«الصناديق السيادية» الخليجية أسهمت في إنقاذ المصارف الدولية

توقعات بارتفاع الاستثمارات السيادية لدول النفط من 4.6 تريليون دولار في 2007 إلى 8.9 تريليون في 2013

TT

لفتت قضية الصناديق السيادية نظر العالم في السنوات الأخيرة بعد أن توسعت كثيرا، خصوصا في العامين الماضيين، حين استفادت هذه الصناديق من أزمة الائتمان في الغرب وتعطشه للسيولة لإنقاذ نظامه المصرفي.

والصناديق السيادية هي صناديق استثمارية تملكها الحكومات للاستثمار في الأسواق الدولية. وبالطبع ليس كل الحكومات تملك مثل هذه الصناديق، بل عادة الحكومات التي لها فوائض كبيرة في ميزانياتها.

ورغم أن هذه الصناديق ساهمت بالفعل في إنقاذ المؤسسات المالية الغربية، فقد أثارت شكوكا ومخاوف كثيرة في الغرب، بعضها يعود لعدم شفافية هذه الصناديق، والبعض الآخر يعود إلى «عوامل نفسية» تخص الغرب وحده وليس للصناديق ذنب فيها. فقد كان اثنان من أكبر مصارف الولايات المتحدة، وهما «ميريل لينش» و«سيتي غروب»، قد تلقيا في يناير (كانون الثاني) 2008 مبالغ قدرها 6.6 و14.5 مليار دولار على التوالي من صناديق سيادية غالبيتها من آسيا والخليج العربي.

كما واجهت هذه الصناديق انتقادات داخل بلدانها، من قبيل: لماذا نضخ مليارات الدولارات في الخارج بدلا من ضخها في تطوير الصناعات والعلوم والتكنولوجيا في الداخل؟ ونتناول الآن هذين الانتقادين، الداخلي والخارجي، كما نتناول تساؤلين آخرين هما: ما مستقبل هذه الصناديق، وما إذا كان انتشارها يعتبر حقبة محددة أم أنه نقطة البداية في تحول موازين القوى المالية حول العالم؟

* لماذا لا تُستثمر الفوائض في تطوير العلوم والتكنولوجيا؟

* وإذا بدأنا بالتساؤل: لماذا الاستثمار في الخارج بدلا من الاستثمار في الداخل عبر تطوير الصناعات المحلية، وترقية المؤسسات التعليمية ومراكز الإبداع العلمي والتكنولوجي، فإن المستقبل الحقيقي يكمن في التعليم والابتكار، وهذا ما اكتشفه الغرب منذ أكثر من قرن، لذا فقد تحولت الصناعات الغربية من صناعات تعتمد على «العمالة المكثفة» (labour - intensive)، مثل الفولاذ والنسيج في القرن الماضي، إلى صناعات تعتمد على «المعرفة المكثفة» (knowledge - intensive) مثل العقاقير والإلكترونيات حاليا.

ومثال على ذلك فإن إنتاج برنامج تشغيلي للكمبيوتر مثل «ويندوز» يعود على الاقتصاد بأرباح مضاعفة عشرات المرات من إنتاج القرص (CD) الذي يسجل عليه البرنامج، وذلك لأن إنتاج البرامج أمر معقد ويحتاج إلى كثير من البحوث والعلوم، بينما تصنيع القرص نفسه أمر سهل. وينعكس ذلك بوضوح في السعر: فالقرص الفارغ يكلف أقل من 5 دولارات، بينما يكلف القرص الذي يحمل برنامج «ويندوز» نحو 150 دولارا.

وبينما نشأت دول صناعية جديدة في آسيا تنتج أجهزة الكمبيوتر بأسعار أقل من الغرب، انتقل الغرب إلى إنتاج برامج تشغيل الكمبيوتر التي تعتمد على العلم والابتكار.

ويتفق غالبية الاقتصاديين في لندن، عرب وبريطانيون، على أن جزءا كبيرا من الفوائض المالية لدى دول الخليج يجب أن يُستثمر في تأهيل الإنسان وإعداد أجيال المستقبل للمنافسة العلمية مع الغرب إذا أرادت دول الشرق أن يصبح لها مكان في الأسواق الدولية. وأضافوا أن استثمار الصناديق السيادية «بطبيعته طويل الأجل، لكنه لا يرقى لمستوى الرؤية المستقبلية البعيدة التي تتطلب إنفاق مليارات الدولارات الآن دون انتظار عائد مادي منها في المستقبل القريب، وربما لخمسين عاما أو أكثر».

