«إعلان دلهي» لتطوير العلاقات التجارية بين الهند وباكستان

التجارة بين البلدين محدودة للغاية وتجري عبر دبي وسنغافورة

تتم التجارة المحدودة بين البلدين بصورة رسمية عبر معبر أتاري واجه الحدودي في ولاية بنجاب («الشرق الأوسط»)
TT

في الآونة الأخيرة، وبعد يومين من المحادثات المكثفة، وفي بعض الأوقات العاطفية، تبنى تجمع رفيع المستوى من رجال الأعمال من الهند وباكستان «إعلان دلهي» تحت رعاية مبادرة السلام، للمضي قدما في العلاقات الاقتصادية بين البلدين كوسيلة لتمهيد الطريق إلى التسوية الدبلوماسية. وكان هذا اللقاء هو الأول من نوعه بين الخصمين النوويين، اللذين خاضا ثلاث حروب منذ 63 عاما عقب استقلالهما عن بريطانيا عام 1947.

وعلى الرغم من الثقافة المشتركة والتراث الممتد لآلاف السنوات، فإن التجارة بين الهند وباكستان صغيرة للغاية بالمقارنة بالحجم الكلي للتجارة للدولتين. وفي الفترة الراهنة، يبلغ حجم التجارة بين الهند وباكستان ملياري دولار، وهو مقدار ضئيل للغاية، وتشكل باكستان 0.5 في المائة من التجارة الإجمالية للهند، وتشكل الهند 1 في المائة من التجارة الإجمالية لباكستان، وهذا الحجم أصغر بكثير من حجم التجارة بين دولتين مجاورتين صغيرتين مثل بنغلاديش وسريلانكا.

ومن المفارقات أن الجزء الأكبر من هذه التجارة يتم عبر دولة ثالثة، وفي الغالب بصورة غير شرعية. حيث يستورد التجار الباكستانيون السلع الهندية من خلال دول الخليج العربي، وبصورة رئيسية من خلال دبي. وتعد سنغافورة دولة أخرى يحصل التجار الباكستانيون من خلالها على السلع الهندية. ويقدر حجم هذه الواردات الهندية غير المباشرة إلى باكستان بنحو 2 - 3 مليارات دولار في العام.

وتتم التجارة المحدودة بين البلدين بصورة رسمية عبر معبر أتاري واجه الحدودي في ولاية بنجاب، التي يقع جزء منها في الدولتين. واقترح الجانب الهندي على باكستان فتح المعبر البري للتجارة عبر ممر خوخرابار موناباو في ولاية غوجارات، المقسمة أيضا بين البلدين.

ومنحت الهند باكستان وضع «الدولة الأولى بالرعاية» عام 1998، بهدف تعزيز التجارة بين البلدين. ومع ذلك، لم تخذ باكستان أي تحركات في المقابل لذلك. وتسمح باكستان باستيراد عدد محدود فقط من السلع الهندية.

وفيما أجبر الاقتصاد والأعمال العدوين السابقين على تغيير موقفهما تجاه بعضهما بعضا، فإنه لا شيء تغير كثيرا بين هذين الخصمين، اللذين أصبحا دولتين متجاورتين بفعل القدر عام 1947 بعد تقسيم الهند إلى دولتين الهند وباكستان. ويوجد بين الدولتين الكثير من القواسم المشتركة.. فهما تتقاسمان حدودا برية طولها ألفي كيلومتر، وبينهما أذواق مشتركة نشأت عبر قرون من التراث المشترك والطلب على المنتجات بينهما.

وحسب تقديرات دراسة حديثة أعدها المجلس الهندي لأبحاث العلاقات الاقتصادية الدولية، قد يتجاوز الحجم الحقيقي للتجارة الواقعية بين الهند وباكستان 10 مليارات دولار إذا ما تمت إزالة العقبات المتعلقة بالبنية التحتية والروتين.

ولا تظهر باكستان على قائمة أكبر 20 شريكا تجاريا لدى الهند، في الوقت الذي تبرز فيه دول صغيرة وبعيدة مثل بلجيكا وهولندا على هذه القائمة. وفي عامي 1948 و1949، كان نحو 70 في المائة من تجارة باكستان يتم مع الهند، فيما كانت 63 في المائة من الصادرات الهندية تذهب إلى باكستان.

ووفقا لدراسة أعدها معهد باترسون للاقتصاد الدولي، وهو مكتب أبحاث مقره واشنطن، تعد إمكانيات التجارة الرسمية بين الهند وباكستان أكبر 20 مرة من حجم التجارة المسجلة. ويعني ذلك أن التجارة الإجمالية بين البلدين من الممكن أن تزداد من المستوى الحالي لها عند ملياري دولار إلى 42 مليار دولار.

ومع ذلك، هناك عقبات سياسية رئيسية أمام تحقيق هذا الحجم. وعلى الرغم من كون الهند اقتصادها أكبر بكثير، فقد فرضت نيودلهي عوائق متعلقة بالتعريفات الجمركية وغيرها، مع فرض رسوم جمركية عالية على نحو استثنائي على السلع التي تعد مهمة بالنسبة إلى إسلام آباد. وقلصت باكستان قائمة إيجابية من 1400 سلعة تستطيع الهند تصديرها إلى باكستان.

وهناك رأي سائد بأن التجارة وإزالة القيود الخاصة بتأشيرات الدخول ووجود قنوات أفضل للاتصال ووجود تبادلات ثقافية وإعلامية وروابط اقتصادية في صورة استثمارات أجنبية مباشرة وانفتاح القطاع المصرفي، لن يساعد فقط في تحقيق القدرات الاقتصادية الكبرى للهند وباكستان، بل سيعطي أيضا فائدة كبرى للسلام بين البلدين.

وعلاوة على ذلك، بدأت الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك)، وهي رابطة مؤلفة من ثماني دول هي بنغلاديش والهند وباكستان وسريلانكا ونيبال وبوتان وجزر المالديف وأفغانستان، التي تم إنشاؤها من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي لكن تم انتقادها لأنها منذ إنشائها عام 1985 لم تقم بهذه المهمة، بدأت هذه الدول عصر التجارة المتحررة والاستثمار في ظل اتفاقية التجارة الحرة في جنوب آسيا، والتي دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من الأول من يوليو (تموز) من عام 2006، مع رؤية لمنطقة متصلة ببعضها بعضا، يكون فيها تدفق حر للتجارة، وحظر قائمة صغيرة من «البنود السلبية» من المنتجات تريد هذه الدول حمايتها. وفي حين أن جميع بلدان جنوب آسيا فعلت ذلك، رفضت باكستان، التي تخشى أن تغمر أسواقها الواردات الهندية الأرخص سعرا، تنفيذ الاتفاقية، التي تم توقيعها قبل ستة أعوام.

ويقطن بدول رابطة «سارك» نحو 23 في المائة من إجمالي السكان في العالم. ولذا، فمن ناحية الأعداد تحظى هذه الدول بإمكانية أن تصبح أكبر سوق مشتركة في العالم حيث إن معدل النمو السكاني بها هو الأعلى في العالم.

ويقول الخبراء من ثقافات كثيرة إنهم يستطيعون إطلاق اندماجات كبيرة مع تغييرات صغيرة لكنها حيوية في نظام السياسة. وبادئ ذي بدء، سيتضاعف مستوى التجارة إذا ما وسعت باكستان فقط قائمتها الإيجابية من السلع المسموح بها، خاصة السيارات وبعض أنواع المنتجات البلاستيكية والسكر.