الرئيس التنفيذي لـ«بريتش بتروليوم».. مشكلة أخرى تواجهها الشركة

شكوك بإقالته قبل الانتهاء من أزمة التسرب بسبب إخفاقه في علاقات الشركة العامة

TT

تجد شركة «بريتش بتروليوم»، التي تواجه تسربا نفطيا يقدّر بملايين الغالونات في خليج المكسيك، نفسها مضطرة لمواجهة مشكلة أخرى تتمثل في الرئيس التنفيذي للشركة توني هيوارد، فهو رجل كثير الزلل.

ومن بين سطوره الباقية في الذاكرة: لن يؤدي التسرب إلى مشكلات كبرى لأن الخليج «محيط كبير جدا» و«من المحتمل أن يكون الأثر البيئي لهذه الكارثة متواضعا جدا جدا». وخلال الأسبوع الجاري وجه اعتذارا لعائلات 11 رجلا ماتوا في الحفار لقوله: «أريد حياتي من جديد».

ولكن بدلا من أن يقل دور هيوارد، وهو عالم جيولوجيا يتولى قيادة الشركة منذ ثلاثة أعوام، في مجال العلاقات العامة، حدث العكس. ويوم الخميس بدأت «بريتش بتروليوم» عرض إعلان تلفزيوني يتحدث فيه هيوارد بصورة مباشرة أمام الكاميرا متعهدا باستخدام كل الإمكانات من أجل تنظيف النفط المتسرب.

وينتهي الإعلان بتعهد عاطفي يقول فيه: «سنحقق ذلك، وسنعيد الوضع إلى المسار الصحيح». وفي اليوم نفسه قال خلال مقابلة نُشرت في صحيفة «فايننشال تايمز»: «مما لا شك فيه أنه لم تكن لدينا الأدوات التي تودّ أن تكون في جعبتك».

ويقول منتقدون إنه بدلا من طمأنة الجمهور، تحوّل هيوارد إلى شخص يذكِّر يوما بعد آخر بأخطاء العلاقات العامة داخل «بريتش بتروليوم» في الاستجابة للأزمة، التي بدأت قبل ستة أسابيع ومن المحتمل أن تستمر لوقت أطول خلال فصل الصيف.

وحاول هيوارد مع الشركة أكثر من مرة التقليل من حجم التسرب النفطي ومن دور الشركة في الانفجار الذي حدث في 20 أبريل (نيسان) داخل «ديب ووتر هوريزن» والدمار البيئي الناجم عن ذلك. وفي الوقت نفسه، أعرب عن تفاؤل كبير على الرغم من الفشل المتكرر في وقف التسرب النفطي.

وقد أثار ميل الرئيس التنفيذي للتلفظ بتصريحات مثيرة بصورة واضحة انتقادات من جانب سياسيين ومدونين ومعلقين على شاشات التلفاز هاجموا تعليقه «أريد حياتي مرة أخرى» على وجه التحديد.

ولكن لا يزال هيوارد، وهو رجل جاد المظهر يتمتع بوجه ملائكي ووجنتين حمراوين ولديه لكنة بريطانية هادئة، حاضرا في جهود «بريتش بتروليوم». وبدأ عضو الكونغرس من لويزيانا تشارلي ميلانكون حملة تدعو مجلس إدارة «بريتش بتروليوم» إلى إقالة هيوارد، ويتوقع محللون ماليون بصورة متزايدة أن يُقال من منصبه قبل أن تنتهي الأزمة.

ويقول سيدني فينكلستين، أستاذ الاستراتيجية والقيادة في دارتموث: «يريد الناس أن يعرفوا أن هناك شخصا مسؤولا، وأن شخصا مناسبا يتولى المسؤولية، ولكن الشخص الذي يقول الأشياء التي قالها هيوارد لا يخلق شعورا بالثقة، نفهم أنه مرتبك، ولكن قد يشير ذلك إلى أنه ليس الرجل المناسب في هذا الموقف».

ومع ذلك، يقول روبرت واين، وهو متحدث باسم «بريتش بتروليوم»، إن هيوارد «يحظى بدعم كامل من مجلس الإدارة، وهو في قلب إدارة كل ما يحدث». وتولى هيوارد (53 عاما) هذا المنصب بعد أن استقال جون براون إثر فضيحة شخصية وسلسلة من الحوادث الكبرى. وتعهد هيوارد بأن يعيد التركيز على ثقافة الشركة فيما يتعلق بأمان العمل.

ولا تزال هناك الكثير من الصعوبات أمام «بريتش بتروليوم»، وهي أكبر منتج للغاز والنفط داخل الولايات المتحدة وأكبر شركة تعمل في المياه العميقة في خليج المكسيك. وقد أنفقت الشركة بالفعل نحو مليار دولار للتعامل مع الأزمة، وتواجه خسائر تقدر بمليارات الدولارات بالإضافة إلى مستحقات تلفيات إضافية وعقوبات حكومية، مع تزايد المسؤولية القانونية في كل يوم يستمر فيه التسرب النفطي. وعلاوة على ذلك، تجري وزارة العدل ولجنة مستقلة ولجان عدة بالكونغرس تحقيقات حول الشركة.