أما بالنسبة للصناديق السيادية في الدول النفطية، مثل السعودية والإمارات وروسيا، فإن مستقبلها يعتمد إلى حد ما على مصير أسعار النفط الخام. لكن معهد ماكينزي العالمي افترض أقل سعر للبترول خلال السنوات الخمس المقبلة (وهو 50 دولارا للبرميل)، وبناء على هذا السعر قال إن الاستثمارات السيادية لدول النفط سترتفع من 4.6 تريليون دولار في عام 2007 إلى 8.9 تريليون في 2013.

وعلى الرغم من أن الصناديق السيادية تشكل فقط 2 في المائة من جملة السندات والأوراق المالية المتداولة في العالم والبالغة قيمتها نحو 165 تريليون دولار، فإن قوة الصناديق السيادية مستمدة من أنها تملك أسهما أكثر مما تملك صناديق الاستثمار الخاصة. كما أنها تملك أرصدة أكثر من أرصدة «الصناديق التحوطية» (Hedge Funds).

وكان مركز «RGE Monitor» للبحوث قد ذكر في أحد منشوراته العام الماضي أن الخليج ككتلة واحدة بدأ ينافس الصين «كمستثمر مالي ضخم» في الأسواق العالمية. ومن جانبه يعتقد سايمون جونسون، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، أن رأسمال الصناديق السيادية سينمو إلى 10 تريليونات دولار بحلو عام 2012.

وفي هذا الصدد قالت لورا تايسون، التي كانت ترأس مجلس المستشارين الاقتصاديين، التابع للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، إن الصناديق الخليجية تأمل من استثماراتها الحالية أن تضمن مستوى معيشة لا يقل عن مستواها الحالي بعد أن ينفد النفط. ومن جانبه، قال الدكتور أسامة الأنصاري، الخبير المالي في لندن، إن «بناء ثقافة تعي دور المعرفة والابتكار العلمي كأكبر استثمار للمستقبل أمر يستغرق وقتا ويتطلب رؤية ثاقبة لصانعي القرار».

كما أن هناك انتقادا آخر للصناديق السيادية يقول إن استثمار الفوائض المالية في الأسواق الدولية سيخلق مزيدا من اعتماد الدول صاحبة الصناديق السيادية على اقتصاد الدول الغربية، حيث توجد غالبية الاستثمارات. وهذا يعني أنه كلما تعثر الاقتصاد الغربي تعثر معه - وبالحدة نفسها - اقتصاد الدول الخليجية. وهذا على عكس ما حدث الآن حين أنقذ النفط الدول الخليجية من الوقوع في أزمة الائتمان التي عانى منها الغرب مؤخرا.

أما تايسون فتضيف أن «الاستثمار في الصناديق السيادية ليس فكرة سيئة (حتى وإن لم تكن هي الأفضل)، فهي صراحة أفضل من ما فعلته دول الخليج في السبعينات عندما أضاعت الأموال الفائضة في الإنفاق البذخي والمشاريع غير المدروسة».

كما أن هناك حجة أخرى في صالح الصناديق السيادية يوضحها تقرير أعدته مؤسسة «مورغان ستانلي» يقول إن عائدات الأسهم قد تضاعفت 6 مرات بين عامي 1985 و2007، بينما عائدات النفط تضاعفت أقل من مرتين فقط. لذا فإن استثمار عائدات النفط في الأسواق الدولية أجدى من الاحتفاظ بالنفط في باطن الأرض كمخزون استراتيجي على مدى سنوات طويلة. لكن بعض الاقتصاديين يرى في النفط أكثر من مجرد ربح وخسارة، فهو سلعة استراتيجية لإنتاج الطاقة في العالم.

* أنواع الصناديق السيادية وتنوع أهدافها

* تتنوع الصناديق السيادية في أحجامها وأعمارها وطرق إدارتها ونوع الاستثمار الذي يجذبها، وحتى درجة نشاطها وحيويتها. فمثلا تعتبر الصناديق الصينية لاعبا جديدا في الساحة الدولية، بينما مكتب الاستثمار الكويتي الذي تأسس عام 1953 يعتبر أقدم صندوق سيادي. واليوم فإن هيئة استثمار أبوظبي هي أكبر هذه الصناديق على الإطلاق، بل يكاد يكون ضعف حجم الصندوق السيادي الذي يليه مباشرة وهو نرويجي. ومن حيث النشاط، يلاحظ أن المكتب الكويتي مستثمر هادئ لا يتدخل في سياسة الشركات كثيرا، بل يجني أرباحه السنوية عن حصته في الشركة. بينما تتصرف صناديق أخرى مثل «دبي إنترناشيونال كابيتال» و«تامساك» السنغافوري بطريقة تشبه شركات الأسهم الخاصة.

