خبراء: القارة الأوروبية العجوز بحاجة إلى المزيد من المهاجرين

رغم تنامي نزعة العداء للمهاجرين

TT

بعد بضعة قرون من استعمار مناطق كانت في حينها جديدة، تحولت أوروبا الغربية في ستينات القرن الماضي إلى نقطة لاستقطاب المهاجرين، مع اشتداد حاجة الصناعة إلى الأيدي العاملة، الأمر الذي أدى إلى انتهاج سياسات الباب المفتوح مع المهاجرين القادمين من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.

ورغم أن تدفق العمالة الأجنبية تراجع بصورة كبيرة بعد أزمة النفط التي وقعت عام 1973، فإنه عاود الارتفاع مجددا قرب نهاية القرن العشرين، وكان ذلك أساسا من نتائج عودة الرخاء والصراعات التي تفجرت في مناطق أخرى مع نهاية الحرب الباردة.

وعلى الرغم من ذلك فإن مفهوم القلق الثقافي بسبب الشعور بأن الأجانب يمثلون خطرا على «أسلوب الحياة» الوطني، لم يعد يتردد فقط بين المتطرفين اليمنيين، بل امتد إلى كثير من الاتجاهات السياسية والفكرية والثقافية.

هذا العداء للمهاجرين صار في واقع الحال هو الأمر السائد في القارة التي سبق أن أرسلت الملايين من أبنائها وبناتها إلى أستراليا والأرجنتين وأميركا.

ويعود ذلك في جانب منه، كما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية التي أعدت التقرير، إلى ارتفاع المعدل السنوي الإجمالي للهجرة إلى نادي الدول الأوروبية الغنية من 1.5 مليون مهاجر عام 2000 إلى 4.2 مليون عام 2007.

ويفيد مكتب الإحصاء الأوروبي «يوروستات» بأن المعدل عاود الهبوط إلى نحو مليونين فقط.. ويرى الخبراء أنه رغم اشتداد ظاهرة الخوف المرضي من الأجانب، فإنه سيتعين على الأوروبيين الراغبين في الحفاظ على مستوياتهم المعيشية الحالية القبول بقدوم المزيد من الأجانب خلال العقود القادمة.

وكتبت مجموعة «رفليكشن غروب» المعنية ببحث مستقبل أوروبا في تقرير قدمته مؤخرا إلى قادة الاتحاد الأوروبي أنه «إذا لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة، فإن مجتمعاتنا (الشائخة) ستشكل ضغطا على أنظمة التقاعد والصحة والرعاية الاجتماعية وتقوض من تنافسيتنا الاقتصادية».

واقترح حكماء المجموعة حلولا، منها زيادة نسبة النساء في القوى العاملة و«تطوير سياسة أكثر تشجيعا للهجرة تتناسب مع احتياجاتنا الديموغرافية واحتياجات سوق العمل». وبأسلوب آخر: إذا لم يبدأ الأوروبيون على الفور في إنجاب الكثير من الأطفال، سيكون عليهم الاعتماد على مهاجرين من الشباب لسد العجز في القوى العاملة ودفع الضرائب المطلوبة لدفع رواتب التقاعد المتزايدة.

وتتباين تقديرات أعداد الأجانب الموجودين في أوروبا بصورة كبيرة، ربما بسبب اختلاف جهات الإحصاء في تعريف كلمة «أجانب» ومحيط «أوروبا».

فعلى سبيل المثال، قدرت الأمم المتحدة عدد المهاجرين في أوروبا عام 2005 بـ64 مليون شخص. لكن هذا الرقم يشمل أعدادا كبيرة من الأجانب يعيشون في روسيا وأوكرانيا وهما ليستا من أعضاء الاتحاد الأوروبي.

وأشارت إحصاءات لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جرى تداول أجزاء منها على نطاق واسع إلى أن الاتحاد الأوروبي كان يؤوي عام 2006 نحو 41 مليون شخص من المقيمين الدائمين ممن ولدوا في دول غير أعضاء في الاتحاد. ومع ذلك، أفادت بيانات أحدث صادرة عن «يوروستات» بأن العدد كان أقل من 31 مليون شخص عام 2008.

وعلى أي حال، يتفق المحللون على أن أكبر دول الاتحاد الأوروبي على الإطلاق من حيث عدد المهاجرين فيها هي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا.

