وأقر وزير الطاقة والتعدين في حكومة جنوب السودان جون لوك في حديث لـ«الشرق الأوسط» بأن اقتصاد الجنوب يعتمد على عائدات النفط بنسبة 98 في المائة في الميزانية العامة، آخرها ميزانية هذا العام. وقال إن الحكومة تعمل جهودا حثيثة للعمل على اعتماد إيرادات أخرى من غير النفط عن طريق توسيع المشاريع الزراعية لما يتمتع به الجنوب من ميزات كبيرة من الأرض الخصبة والبكر والمياه الوفيرة والإنسان، وأضاف «إن الاعتماد في الميزانية على إيرادات البترول لا يتوقف على حكومة الجنوب وحدها بل الحكومة في الخرطوم تعتمد عليه بنسبة 95 في المائة على حساب القطاعات الأخرى»، مشيرا إلى أن الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم أخيرا تأثر بها السودان أكثر من أي دولة أخرى بسبب الاعتماد على البترول وحده.

واتفق الخبير السوداني في النفط السر سيد أحمد مع سلفه وقال لـ«الشرق الأوسط» إن النفط يدخل في ميزانية الدولة بنسبة 70 في المائة من الميزانية العامة للدولة، وأن الجنوب ميزانيته تصل نحو 97 في المائة، وأضاف أن السودان يصدر نحو نصف مليون برميل يوميا وهي نسبة غير عالية، مشيرا إلى أن الشركات العاملة في النفط (صينية وهي الأكبر، ماليزية وهندية) تنفق أموالا في استكشاف واستخراج النفط من أموالها وفق الاتفاقية المبرمة مع السودان يتم خصمها من العائد.

وأشار سيد أحمد إلى أن حكومة الجنوب بعد الاتفاقية مباشرة بلغ دخلها 8 مليارات دولار وتعتبر ضعف الأموال التي وعد بها المجتمع الدولي في اجتماع أوسلو بعد توقيع الاتفاقية لأطرافها لبناء ما دمرته الحرب. كما أن البترول أصبح حاسما في مسألة الاستفتاء على تقرير المصير، من ترسيم الحدود والصراع حول مناطق البترول التي تقع غالبيتها في الجنوب، وهو يقاسم الشمال وفق الاتفاقية بنسبة (50 في المائة) مما يغري الجنوبيين التصويت للانفصال لضم الـ (50 في المائة) المتبقية إلى الدولة الجديدة.

وكانت منظمة «غلوبال ويتنيس»، المعنية بالبحث في دور الموارد الطبيعية في تمويل الصراعات، قد قالت في تقرير لها نشر في سبتمبر (أيلول) الماضي إن الحكومة السودانية تنشر معلومات وبيانات توضح أن مبيعاتها من النفط أقل مما تعلنه الشركات العاملة في مجال استخراج وتصدير النفط السوداني، وأرجعت المنظمة ذلك إلى رغبة حكومة الخرطوم في الحصول على عائدات أكبر من مبيعات النفط من تلك التي تحصل عليها حكومة جنوب السودان، وذلك بتجنيب جزء من هذه العائدات في عملية القسمة مع الجنوب التي نص عليها اتفاق السلام الشامل في جنوب السودان الموقع عام 2005، وأشار التقرير إلى أن هناك تباينا بين الأرقام التي تعلنها الحكومة السودانية وشركة الصين الوطنية للبترول التي تقوم بتشغيل معظم حقول النفط السودانية، وتعتقد «غلوبال ويتنيس» أن التباين في الأرقام حول حقول نفط جنوب السودان أو أجزاء منها يتراوح ما بين 9 و26 في المائة. وأوضح التقرير أن الأرقام تتطابق فقط في مجموعة حقول نفط الشمال التي لا تخضع عائداتها لتفاهمات تقاسم الثورة بموجب اتفاق 2005.

ويعتقد وزير الطاقة في حكومة الجنوب جون لوك أن شريك الحركة الشعبية في اتفاقية السلام حزب المؤتمر الوطني لم يكن يعمل بشفافية في مجال النفط، وقال إن مفوضية النفط التي تم تشكيلها ويرأسها بالتناوب البشير وسلفا كير لم تجتمع بصورة منتظمة، وأضاف أن معلومات البترول لم تطلع عليها حكومة الجنوب بشكل تفصيلي سواء في الإنتاج، التصدير والتسويق، معتبرا أن تقارير المنظمات الدولية صحيح بسبب أن الحكومة تخفي معلومات البترول حتى عن شريكها في الحكم.

لكن مع ظهور البترول واستخراجه أصبحت عائداته تزيد من ميزانية الحرب وأحدثت انقلابا في ميزان القوى العسكري لصالح الحكومة السودانية - والحديث لسيد أحمد - حتى تدخل المجتمع الدولي لإنهاء الحرب، وقال إن البترول لعب دورا في تحقيق السلام خاصة إذا تم النظر إلى تقاسم عائدات النفط.

ويعتقد مراقبون أن الجنوب في حال انفصاله سيواجه مشاكل أخرى تتعلق بكيفية الاستثمار في البترول، وعقود الشركات التي عملت طوال عشرين عاما إلى جانب إمكانية أن تستثمر الحكومة الجديدة في البترول مستقبلا، خاصة في غياب الفنيين، ويقول الخبير السوداني السر سيد أحمد إن طرفي اتفاقية السلام ليس لديهما تصور لكيفية إدارة النفط في حال الانفصال، خاصة أن الجنوب لا يملك كوادر فنية في إدارة البترول إلى جانب أن العقود مع الشركات العاملة الآن لا يعرف أحد كيف ستتعامل معها الحكومة الناشئة، وأضاف «اتفاقيات العقود عمرها ما بين عشرين إلى خمسة وعشرين عاما ولا نعرف كيف ستتعامل حكومة الجنوب معها لأن حكومة الجنوب لن تستطيع إدارة الدولة إذا توقف البترول ليوم واحد».