فبعض الصناديق السيادية تتصرف كأي رأسمالي عادي يرغب فقط في زيادة أرباحه. لكن صناديق أخرى لها مآرب أخرى. فمنها من يعتبر الاستثمار الخارجي هدفا استراتيجيا (بصرف النظر عن أرباحه)، ومنها مثلا من يرغب في تطوير صناعاته المحلية وتحفيزها على المنافسة في الأسواق العالمية.

فالنرويج مثلا تستخدم استثماراتها السيادية كنوع من صناديق التقاعد، بينما تهدف روسيا وإيران وربما بعض دول الخليج إلى استقرار موازناتهم العامة في حال هبطت أسعار النفط المتقلبة باستمرار، ومؤخرا هناك دول مثل الصين وكوريا الجنوبية، اللتين ربما تهدفان من هذه الصناديق إلى الانفتاح على الأسواق الدولية ونقل الخبرات والتكنولوجيا عنها. ومن جانبه، توقع معهد ماكينزي العالمي أن تشهد الصناديق الآسيوية تضخما كبيرا خلال السنوات القليلة المقبلة، بحيث يرتفع مجموع استثماراتها من 4.6 تريليون دولار في عام 2007 إلى 7.7 تريليون دولار في عام 2013، أو حتى 12.2 تريليون دولار إذا استمر النمو الاقتصادي الآسيوي بالسرعة نفسها التي كان عليها في السنوات السبع الماضية.

وكانت هيئة استثمار أبوظبي قد اشترت حصة في مجموعة «سيتي غروب» المصرفية قيمتها 7.5 مليار دولار. كما اشترت الهيئة 90% من مبنى «كرايزلر» الذي يعتبر أحد رموز الولايات المتحدة. وبعد ذلك مباشرة أعلن صندوق «مبادلة» الذي تملكه أبوظبي أيضا أنه يسعى لأن يصبح ضمن أكبر 10 حملة أسهم في شركة «جنرال إلكتريك» (GE) الأميركية العملاقة.

فأحيانا قد يشتري صندوق سيادي أسهما في شركة غربية خاسرة فقط بهدف اكتساب خبراتها الإدارية والتقنية. وقد يكون هذا هو الوضع في حالة شراء هيئة الاستثمار الصينية (CIC) أسهم شركة «بلاكستون» الأميركية رغم أنها خسرت فيها نحو نصف مليار دولار خلال أقل من عام.

وليس هناك شك في أن طبيعة الحكومة والبلد الذي ينتمي إليه الصندوق السيادي تلعب دورا رئيسيا (ولو خفيا) في درجة الترحيب بالصندوق في الأسواق الغربية. وعلى سبيل المثال فإن صندوق «Alberta Heritage Savings Trust» الكندي لا يُنظر إليه بالريبة نفسها التي يُنظر بها لصندوق «Macroeconomic Stabilisation» الفنزويلي.

* مخاوف الغرب وشكوكه

* كتب لاري سمرز، وزير الخزانة الأميركي الأسبق، في صحيفة «الفاينانشيال تايمز» مقالا قال فيه إن الانجاز الأساسي الذي حققه الاقتصاد الحر خلال ربع القرن الماضي هو أن الشركات الحكومية تحولت (عبر الخصصة) إلى القطاع الخاص. لكن الصناديق السيادية جاءت الآن لتعكس هذا الانجاز، إذ راحت تعيد الملكية إلى صناديق استثمارية تملكها دول وحكومات، بل حتى الحكومة الأميركية نفسها اشترت حصصا هائلة في غالبية البنوك والمؤسسات الخاصة التي ضربتها أزمة الائتمان الأخيرة. وبطبيعة الحال فإن طريقة عمل الحكومات تختلف عن طريقة عمل القطاع الخاص، لذا فقد طالب سمرز أن تخضع هذه الصناديق لقوانين استثمارية مختلفة عن القوانين التي تحكم القطاع الخاص.