ورغم أن الاستياء الناجم عن الزيادة المطردة في أعداد الأجانب تسبب في زيادة شعبية الحركات اليمينية على مدار العقود القليلة الماضية، فإن معظم الخبراء يؤكدون أن الاعتماد الأوروبي على المهاجرين يزداد يوما بعد يوم. ويتوقع «يوروستات» أنه من دون المهاجرين سيتراجع عدد سكان الاتحاد الأوروبي بمقدار 48 مليون نسمة بحلول عام 2060، ويرجع ذلك في جانب كبير منه إلى انخفاض معدلات الخصوبة.

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يرتفع متوسط الأعمار بين سكان الاتحاد الأوروبي من 40.4 عام (عام 2008) إلى 47.9 عام (عام 2060)، بينما ستتضاعف تقريبا نسبة من تزيد أعمارهم على 65 عاما من 17 في المائة إلى 30 في المائة.

وتعد الصورة أكثر كآبة بالنسبة لأكبر عجوز في القارة الأوروبية، إيطاليا، حيث توقع معهد «سينسيس» للأبحاث أن نسبة من تزيد أعمارهم على 65 عاما ستتجاوز الربع من عدد السكان بحلول عام 2030.

وفي الوقت نفسه، هناك سياسات الباب المغلق التي بدأت تؤثر بالفعل في دول مثل الدنمارك، حيث أكد خبراء أن الدولة الصغيرة ستكون بحاجة إلى 20 ألف معلم وأكثر من 15 ألف شخص للعمل في مجال الرعاية الصحية قبل عام 2015.

وقد قوبلت هذه الاقتراحات بمعارضة من الحركات اليمينية التي اعتبرت أن التفكير في إمكانية أن يتولى المهاجرون سد العجز في العمالة في المدارس والمستشفيات ليس إلا كالتلويح لثور هائج بعلم أحمر.

وقد أصبح الناخبون الأوروبيون على استعداد لقبول الحد من أعداد المهاجرين في أوروبا، لا سيما أوروبا الغربية.. فقبل فوزه في الانتخابات العامة الشهر الماضي قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وهو من المحافظين «إن معدل الهجرة في هذه البلاد بات مرتفعا للغاية منذ زمن طويل جدا.. وسوف نقوم بخفضه بشكل جوهري».

ويشير الأكاديميون إلى أن الشعور بالاستياء تجاه الأجانب لا سيما وقت الأزمة الاقتصادية آخذ في التصاعد.

ويقينا كانت ظاهرة عدم الارتياح إزاء التعددية الثقافية عاملا قويا يفسر المكاسب القوية التي أحرزها المتشددون من أمثال جان ماري لوبان في فرنسا وجورج هيدر في النمسا وبيم فورتوين في هولندا في نهاية القرن الماضي.

لكن «سياسة التساهل» المفترضة إزاء الهجرة حسبما يتصور البعض تساق الآن باستمرار كتفسير لعدم انتخاب الكثير من الأحزاب اليسارية بالقارة.

وبالقدر نفسه فإن ما يبعث على قلق المدافعين عن سياسة الباب المفتوح هو أن الآراء التي كانت تعتبر منذ فترة ليست طويلة تتسم بعدم التسامح صارت مقبولة بوصفها عرفا من الأعراف.

وتجلى ذلك في استفتاء جرى في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حول المطالبة بحظر مآذن المساجد في سويسرا، حيث صوت قرابة 60 في المائة من الناخبين بالموافقة. ومنذ ذلك الحين فإن قلة من الناس فقط سواء في فرنسا أو بلجيكا أبدوا معارضتهم للخطط التي تدعو إلى منع المسلمات من ارتداء النقاب. وفي واقع الأمر باتت قضية الهجرة مسألة خلافية إلى حد أنه حتى الأحزاب التقدمية تتخذ موقفا متشددا الآن تجاه الأجانب.

وفي إسبانيا، يعكف الآن خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، وهو واحد من رؤساء الوزراء الاشتراكيين القليلين في أوروبا، على زيادة مدد الاعتقال للمهاجرين غير الشرعيين. والكل يذكر الجدل الذي أثاره ثاباتيرو في عام 2005 مع بدء ولايته الأولى لرئاسة الوزراء بتقنينه أوضاع مئات الآلاف من الأجانب ممن لا يحملون أي وثائق وتصاريح إقامة.