من جانبه رد جون لوك بأن الجنوب ظل يعمل منذ عام 2005 لتدريب كادره لتشغيل البترول إذا قرر الجنوب الانفصال، لكنه قال إن الحكومة في جوبا ستستعين بالكوادر الشمالية في الاستمرار في عملية إدارة البترول، وأضاف «لن نقطع شعرة معاوية بيننا وإخوتنا في الشمال لأن هناك مصالح كثيرة مشتركة، كما أن تصدير البترول سيتواصل ربما بعقود جديدة وعقود الشركات ستصير نافذة إلا إذا كانت هناك ضرورات لمراجعتها». وشدد على أن الحركة الشعبية وحكومة الجنوب لن تصادرا الحقوق المكتسبة لتلك الشركات، خاصة أن كثيرا من مناطق الجنوب لم يكتشف البترول فيها.

وقال لوك إن جعل الوحدة خيارا جاذبا يأتي بتحقيق العدالة في إدارة وتوزيع الثروات خاصة البترول، وأضاف «الذي يريد أن يجعل الوحدة خيارا جاذبا فإن ذلك يتحقق عبر إدارة وتوزيع الثروة خاصة البترول لأن الشفافية والعدالة تظهر من توزيع عائدات البترول»، مشيرا إلى أنه في السنوات الخمس الماضية رأى الجنوبيون أن الخرطوم لا تتعامل بشفافية في هذا الملف، وقال «هذا ما جعلنا نتشكك في أن الخرطوم لا تريد إشراكنا في هذه الثروة التي غالبيتها تنتج من عندنا»، وأضاف «إذا كنا نتقاسم نسبة 50 في المائة من عائدات البترول مع الشمال وهي فيها شكوك فإن الجنوبيين يعتقدون أن الانفصال سيحقق لهم النسبة كاملة».

وبدد لوك الشكوك حول أي مشكلات يمكن أن تواجه حكومة الجنوب والشركات العاملة في مجال البترول في حال الانفصال، وقال «العقود مع هذه الشركات ستكون نافذة وإذا كانت هناك ضرورة لمراجعتها يمكن أن تتم لكن لن نمس حقوقها المكتسبة»، معتبرا أن الشركات العاملة تفتقد الثقة في نفسها، وتابع «هذه الشركات تنتظر نتيجة حق تقرير المصير لتقرر تعاملاتها»، مشيرا إلى أن الجنوب إذا أصبح دولة مستقلة فسيستمر في تصدير البترول عن طريق ميناء بورتسودان في أقصى شرقي السودان ضمن الحدود الشمالية، وأضاف «لا يمكن أن تنقطع الروابط بين الشمال والجنوب وسيحتفظان بشعرة معاوية بينهما لأن المصالح المشتركة بينهما كبيرة وستتواصل»، لكنه قال «ستتم مراجعة للاتفاقيات وفي حال الوحدة بالطبع لن تكون هناك مشكلة كبيرة لكن سنتفاوض حول إعادة تقاسم الثروات بترولية أو غيرها، وفي حال الانفصال لن نقطع الخيط بيننا»، مشيرا إلى أن البترول المكتشف الآن في الجنوب محدود للغاية وأن مناطق أخرى لم يتم اكتشافها، وتابع «لكننا لا نريد الاعتماد على البترول لأن لدينا ثروات وموارد أخرى غنية».

غير أن وزير الطاقة السوداني الزبير أحمد حسن، انتقد بشدة تصريحات مارتن ماجوت ياك، السكرتير القومي للتنظيمات الجماهيرية والفئوية بالحركة الشعبية، مؤخرا بشأن انفصال الجنوب، التي شدد فيها على أن الشمال «لن يحظى بغالون بنزين واحد»، ووصف الحسن تصريحات المسؤول الجنوبي عن أن «الانفصال قادم ولن نعطي الشمال جالون بنزين واحدا» بالمتطرفة. وقال في تصريحات «هذا تصريح متطرف تطرفا شديدا جدا»، وتابع «إن المتطرفين موجودون في الجنوب والشمال»، وأضاف «ونحن في الشمال لن نسمح بأن يمر جالون بنزين واحد من الجنوب عبر أرضنا للتصدير»، وقال إن حديث المتطرفين في الجانبين يعبر عن منطق غير واقعي، داعيا إلى التفاهم حول استمرار إنتاج البترول في الجنوب والشمال والاتفاق حول أسس عبور البترول من الجنوب للشمال، وأقر أن (70 في المائة) من البترول موجود بالجنوب، مشيرا إلى أن المنتج من البترول في الشمال يكفي للاستهلاك المحلي في حال الانفصال. وقال إن الجهود مستمرة للتنقيب عن البترول والمعادن الأخرى ومواصلة العمل في القطاع الزراعي والاستثمارات والانفتاح نحو العالم الخارجي.

وتقول التقارير الرسمية في وزارة الطاقة إن البترول في شمال السودان في نحو «12» إلى «13» منطقة موزعة في مناطق حلايب وشلاتين على الحدود السودانية - المصرية، وشمال حلايب حتى دلتا طوكر، وكانت شركة «أجب» سابقا قد بدأت في عام 1960م في التفكير في العمل على البحر الأحمر، وأن المناطق في الشمال والوسط بدأ فيها الاستكشاف عام 1974 عبر شركة «شيفرون» الأميركية، ومن المواقع التي تم تصويرها عبر الأقمار الاصطناعية مناطق في غرب السودان وحتى مناطق جبال النوبة وكردفان لكن العمل فيها لا يسير بصورة سريعة.