إن مبدأ الاستثمار الأجنبي عادة مرحب به، لكن عندما تكون الأموال الأجنبية آتية من حكومات يتغير الوضع تماما وتبدأ الشكوك، خصوصا بين السياسيين. وعلى سبيل المثال لم يعترض الكونغرس الأميركي على الموارد الأجنبية التي دخلت على أكبر شركات بورصة «وول ستريت»، لكنه انزعج كثيرا عندما حاولت صناديق سيادية من دول نامية شراء حصص كبيرة في شركات النفط والموانئ البحرية. ورغم أن هذه القاعدة غير مكتوبة في أي من القوانين الغربية فإنها تُمارس طوال الوقت. فالسياسيون الغربيون لا يشعرون بالتوجس عندما تكون رؤوس الأموال الأجنبية آتية من دول غربية وليس من دول نامية.

فالغرب لا يثق بعد في طبيعة الأنظمة المالية والاقتصادية في الدول النامية حتى وإن كان أداؤها جيدا. كما أنه لا يثق أيضا في أنظمتها السياسية ونواياها المستقبلية، خصوصا أن كثيرا من هذه الصناديق السيادية تتسم بالسرية والمبالغة في عدم الشفافية.. ظنا منها أن هذه أموال دولة ومن ثم فهي «أسرار دولة». لكن الأسواق العالمية تعمل بنظرية تماما معاكسة وهي الشفافية ومزيد من الشفافية، وإلا لن يثق بك أحد.

وبالفعل فقد أثيرت في الكونغرس تساؤلات وشكوك حول عدم شفافية صناديق الاستثمار السيادية، خصوصا فيما يتعلق بأهدافها ونواياها. لكن وزير التجارة الأميركي السابق هنري بولسون حاول طمأنة الصناديق الأجنبية طالبا منها عدم الاكتراث للانتقادات العلنية. وأشار إلى أن هذه الأموال أسهمت في إنقاذ كبرى المؤسسات المالية الأميركية بل والنظام المصرفي برمته.

من جهة أخرى، رأت مجلة الـ«إيكونوميست» أن الخطر الحقيقي لا يكمن في فرضية أن تسيء الصناديق السيادية استخدام سلطتها - فهذا مجرد احتمال نظري - بل في لجوء الاقتصادات الغربية لنزعة «الحمائية» التي أظهروها فعلا. فكل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد حذر من توسع نشاط هذه الصناديق. كما أن مسؤولا أميركيا سابقا في إدارة بوش قال لمجلة الـ«إيكونوميست»، من دون الكشف عن هويته، إن واشنطن تراقب هذه الصناديق بحذر شديد للغاية، وتعد في الوقت نفسه سلسلة من الإجراءات ضد الصناديق السيادية في حال بدا منها ما لا يعجب واشنطن. لذا فيقول البعض إن قلق واشنطن في حد ذاته سيخيف الصناديق السيادية من أن تحدث أي «إزعاج» في وول ستريت قد يصل صوته إلى السياسيين في واشنطن.

* صندوق النقد الدولي يعد قوانين جديدة قد تصبح ملزمة للصناديق السيادية

* وبسبب قضية الشفافية، يعمل الآن صندوق النقد الدولي على وضع خطوط عريضة لقوانين قد تصبح ملزمة للصناديق السيادية في المستقبل.

وفي هذه الأثناء تشكو بعض الصناديق من أنها تخضع إلى فحص وتمحيص من الحكومات الغربية أكثر مما تخضع له الشركات الغربية نفسها.

ويحاجج المتشككون في الصناديق السيادية بقولهم إن الحكومات عادة تسعى وراء النفوذ أكثر من سيعيها وراء الربح.. وهذا هو الخطر الأكبر. وفي هذا الصدد يقول كيفن هاسيت، من معهد الاستثمار الأميركي «تخيل مثلا أن تشتري الصين مجموعة (سيتي كورب) الأميركية، ثم تهدد بإغلاقها في حال ساندت واشنطن تايوان في حرب محتملة مع الصين. ومثال آخر أن تشتري فنزويلا شركة (Alcoa) ثم تقرر إغلاق مصاهر الألمنيوم في الولايات المتحدة وتنقلها إلى دول أميركا الجنوبية لتوفير أجر العمالة. فمثل هذه السيناريوهات تخيف الكثيرين في الغرب من أن تمتلك رؤوس أموال أجنبية شركاتهم الكبرى، خصوصا إذا كانت هذه الأموال تقف وراءها دول وحكومات لها أجندة سياسية وليس استثمارية فحسب».