ويشعر حملة أسهم بالقلق بشأن تكلفة التعامل مع هذه الكارثة التي ستتحملها الشركة بعد تراجع أسهمها بنحو 35 في المائة منذ الانفجار.

ومن المؤكد أن «بريتش بتروليوم»، التي تتخذ من لندن مقرا لها، تواجه تحديا تقنيا وهندسيا غير مسبوق، وتواجه احتمالات صعبة في السعي إلى التعامل مع بئر النفط التالف في الظلام والضغط تحت 5000 قدم أسفل سطح المحيط. وبعد فشل الكثير من المحاولات لوقف تسرب النفط، تسعى الشركة حاليا إلى تركيب قبة مؤقتة من أجل احتواء النفط المترسب إلى أن تستطيع حفر بئري نجدة.

ومن غير المتوقع إتمام حفر البئرين قبل أغسطس (آب)، وسيستخدم البئران في ضخ إسمنت في البئر التالف لوقفه بصورة دائمة. وسيبقى التلف البيئي ليقل شيئا فشيئا بصورة تدريجية بعد ذلك، وهو ما يعني أن الشركة وهيوارد سيواجهان أزمة علاقات عامة ستستمر إلى أشهر عدة.

وقد طلبت الشركة مساعدة شركة «برونزويك غروب»، وهي شركة علاقات عامة وإدارة أزمات، للتعامل مع الحادث. وقد خصصت الصفحة الرئيسية لموقعها BP.com لتتناول الأزمة، ونشرت إعلانات جاءت في صفحات كاملة داخل كبرى الصحف.

وقامت شركة «بريتش بتروليوم» بتعيين مسؤول جديد عن العلاقات العامة داخل الولايات المتحدة وهي آن ووماك كولتون، التي عملت في «برونزويك» وكانت مساعدة لنائب الرئيس السابق ديك تشيني ومتحدثة باسم وزارة الطاقة.

وفي واشنطن، أصبحت «بريتش بتروليوم» رمزا سياسيا ساما، وأصبحت هدفا في كل الجهات، وتسعى للعمل مع الحكومة من أجل الخروج من الورطة الحالية. وقبل حادث تسرب النفط، لم تكن «بريتش بتروليوم» في بؤرة الاهتمام بالمقارنة مع شركات أخرى تقوم بأعمال ضغط وتقدم مساهمات سياسية تأتي في مقدمتها عمالقة قطاع البترول والنفط مثل «إكسون موبيل» و«تشفرون» و«كونوكو فيليبس». وعلى عكس الكثير من الشركات الأخرى التي لديها مصالح فيدرالية، حافظ «بريتش بتروليوم» على معظم جهود الضغط في الداخل، على الرغم من أنها أبقت على الكثير من عناصر الضغط البارزة في واشنطن ومن بينهم كين دوبرستين وتوني بودستا، من أجل الترويج لمواقفها مثل الحوافز الضريبية لإنتاج الغاز وقوانين تنظيم المناخ.

ومنذ البداية، تعهدت «بريتش بتروليوم» بأن تكون شفافة فيما يتعلق بحادث التسرب النفي. ولكن كانت الشركة تتردد ما بين تقديم معلومات عن الحادث، ووضع قيود على المعلومات. وعلى سبيل المثال، عارضت لأسابيع عرض فيديو مباشر للتسرب تحت المياه، ولكنها وافقت بعد ضغوط مكثفة من جانب الكونغرس. ورفضت الشركة استخدام تقنيات عملية تستخدم على نطاق واسع من أجل قياس التسرب، وقالت إنها تركز على إغلاق البئر.

واتهم مسؤولون في الإدارة وقيادات في الكونغرس «بريتش بتروليوم» بالتستر على الأبعاد الحقيقية للتسرب لأسباب مالية. وأشار كارول براونر، مستشار البيئة والطاقة بالبيت الأبيض، إلى أن «بريتش بتروليوم» «لديها مصلحة مالية» في تقليل حجم التسرب لأن الغرامات التي ستدفعها الشركة في النهاية ستعتمد بصورة جزئية على كمية النفط المتسرب.

وقدّرت «بريتش بتروليوم» والحكومة في البداية التسرب بألف برميل في اليوم، ولكن منذ ذلك الوقت يرى علماء حكوميون أن المعدل أكبر بكثير، إذ يصل إلى ما بين 12 و19 ألف برميل في اليوم.

ويقول ديفيد بيتي، وهو محام بارز لدى مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية: «لقد حاولوا توجيه الرسالة، ومن بينها بعض حقائق، لأن لديهم مصلحة مالية مباشرة في ذلك. وتترك الحكومة (بريتش بتروليوم) تنظف مسرح الجريمة».

وربما في محاولة إلى تقليل حدة الغضب من تعليقاته، كانت تصريحات هيوارد للصحافيين يوم الخميس في هوستن أكثر انضباطا، حيث تعهد بأن تقوم الشركة بتنظيف كل نقطة نفط و«إعادة الشاطئ إلى حالته الأصلية». وأضاف الرئيس التنفيذي: «سنبقى هنا لوقت طويل جدا، وندرك أن هذه مجرد البداية».

*خدمة «نيويورك تايمز»