الصين تنتهز ركود الاقتصاد في اليونان وتستثمر فيها مليارات الدولارات

اليونانيون يخشون الغزو الصيني للبلاد

تباينت ردود فعل الشارع اليوناني تجاه ما سمي في أثينا بالغزو الصيني لليونان (أ.ب)
TT

شرعت الصين في ضخ مليارات اليوروات في اليونان، في الوقت الذي يهرب فيه بقية المستثمرين من بلاد الإغريق وتنقل فيه الشركات الكبرى أنشطتها إلى خارج حدود اليونان، ولكن قد تأتي الاستثمارات الصينية مدفوعة بمجموعة من الحوافز الحكومية والأسعار التنافسية في الوقت الذي تسعى فيه اليونان إلى التحرك في جميع الاتجاهات لكسب مصداقية المستثمرين من دول العالم المختلفة. وهذا يظهر في زيارات المسؤولين اليونانيين المتكررة إلى العواصم الدولية سواء في العالم العربي أم الأجنبي لجذب المستثمرين وتشجيعهم بمنح امتيازات كثيرة بعيدا عن البيروقراطية التي كان يعاني منها القانون اليوناني.

وبدأت الاستثمارات الصينية تتعاظم في اليونان، على آثار شركة الشحن الصينية العملاقة «كوسكو» التي أظهرت مصداقيتها في الموانئ اليونانية خلال الفترة الماضية، وقد استكشفت هذه الشركة مزيدا من الفرص الاستثمارية في اليونان، مما دفع الحكومة الصينية إلى أن تقرر استثمار مليارات الدولارات في الاقتصاد اليوناني الذي يعاني من التعثر، بما يشمل قطاعات عدة، من السياحة إلى بناء سفن الشحن حتى القطاع الزراعي وما تشتهر به اليونان من إنتاج زراعي لا سيما الزيتون ومشتقاته.

وجاء الإعلان عن رغبة الصين في استثمار مليارات الدولارات باليونان، متزامنا مع إعلان مؤسسة «موديز» للتصنيف الائتماني، خفض تصنيفها لديون اليونان إلى «عالية المخاطر»، وتخفيضها بمقدار أربع درجات من «إيه 3» إلى «بي إيه 1» على خلفية المخاوف بشأن الكيفية التي ستقوم بها أثينا بتسديد ديونها.

وقام وفد برئاسة نائب رئيس الوزراء الصيني شانغ ديانغ بالتوقيع مع نائب رئيس الوزراء اليوناني ثيوظوروس بانغالوس، على 14 اتفاقا تجاريا في مجالات النقل البحري والاتصالات والسياحة وتصدير زيت الزيتون إلى الصين، كما وقع وزير النقل الصيني لي شينغلين ووزيرة الاقتصاد اليونانية لوكا كاتسيلي، اتفاقية تعاون في قطاع الشحن.

في غضون ذلك، اتفق نائب رئيس مجلس الدولة الصيني الذي يزور اليونان حاليا تشانغ ده جيانغ ونظيره اليوناني بانغالوس على تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد، والتعليم، والثقافة، والشؤون الدولية، وذكر تشانغ أن الصين ترغب في التعاون مع اليونان من أجل دفع العلاقات الاستراتيجية الشاملة بينهما قدما، وأن بلاده مستعدة للتعاون مع اليونان من أجل توسيع التجارة والاستثمار، وتدعيم التفاهم المتبادل والصداقة بين البلدين.

وأشار المسؤول الصيني الرفيع إلى رغبة بلاده في زيادة وارداتها من المنتجات اليونانية، وأنها تأمل في أن توفر اليونان التسهيلات والدعم للشركات الصينية التي تقوم بالاستثمار، أو التي بدأت القيام في أنشطتها هنا في أثينا، كما حث تشانغ الجانبين على تدعيم التعاون في المجال الملاحي.

من جانبه، أشاد بانغالوس بالعلاقات الصينية - اليونانية ووصفها بأنها «ممتازة»، قائلا إن اليونان سوف تواصل تدعيم علاقاتها الاستراتيجية مع الصين، والقيام بتعاون فعال معها في القضايا الإقليمية والدولية، وإن بلاده تأمل أيضا في أن تدعم الحكومتان التعاون في الشؤون الملاحية، والتجارة والاقتصاد، والاستثمار من أجل تحقيق التنمية المشتركة.

وعن شركة «كوسكو» ذكر الرئيس التنفيذي لها في اليونان ويي جيا فو، أن استثمارات «كوسكو» في ميناء بيريوس جزء من استراتيجية دولية للشركة، مشيرا إلى أن شركته قيمت الفرص الاستثمارية في الميناء اليوناني خلال سلسلة من المباحثات مع الحكومة اليونانية السابقة، وبموجب الاتفاق الخاص بتشغيل محطات الحاويات في بيريوس تدير الشركة الصينية المحطات لمدة 35 عاما.

وكشف رئيس الشركة عن أنه يخطط لاستثمار 550 مليون يورو (نحو 687 مليون دولار أميركي) لتحديث منشآت محطات الحاويات، وبحلول عام 2015 من المقرر زيادة سعة التشغيل في الميناء من 1.6 مليون إلى 3.7 مليون وحدة معادلة لعشرين قدما. وقال ويي، إن ميناء بيريوس مرتبط بثلاث قارات هي أوروبا وآسيا وأفريقيا، وهناك علاقات ودية تقليدية بين بكين وأثينا ولذا رأت «كوسكو» أن اليونان بيئة جيدة لهذا المشروع الاستثماري، مؤكدا على أنه منذ تولي الشركة الصينية إدارة العمليات في محطات الحاويات بالميناء ازداد حجم الشحن على الفور.

وفي تصاريح لـ« الشرق الأوسط» تباينت ردود فعل الشارع اليوناني تجاه ما سمي هنا في أثينا بالغزو الصيني لليونان، فذكرت كوستنتينا بابايوأنو، وهي موظفة في هيئة ضرائب أثينا، أن ما يحدث حاليا في البلاد سوف يدفع فاتورته الأبناء والأطفال صغار السن عندما يكبرون ويشعرون أنهم يعيشون في مجتمع غريب عنهم يتحكم فيه أصحاب الأعمال من الأجانب، وهذا شيء لا نقبله بتاتا حتى لو نموت جوعا، وفقا لما قالته.

أما مانولي يورغوبولوس، وهو صاحب محل تجاري، فذكر أن استقطاب مستثمرين ورجال أعمال جدد إلى اليونان بغض النظر عن جنسياتهم فهذا شيء إيجابي للغاية في الوقت الحالي الذي تعاني فيه البلاد من الركود، وعلى الشعب اليوناني أن يعمل بصدق وجدية ويستطيع مستقبلا أن يسيطر مجددا على المشاريع الاستثمارية في بلاده.

وذكر لـ«الشرق الأوسط» ديمتريس بابالوكاس، وهو مراقب مالي في إحدى الشركات الاستثمارية، أن الصين وهي الدولة العظمى مستقبلا، تفكر جيدا وبطريقة فريدة، فهي جاءت إلى اليونان «الرجل المريض حاليا» لتستولي على ما في الدولة من فرص واعدة، سوف تستقطب الصينيين إلى أوروبا عبر اليونان التي اعتبرتها بوابة الاتحاد الأوروبي، وباستيلائها على المشاريع الاستثمارية سوف يصعب على أبناء الشعب اليوناني في الفترة المقبلة السيطرة والنجاح، بل ستكون هناك عقبات المستثمرين الأجانب.