ورغم أن اعتراضات الغرب على الصناديق السيادية خفت كثيرا عندما دخل في أزمة الائتمان الأخيرة واحتاج للسيولة، فإن الانتقادات تواصلت همسا، تعبيرا عن الخوف من نمو حجم ونفوذ الصناديق السيادية بسرعة لا يستوعبها الغرب. فلا أحد يعلم تأثير هذه الصناديق على الاقتصادات الغربية. فقد تدخل الصناديق (لأنها حكومية) ممارسات جديدة احتكارية وسلطوية على أداء الشركات الخاصة، أو قد تركز بانتهازية على تكاثر أرباحها فقط. كما قد تمنح هذه الصناديق الدول المالكة لها نفوذا خفيا على السياسة الخارجية للدول الغربية.

ويخشى البعض أيضا، مثل رولاند جيلسون في مقال نشره في دورية «Stanford Law Review»، من أن تُستخدم هذه الصناديق في نقل التكنولوجيا من الغرب إلى الدول النامية وأيضا تحسين القدرة التنافسية لشركات الدول النامية في مواجهة الشركات الغربية. كما يخشى الغرب من أن تستخدم كل من روسيا والصين صناديقها السيادية، وهي حديثة العمر بالمقارنة مع الخليج، في الحصول على نفوذ سياسي. وهذا على عكس باقي الدول الشرق أوسطية والآسيوية التي تبدو مهتمة فقط بالعائدات المالية التي ستجنيها من هذه الاستثمارات. وكان بعض المتخوفين من رأس المال الأجنبي قد حاججوا بأنه لكي تحافظ الشركات الأميركية على استقلالها من تأثير الملاك الأجانب، لا بد أن يُحرم هؤلاء الملاك من حق التصويت، بحيث لن يؤثر على سياسات وقرارات الشركة. ويخشى البعض من أن يكون نمو الصناديق السيادية أسهم في إنقاذ المصارف الغربية.

وتعليقا على هذه المخاوف يقول ريتشارد كوكسون، الباحث الاستراتيجي في بنك «إتش إس بي سي» المتخصص في مراقبة الصناديق السيادية، إن الغرب مرة أخرى يكيل بمكيالين: فعندما حدثت الأزمة الاقتصادية خلال التسعينات هجمت البنوك الأميركية على البنك الآسيوية المنهارة واشترتها بأسعار رخيصة. وعندما احتج السياسيون في تلك الدول خوفا من استيلاء الاستثمار الأجنبي على بلادهم اتهمهم الغرب باللجوء للحمائية. والآن عندما انعكس الوضع ووقع الغرب في أزمة مالية وجاء الأجانب لشراء البنوك الغربية احتج السياسيون في الغرب على فعل كانوا في السابق يدافعون عنه. وقال كوكسون إن ما يخيف الغرب الآن في عقله الباطن هو أن النمو الهائل للصناديق السيادية قد يكون أقوى مؤشر حتى الآن على أن موازين القوى في الاقتصاد العالمي راحت تتغير لصالح الأسواق الناشئة. ورغم كل هذه المخاوف المتنوعة الأسباب فلا يوجد حتى الآن ما يثير الشبهة في أن أحد هذه الصناديق يتصرف بطريقة مشبوهة أو غير لائقة.

ومع تراجع نشاط صناديق التحوط وصناديق الأسهم الخاصة باعتبارها «الشيطان» الذي تسبب في الأزمة المالية الأخيرة، يرشح البعض الصناديق السيادية لأن تصبح هي «شيطان» الأسواق المالية في المستقبل. والشيء الوحيد الذي أسعد السياسيين في الغرب هو رؤيتهم لأموال الدول الناشئة تسرع لإنقاذ نظامها المصرفي. وفي الواقع فإن السرعة التي تدفقت بها رؤوس الأموال النامية على أسواق الغرب كانت أسرع من تدفق أموال صندوق النقد الدولي للدول الفقيرة إبان أوقات أزماتها.

ويلاحظ أن تدخل الحكومات الغربية بشراء حصص في البنوك والمؤسسات المتعثرة يشبه تماما ما تفعله الصناديق السيادية. فالنتيجة النهائية واحدة، وهي أن الدولة تصبح مالكا لحصص في الشركات الخاصة. وقالت مؤسسة «مورغان ستانلي» إن عام 2007 وحده شهد ضخ 69 مليار دولار من مدخرات العالم النامي في المؤسسات المالية الغربية من أجل إنقاذها.